قوات النظام تمطر إدلب بالصواريخ والقذائف وتوقع ضحايا  وموسكو تستخدم المدنيين ورقة ضغط ضد أنقرة

  هبة محمد

في سياق السياسة الروسية التي جعلت من إدلب شمال غربي سوريا ساحة للتصعيد، وتصفية حسابات على اعتبارها نقطة ضعف تركية، أمطرت قوات النظام السوري والميليشيات الروسية الداعمة لها ريف إدلب، بعشرات الصواريخ والقذائف، أسفرت عن مقتل مدني وجرح آخرين فضلاً عن خسائر عسكرية أخرى لحقت بصفوف قوات المعارضة السورية المسلحة وهيئة تحرير الشام جراء الضربات المدفعية، وتزامن ذلك مع انفجار ضخم هز مدينة رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة، الخاضعة لسيطرة الجيشين التركي والوطني السوري المعارض، نتيجة انفجار دراجة نارية في إحدى أسواق المدينة، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص وجرح العشرات حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما أعلنت وزارة الدفاع التركية، عن تحييد ثلاثة عناصر من تنظيم «ي ب ك/ بي كا كا» في منطقة عملية «نبع السلام» شمال البلاد حسب وكالة الأناضول.

نقطة ضعف تركية

الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء، أكد مقتل رجل، وإصابة اثنين آخرين، أمس، نتيجة قصف قوات النظام بالصواريخ بلدة «عين لاروز» في جبل الزاوية جنوب إدلب، فيما أكدت مصادر محلية لـ «القدس العربي»، تعرض البلدة لكم هائل من قذائف الهاون «المورتر»، من قبل النظام السوري والميليشيات الروسية، رغم دخولها ضمن الاتفاق الروسي- التركي الموقع في الخامس من شهر مارس- آذار من العام الحالي.

ووفق المصادر، فإن خروقات النظام السوري للاتفاق الروسي – التركي، شمل مدناً عدة وبلدات في ريف إدلب الجنوبي، ومنها «البارة، كنصفرة، كفرعويد» وغيرهم، حيث تعرضت هذه المواقع لقصف مركز بالمدفعية الثقيلة، مما أدى إلى مقتل أربعة عناصر من المعارضة السورية المسلحة وهيئة تحرير الشام، ويعتبر جبل الزاوية أحد أبرز الجبهات لكل من موسكو ودمشق، ويتعرض الجبل لخروقات دورية، لم تؤثر حتى الساعة على الاتفاق الروسي- التركي حول إدلب، رغم تصاعد وتيرة الهجمات بين الفينة والأخرى ووقع خسائر بشرية بين صفوف المدنيين تجدد عمليات النزوح الداخلي.

وتشير دلائل متضافرة إلى استمرار استخدام الروس لإدلب كساحة للتصعيد، على اعتبارها نقطة ضعف تركية مقارنة بالوضع في ليبيا، وفق قراءة مدير وحدة تحليل السياسات بمركز الحوار محمد نذير سالم الذي أشار أيضاً إلى هشاشة الوضع في إدلب، كونها أصبحت جزءاً من الأمن القومي التركي. وترغب موسكو في توجيه رسائل ضغط مع علو الصوت المصري مؤخراً في ليبيا، والذي لوح بقرع طبول الحرب للضغط على تركيا لمنعها من دعم قوات حكومة الوفاق التي تحشد في محيط سرت من أخذ خيار التقدم العسكري على الأرض.

تصعيد محدود

ويقول «سالم» لـ «القدس العربي»: يأتي التصعيد وسط حديث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، عن تشكيل لجنة مشتركة روسية – تركية لحل الخلافات في ليبيا، وبالتالي، يبدو استمرار التصعيد في إدلب محاولة للضغط على تركيا للقبول بالطروحات الروسية في ليبيا بشكل أساسي. ويضاف إلى ذلك الضغط على تركيا في الملف السوري ذاته، لحثها على الاستمرار في الدوريات المشتركة وفتح الطرق الدولية، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تخفيف الضغط الاقتصادي على النظام لاحقاً، مما يعني محاولة تخفيف عواقب قانون قيصر وتقليص مشاركة تركيا في تطبيقه.

ولم يستبعد المصدر، عملية تصعيد محدود بدون اجتياح بري واسع لمحافظة إدلب، معتبراً أن ذلك مرهون برياح التوافقات الليبية بين موسكو وأنقرة، لكن تصعيداً كبيراً مع هجوم بري كاسح يبدو مستبعدًا حالياً لوجود ميول روسية- تركية، لحل الخلافات بتوافقات مرحلية من دون تصعيد كبير، وهو الموقف الذي يبدو أن تركيا أظهرته من خلال إظهار المرونة ومحاولة التهدئة في ليبيا ومنع التصعيد مع مصر.

المعارضة السورية من جانبها، دفعت عقب التصعيد الأخير على بلدات جبل الزاوية بمزيد من التعزيزات العسكري، تحسباً لحملة عسكرية قد يطلقها النظام السوري بدعم روسي، فيما تواصل قوات النظام إرسال القوافل العسكرية إلى تخوم ذات المنطقة، إلا أن مراقبين قالوا، إن قرار التصعيد أو نقيضه مرهون بطبيعة التفاهمات الروسية – التركية.

أما على الصعيد الإنساني، فقد أرسلت الأمم المتحدة، يوم الأحد، ثماني شاحنات محملة بمساعدات إنسانية إلى محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وأفادت الأناضول، بأن الشاحنات دخلت الأراضي السورية، عن طريق معبر «جيلوه غوزو» في ولاية هطاي جنوبي تركيا، والذي يقابله من الجانب السوري معبر «باب الهوى»، ووفق المصدر، فإن المساعدات الإنسانية ستوزع على المحتاجين في إدلب وريفها.

التعزيزات العسكرية الأخيرة للنظام السوري على تخوم محافظة إدلب ما هي إلا محاولة للفت نظر الأسرة الدولية عما يحصل من إعادة ترتيب بيت النظام الداخلي، حسب الباحث السياسي السوري درويش خليفة، الذي اعتبر في تصريحات لـ»القدس العربي»، أن ذلك قد تجلى عبر الانتخابات النيابية الأخيرة، تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقبلة في صيف العام القادم. وبذلك يضرب النظام السوري، بالعقوبات الأمريكية والأوروبية عرض الحائط، وبالذات قانون «سيزر» (قيصر) الذي دخل حيز التنفيذ وهذا ما أزعج الروس والصينيين كمعارضتين لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ومن الواضح بعد استخدام روسيا والصين لحق النقض الفيتو على إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع إدلب وحصره في بابٍ واحد «باب الهوى»، باتت جميع الملفات على الجغرافيا السورية سياسية وعملية تفاوضٍ بشكل غير مباشر، ولكنها بالنار على حساب حياة المدنيين ومعيشتهم اليومية. علاوة عن تشابك الملفات التركية- الروسية، والحديث عن معركة سرت الليبية، جعل من جميع الجبهات المتداخلة بين البلدين في حالة لهيب صيف مستعر، وفق السياسي السوري.

المصدر: «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى