دخلت القوات الروسية إلى سورية بدعوة مرفقة باستغاثة من نظام بشار الأسد، حيث باشر سلاح الجو الروسي وطيرانه الحديث، بتوجيه ضربات صاروخية ضد مواقع المعارضة السورية، ومجمل الأراضي السورية منذ صبيحة يوم ٣٠ أيلول/ سبتمبر عام ٢٠١٥، وكما قيل في حينها فإن الطلب كان بنصيحة وإصرار من قائد المليشيا الإيرانية في سورية يومها (قاسم سليماني)، وهو الذي كان يقود الحرب في سورية عبر مليشيات ما يسمى (الحرس الثوري الإيراني) وتوابعه اللبنانية والعراقية وسواها، ضد ثورة الشعب السوري. وبعد أن عجزت كل هذه المليشيات ومعها قوات نظام بشار الأسد عن صد هجوم الثوار السوريين، حيث أصبحت في حينها قوات المعارضة السورية العسكرية على بعد كيلومترات قليلة من القصر الجمهوري الذي يقيم فيه رأس النظام السوري بشار الأسد. وكان الروس قد تمهلوا كثيرًا قبل المجيء إلى الجغرافيا السورية، فرسالة الأسد إليهم كانت في مطلع العام 2013لتتم دراسة المسألة بهدوء من كل وجوهها ومدى تحقق مصلحة الاتحاد الروسي في مثل هذا الإقدام الجديد على تدخل عسكري كبير، ليس قريبًا من حدود روسيا، وقد لا تجد فيه بعض الدول الأخرى والكبرى مصلحة لها، أو تساوقًا مع مصالحها، من حيث كثرة التدخلات الإقليمية والدولية في الساحة السورية. إبان وصول نظام بشار الأسد إلى حافة الانهيار التام، أواسط عام ٢٠١٣ بعد هجومه بالسلاح الكيماوي المحرم دوليًا على ريف دمشق، وازدياد حدة التصريحات الأميركية والغربية التي حددت له الخطوط الحمر الكثيرة، قبل أن تتجاوزها أو تصمت عنها مع اتفاق لافروف/ كيري المعروف، والذي اكتفى الأميركان عبره وفي حينه بالقبض على السلاح الكيماوي المتوفر لدى النظام السوري ومصادرته، ليس خوفًا بالتأكيد على الشعب السوري وحيواته، بل من أجل عيون ما يسمى (الأمن القومي الإسرائيلي) وهو الأهم دائمًا بما لا يقاس لدى الأميركان والغرب، بدلالة ما نشهده اليوم من دعم أميركي واضح ومعلن لإسرائيل في حرب عدوانية سافرة تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وكذلك مؤخرًا الحرب التدميرية على لبنان .
الوجود الروسي الاحتلالي الذي قارب سنواته التسع اليوم، مازال يجد أن مصلحته العسكرية والاقتصادية وما بينهما، مازالت حاضرة ضمن احتمالات وتأكيدات بقائه، دون التفكير في المغادرة، وخاصة بعد ارتفاع حدة الصراع مع الغرب عبر الساحة الأوكرانية، وأيضًا مع جملة المتغيرات الدراماتيكية التي تشهدها منطقتنا العربية، بعد العدوان على غزة ولبنان، وتوهان السياسة الإيرانية وإحجامها، بل وعجزها الكلي المريب عن مواجهة المشروع الأميركي أو تابعه الإسرائيلي، وبالضرورة إعادة النظر روسيا وبشكل جدي، في كل الأفكار التي كانت تراود السياسة الاستراتيجية الروسية في احتمالات وإمكانية الانسحاب لصالح الإيرانيين .أو إعادة تموضعات جديدة تخفف من الوجود الروسي ولا تلغيه، علمًا أن هناك صراعًا صامتًا تحت الرماد مازال قائمًا بين المصالح الإيرانية والروسية، ليس على الوضع في سورية فحسب، بل وكذلك ضمن جملة ساحات إقليمية أخرى تجد فيها الدولة الروسية مصلحة استراتيجية مستقبلية لها، وتدرك وتعي أن هناك حالة من التنافس بينهما، الذي قد يرتقي إلى الصراع الحقيقي بين روسيا ومصالحها وإيران ومشاريعها . وهو ما يتمظهر جديًا بين الفينة والأخرى في غير مكان جغرافي أو سياسي في الإقليم أو خارجه.
من هنا فإن احتمالات خروج الروس من سورية ضمن الحيز الزمني المنظور، ليس ممكنًا بنظري، ومن الصعب أن تفكر به روسيا، بينما مازالت تجد أن حدة الصراع بينها وبين الأميركان والغرب تزداد اضطرادًا واتساعًا، يوما بعد يوم، حتى لو جاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية مرة أخرى، مع نهايات العام الحالي، وهو الذي ما برح يعد بتغيير في السياسة الأميركية تجاه الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
ويجدر القول: إن الروس جاؤوا إلى سورية ليبقوا فيها إلى أمد ليس بالقصير، وهم وضمن سياسات الرئيس الروسي بوتين الجديدة الخارجة من رحم النظرة التوسعية الأخطبوطية التحالفية الجديدة مع التنين الصيني، في مواجهة الغرب لا يجدون أن انسحابًا حقيقيًا من سورية يمكن أن يفيدهم في شيء، وهم ماضون في تقاسم النفوذ في سورية مع الإيرانيين والأتراك براغماتيًا وعبر سياسات استراتيجية بعيدة، وليسوا قاب قوسين أو أدنى من الاستدارة. لأن الروس في حربهم ضد أوكرانيا والغرب أفاقوا على أهمية وضرورة بناء تحالفات جدية، يواجهون بها الأميركان والغرب، ويحققون مصلحة روسية بعيدة المدى ضمن محاولاتهم إهالة التراب كليًا على القطبية الواحدة الأميركية، لصالح قيام عالم آخر ذو تعددية قطبية، إن لم تكن ثنائية كما كان مع وجود الاتخاذ السوفياتي قبل انهياره مع مطلع تسعينيات القرن الفائت.
لكن وهنا لب المسألة هل يمكن أن تؤثر الحرب الشرق أوسطية واحتمالات تمددها واتساعها في تموضع جديد للروس في الجغرافيا السورية؟ أم أن ذلك سيعيد تثبيت الوجود الروسي في الأراضي السورية، مع وجود نظام سوري بلا سيادة ومتهالك، أوصل البلاد والعباد في سورية من خلال فواته وعبثه في الواقع السوري وفساده وإفساده، وكذلك دوره الوظيفي، إلى حالة فاقعة من الدولة الفاشلة؟ وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى انهاره الأكيد، فيما لو انسحبت روسيا وإيران من الجغرافيا السورية. ولأن روسيا أيضًا تدرك أن الإيرانيين لا يمكن أن ينسحبوا من سورية في المنظور القريب، وهم الذين بذلوا كل الجهد للوصول إلى الهيمنة على كل من دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت، ضمن مسارات مشروعهم الفارسي الطائفي، الخطر على المنطقة، والذي ما انفك يحلم بعودة مجد امبراطورية (كسرى أنو شروان).. وهو ما يجعل عملية إعادة التفكير روسيًا بالانسحاب من سورية، مسألة بعيدة المنال جدًا، إن لم تحصل تغيرات دراماتيكية كبرى في العالم والمنطقة.
ومازال السوريون يأملون حقًا في خروج عاجل لكل الاحتلالات من سورية الوطن، وهم يعملون على ذلك عبر قدراتهم الذاتية، وتطلعهم نحو الحرية والكرامة، حتى لو كان بعيدًا عن الاتكاء على هذه المعارضة السورية السياسية والعسكرية الرسمية المفتتة والآيلة للسقوط وإلى مزيد من التشظي والفوات.
المصدر: سوريا الأمل