ورحل السنوار شهيداً

جيرار ديب

تداولت وسائل إعلام إسرائيلية صورةً لجثّة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يحيى السنوار، بعد استشهاده في اشتباكات داخل مبنى في تلّ السلطان في رفح. وقال بيان مشترك للجيش والشاباك إنّه “خلال نشاط لقوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزّة، قُضِي على ثلاثة مُخرِّبين”، منهم زعيم “حماس” يحيى السنوار.

وقد جاء اغتيال السنوار على الطريقة التي اختارها، بأن يكون شهيداً لأجل فلسطين. هو الذي قضى أعواماً في سجون الاحتلال بعدما حكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة، ليُطلَق سراحُه بعد 22 عاماً مع 1027 أسيراً فلسطينياً آخرين في عملية تبادل أسرى عام 2011، في مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. لم يثن السجن، ولا عذابات الإجرام الإسرائيلي، إرادة السنوار في الدفاع عن القضية التي عاش ومات لأجلها، وهي تحرير فلسطين. لهذا، خطّط وعمل لتنفيذ الهجوم الذي اعتبره كثيرون صفعةً قويَّةً على وجه إسرائيل. كانت عملية طوفان الأقصى، التي قتلت أكثر من 1200 إسرائيلي، ووقع عشرات الأسرى في قبضة “حماس” التي استخدمتهم ورقةَ ضغطٍ في وجه حكومة بنيامين نتنياهو.

في حسابات إسرائيل أنّ قتل القائد السنوار سيحقّق لها انتصاراً ميدانياً تستطيع استثماره سياسياً في الداخل، ولا سيّما أنّ نتنياهو يسعى إلى تحقيق الإنجازات في حربه في المنطقة. ويعتقد بعضهم، وفي مقدمتهم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، أنّه يجب الاستفادة من عملية الاستهداف هذه في الضغط أكثر على “حماس” من أجل إطلاق فوري للأسرى لديها. أكثر من عام مرّ على حرب الجيش الإسرائيلي الهمجية على قطاع غزّة، لم يستطع خلالها تحقيق أهداف وضعها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، ولم يُحقّق ما تمنّاه بتفكيك البنية التحتية للحركة، حتّى حين اعتبر أنّ اغتيال رئيس الحركة في طهران، الشهيد إسماعيل هنيّة، سيقضي على عزيمة المقاومين وسيدفعهم لإلقاء السلاح.

باستشهاد السنوار تكون الحرب في غزّة قد دخلت مرحلةً جديدةً وحسّاسةً إلى حدّ كبير، ولكنّها لن تشكّل صدمةً للحركة لا يمكن تخطيها

يأمل بعض الداخل الإسرائيلي بأن يشكّل اغتيال السنوار فرصةً جِديّةً لإنهاء الحرب في غزّة، وأن يعطي فرصةَ الانتصار لإسرائيل، ويدفع الحركة إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. لكنّ حسابات الحقل قد لا تتطابق مع حسابات البيدر، فالغريب أنّ الإسرائيلي الذي استوطن (واحتلّ) فلسطين منذ 67 عاماً (على الأقلّ) لم يتعلّم أنّ روح النضال عند الشعب الفلسطيني لا تموت ولا تكلّ في الدفاع عن أرضه، وأنّ “طوفان الأقصى” لن يكون نهاية الطريق، بل خطوة في مسار الألف ميل نحو التحرّر، وأنّ السنوار هو جزء من تاريخ الفلسطيني المناضل والثائر لتحقيق النصر وتحرير الأرض.

إن مات السنوار أو عاش، فإنّ “حماس” ليست حركةً مارقةً ولا عابرةً في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل هي عقيدة تُتناقل بين الأجيال، تهدف إلى تحرير الأرض من هيمنة الاستعمار. هذا يُؤكّد أنّ “حماس” ستعيد ترتيب هيكليّتها عبر تعيين البديل، وستكمل المسار في الدفاع عن القضية التي من أجلها تأسّست، ولأجلها يُستَشهَد مناصروها.

وجود السنوار في جبهات القتال يؤكّد أنّ الشهادة مُقدَّسة عند الجميع في “حماس

باستشهاد السنوار تكون الحرب في غزّة قد دخلت مرحلةً جديدةً وحسّاسةً إلى حدّ كبير، ولكنّها لن تشكّل صدمةً للحركة لا يمكن تخطيها. السنوار قُتِل في جبهة المواجهة، وليس بطريقة الاستهداف الجوّي الناتج عن الجهد الاستخباراتي، هذا ما يُؤكّد أنّ الحركة في جهوزية لأيّ سيناريو منتظر، حتّى لو كان على مستوى اغتيال القادة. الهيكلية التنظيمية التي تتشكّل منها حركة حماس تدفع بها نحو إنتاج قادتها بطريقة آلية، ولا تحتاج إلى جهد كبير في الموضوع، كما أنّ وجود السنوار في جبهات القتال يضفي قوّةً إضافية إليها، تُؤكّد أنّ الشهادة في سبيل القضية هي مُقدَّسة عند الجميع، ولا تقف عند الهرمية التقليدية في التنظيمات أو الأحزاب التي تعتبر أن موت زعيمها قد يُشكّل شلّلاً جِدّياً لها، يعوق تنظيمها.

أخذت عملية قتل السنوار النشوة الإسرائيلية إلى حرب 1967، عندما رفع المسؤولون الإسرائيليون كأس النصر يومها، بعدما اجتاح الجيش الإسرائيلي أربع دول عربية؛ مصر ولبنان وسورية والأردن. نشوة الانتصار في ذلك الزمان أخذت مصر إلى اتفاق سلام، من دون أن تأخذ الشعب الفلسطيني رهينةً لهذا الانتصار، فسار الفلسطيني على طريق الانتفاضات التي بدأها عام 1987، في دلالة على رفضٍ مُطلَقٍ للاستلام أمام آلة الحرب والقتل الإسرائيلية.

لن تموت روح المقاومة، حتّى مع استشهاد السنوار، فهذا إن دلَّ على شيء، فعلى أنّ التصفيات لا تحقّق النصر لإسرائيل، ولن تستطيع فرملة الاندفاعة لمحور وضع على عاتقه الدفاع عن حقّ الشعب الفلسطيني. لكن ما يجب التوقّف عنده، أنّ سقوط السنوار شهيداً، سيكون استكمالاً لمشروع المقاومة في سبيل تحرير الأرض.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى