الثورة السورية: أسبابها ..منعطفاتها ..اختراق صفوفها

عزالدين سالم

اليوم وبعد أربعة عشر عاما ومازال الشعب السوري في متاهة وضياع بين التشرذم والفرقة نتيجة الاختراق من جهات كثيرة أهمها إيران عبر قنوات أذرعها؛ وما زال الشعب بين مؤيد ومعارض؛ ومنتفع وطامع في المناصب؛ منقسم مشرذم تطفوا على السطح أصوات المستثمرين تارة والثوار تارة اخرى. ولكن المخلصين القلائل يعانون من حالة بؤس العيش والضغوطات المستمرة لتغيير مواقفهم الوطنية. وآخرين متخمين منتشين برغد العيش وبحبوحة المال من

العمالة والاستثمار. وفي لو من الوطنيين يعملون بصمت خشية أن تطالهم يد الغدر والخيانة من أذرع الإجرام. وللأسف معظمهم فقدوا جل أوراقهم باستثناء الصبر الملازم لعشقهم للثورة.

نعود إلى ذي بدئ. لقد تفجرت الثورة السورية نتيجة للظلم والاحتقان الطائفي والحكم الدكتاتوري التي امتدت إلى قرابة نصف قرن مارس فيها النظام المخابراتي أقسى انواع القسوة اتجاه معارضيه حتى أضحى القتل والتصفية الجسدية سمة من سمات هذه الحقبة وأضحت تصرفات تلك العصابة أمر لا يطاق؛ في موطن السلام سورية العظيمة. قبل تسلط عصابة أسرة الأسد على هذا الشعب. لقد حصل هذا الديكتاتور على كل شيء حتى السلطة في سورية بانقلاب عسكري. نسف كافة القيم المجتمعية وزرع الفرقة بين صفوف الشعب وقوض اركان الحزب الذي تبناه (حزب البعث) مع تحفظي على نهج الحزب ثم قيد الحريات وكمم الأفواه لدرجة لا يتصورها مخلوق من البشر بقيادة حافظ الأسد ((المجرم)) عندما نصّب نفسه القائد الأوحد في سورية للحزب والمجتمع. فأضحى الشعب كالعبيد لا حول له ولا قوة.

حكم بالحديد والنار من خلال فروع المخابرات المشابهة (بالغستابو في زمن النازية) أو الـ (ك ج ب) في روسيا في عهد الحقبة السوفيتية وكان حال الشعب كأي شعب حكم من قبل ديكتاتور. وأي ديكتاتور هذا؛ كان أقذر من سواه وأقدرهم على ممارسة الإجرام ضد الشعب السوري بأكمله رغم اتكائه على الطائفة العلوية وكان حكمه أشبه بعصابة من دكتاتورية وليس نظام.

لذا كان ظهور بما يسمى الربيع العربي الأمل في اندلاع شرارة الثورة التي توافرت شروطها منذ عقود خلت. الربيع العربي وبريق الأمل كان تفجير الثورة والانفجار العشوائي الطبيعي كالبركان الهادر كأي ثورة شعب مقهور اندلعت الثورة وحصل الانفجار مما زرع المخاوف عند جميع الدول في المنطقة لأنهم يعلمون كيف يحكم الديكتاتور حتى حصل الذي لم يكن طبيعياً ولا منطقياً أن هذه العصابة المتسلطة على رقاب الشعب استطاعت التحضير المسبق لاختراق الثورة بعد اندلاعها في أكثر من دولة عربية وأطاحت برؤساء تلك الدول وبدأ التحرير ناجحا من قبل العصابة لانطلاقة الاختراق عبر قنوات عديدة منها الدين والعرقية والمذهبية وحتى استخدمت جناح من الشيوعية الموالي لروسيا الحليف الثاني بعد ايران للديكتاتور وكما استخدم حليفه الأول والغازي للمنطقة إيران وعبر حليفهم التقليدي في الراديكالية الإسلام السياسي. ولم يكن مفاجئ هذا الاختراق بسبب طمع هذه الزمرة في الوصول إلى السلطة عبر أي وسيلة كانت. ولكل مطلع أو عارف على نهج جميع الأطراف الإقليمية والدولية كانت الثورة تخيف الجميع من أن يحصل الشعب على حق تقرير المصير وحقه في الاختيار لمن يمثله من خلال مؤسسات ثورية تقود الثورة من صفوفها من نخب سياسية وعسكرية بعد سقوط الطاغية كانت المفاجأة الكبرى بلجوء الأخير إلى العنف والقتل والاعتقال والتعذيب الوحشي للقضاء على سلمية الثورة نتيجة العنف الوحشي والاغتصاب في أقسى صور الفظاعة والبشاعة، تلك الصور من صور الإنسان المغرور وكانت حلقة من أقسى حلقات العنف المعهود لديه ولم يكتفي بذلك، بل بعد سقوطها الأخلاقي والإنساني في قتل المتظاهرين الأبرياء العزل والشباب الصاعد عماد المجتمع. تخطى ذلك لتعذيب الشيوخ والأطفال واغتصاب النساء أمام ذويهم وفي المعتقلات وحرق الناس احياء لزيادة الضغط على هذا الشعب المكلوم ولم يكن هذا غريبا على تاريخ عصابة تمثلت في عائلة تسلطت على الشعب وتحالفت مع كافة دكتاتوريات العالم ومليشيات الإرهاب الدولي مما سهل لها اختراق الثورة بما يسمى المعارضة المصنعة في أقبية المخابرات ودعم الدول واستغلال الحركات الراديكالية والعاطفة الدينية لذلك وهي الشق الرديف لحليفها الإيراني المتمثل بولاية الفقيه الإرهاب الديني الشيعي لينضم إليه الوجه الآخر من المتطرفين الممثلين بتنظيم القاعدة والمعروف عالميا ومصنف بالإرهاب بقرار دولي. لصبغ الثورة بالسواد وتهمة الإرهاب. لقد كان سبب تلك المقدمة الطويلة التي قدمتها هي ضرورية جدا لفهم سبب وأهداف الاختراق للثورة السورية داخليا وخارجيا. وقال سلمية الثورة بعد أن كانت بداية الثورة السورية السلمية التي خرج بها الشعب الثائر بكل أطياف المجتمع السوري شيوخا وشبابا ذكورا وإناثا وملل ونحل وجماعات تحب بلدها وبعد أن لاح بريق من الأمل في نجاح بعض الثورات في المنطقة العربية وتم إزاحة حكامهم المتسلطين ممن نهجوا منهج التوريث أبنائهم كما فعل المجرم حافظ أسد في توريث الحكم لأبنائه، ولكن تلك الثورات لم تكن في محيط إقليمي طامع بالجغرافيا السورية أو الاقتصاد السوري وملفات أخرى تخص الموقع الجيوسياسي لسورية مما أظهر الصراعات في الملف السوري وجعله أشد تعقيدا ً نتيجة تضارب تلك المصالح الإقليمية والدولية. وخلق محاور متعددة لخدمة مشاريع ابتلاع او هيمنة وخدمة لمصالح اقتصادية أو اقتطاع اجزاء من الجغرافيا السورية بذرائع شتى وهذا ما انصبت عليه جميع الجهود من الدول والتنظيمات، كل حسب غايته وبأسماء وأشكال مختلفة، منها التدخل المباشر أو غير المباشر أو اكتفوا بأذرع العملاء لصناعة جسم هزيل ادخلوا عليه بعض الشخصيات الوطنية سمي بـ “المجلس الوطني السوري” بأواخر عام 2011 لاكتساب شرعية الشارع الثوري ثم وسعوه حتى أضحى أكثر فعالية في هدم الثورة وصنعوا “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” بأواخر عام 2012، الذي أيضا ضم شخوص وطنية، ولكن غير فاعلين دفعت بهم الدول. ولم يكتفوا بذلك، بل زرعوا خنجر مسموم آخر بما تسمى معارضة ومنصات كان الإسلام السياسي هو الأكثر دعما من كافة الأعمدة في هذا الجسم الخبيث الذي أدى إلى تفكيك اللحمة الشعبية من خلال الأجندات الدينية والعرقية.

فكيف تستقيم الأمور لثورة شعب بعد تلك التقسيمات والشرذمة؟ في الوقت الذي أن الثورة تعني التغير الشامل وليس تغّير نظام حكم فقط، وبين معارضة وثوار والمعارضة هو المسمى الغريب في زمن الفوضى لا أراه مناسبا إلا لمعارضة الثورة والثوار وزرع الانشقاق!!؟ أما التعبير السياسي المنطقي للمعارضة التي المقصود بها معارضة النظام فتكون في زمن السلم والاستقرار لا في زمن الثورة. وهنا حلت الكارثة حيث إن ((المعارضة تعني أنها معترفة بشرعية النظام القائم)) أما الثورة فهي تريد إعادة الحكم للشعب ولا تعترف بنظام جثم على صدر الشعب لأكثر من نصف قرن خلت وخرج هذا الشعب بثورة شعبية لا تعترف بما يسمى سلطة أوما يسمى مجازاً (نظام حكم في سورية) لأن في سورية عصابة وليس نظام حكم. ومن خلال تلك المعارضة بدأ الاختراق لصفوف هذه الثورة العظيمة. حيث اخذ جزء من تلك المعارضة وهو حليف الخصم اللدود للثورة والمرسل من قبل دولة أرسلت ميليشياتها السورية لقمع المظاهرات السلمية وجند على ما يزيد عن خمسة وستون ميلشيا مسلحة مدعومة عسكريا من خارج سورية لقتل وتشريد الشعب السوري كما صنعوا ميلشيات بقالب حديث يعتبر كحصان طروادة لاختراق صفوف الثوار ويصنع اجساماً مصنعة محليا من خلال استغلال العاطفة الدينية التي يلفها الجهل، لغرض قمع الثورة واعطاء بدائل جهادية متطرفة، وكان هذا الاختراق الداخلي الأخطر (فداعش والنصرة والمجاهدين القادمين من الخارج) هو الجزء الأهم من الاختراق الخارجي، وكان الجزء الأخطر عموماً وتم بدعم دولي عن طريق الإسلام السياسي عبر قنوات مشفرة لشيطنة الثورة وصمها بالإرهاب، وهم القاسم المشترك بين تلك المليشيات الداخلية والخارجية وكان التحالف مع النظام عبر الوسيط الإيراني هو أبرز السمات لهذه الحركة المجرمة لأنهم متحالفين مع حليف النظام الإيراني ولهذا كان اسقاط هذه الأجسام ضرورة ملحة وعلى رأسها (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) وما انبثق عنه من مؤسسات. وهنا يبدأ المشروع الوطني، وفعليا قامت بعض النخب والثوار السوريين الواعين بالعمل على إسقاط هذا الجسم السرطاني المزروع في جسم الثورة والذي دُعمَ وشكل دوليا وبداية تلك التوجهات كانت منذ انعطافه الثورة عام ٢٠١٥ حيث شكل فريق من الثوار وبشكل ودي ببعض التفاهمات لإصلاح هذا الجسم من الداخل واستبعاد الشخصيات المتلونة والدخيلة على الثورة والتي ثبت أنها تعمل لصالح اعداء الثورة أو لصالح الإرهاب؛ لكنها بائت هذه الجهود بالفشل. وفي عام ٢٠١٨ بعد الفضيحة المدوية التي أظهرت الانبطاح الكامل من هذا الجسم لدولة إقليمية، وفشل أيضا. ثم تكرر هذ ابعد مضي فترة وجيزة حيث انبرى ثلة من الوطنيين الأحرار بتشكيل محكمة ثورية شعبية أكثر وضوحا وثورية من التجارب السابقة وكان ذلك في الشهر الخامس من عام ٢٠٢٢ بعد تشكيل جسم وطني سُمّي (المجلس الأعلى للوحدة الوطنية الثورية) وتبنى هذه المهمة بطرح ذلك على الشعب ليحاكم الائتلاف وما انبثق عنه من مؤسسات شكلتها الدول ايضا. وهنا ظهر بعض المنتفعين من الائتلاف ومتسلقي الثورة لتحل الكارثة من جديد حيث بدأت الظاهرة الغريبة بصفوف الثوار أو دعاة الثورة ولتكشف خيوط اللعبة عند طرح خطة عمل محاكمة الائتلاف وما يسمى حكومة ومؤسسات منبثقة عنه في محاكمة شعبية ثورية، لتثير حفيظة هؤلاء المنتفعين والمتسلقين واختراع خلافات أدت إلى انشقاق بالمجلس الأعلى الراعي الأساسي للمحكمة ويسارعوا للسير خلف اجنداتهم المشبوهة بادعاءات إعلامية واهية، وأفشلوا أعظم خطوة حقيقة لإعادة الثورة إلى مسارها الصحيح بعد اندلاع الثورة في 2011. وبدأ العمل الوطني الحقيقي على مسارين متوازيين:

 1- إنشاء منظمات مجتمع مدني حقيقية يفرزه الشعب وترفض مشاركة العصابة كما رفضت التغيير الديمغرافي الحاصل بعد الترحيل من المناطق الثائرة وهذا موضوع كبير ليس المكان لذكرها لآن، ورفض التقسيم المطروح عبر كانتونات تابعة لدول. وكان هذا العمل يرعب أعداء الثورة.

2- خلق جسم وطني حقيقي ينتخب ويفرز قيادة سياسية جامعة تجمع معظم الأطراف السياسية غير المتطرفة وليس لها أجندات سوى وحدة سورية أرضا وشعبا واستقلالها. للانتقال بسورية إلى مصاف الدول المتقدمة على كافة المستويات والأصعدة. على أن ينطلق من الحراك الثوري السلمي ومن الداخل أيضاً، أيضاً عملت على إفشاله من قبل المنتفعين والمتسلقين بدعوى عدم الإقصاء المبطن بالخبث إذ كيف يمكن ويعقل أن يضم جسم وطني ثوري متطرفون بشتى المسميات بين صفوفه!!؟

من هنا بدأت انطلاقة الحرب الكلامية وممارسة الضغط على النخب من اتباع تلك المؤسسات غير الشرعية اصلاً وغير منتخبة والأعتى من ذلك أنها صنيعة دول ومخابرات لتحقق مصالح الأخيرة هذه ما تسمى معارضة.

اليوم نجد جموع شعبنا السوري الحر متظاهرون في الشمال السوري وفي السويداء. خرجوا يطالبوا بأهداف ثورتنا، ولكن بشكل ثوري، ولا ننكر تخلله بعض الفوضى والأخطاء وانما مطالبهم صريحة وواضحة أيضاً بإسقاط هذه المعارضة وما انبثق عنها من أجسام عليلة تعمل لإنهاء الثورة والتطبيع مع نظام الأسد وهذه الأجسام المريضة (هيئة تفاوض حكومات مجالس محلية مصنعة…الخ) وهذا ما نعتبره انطلاق الثورة من جديد وعلى أسس وطنية حقيقية وليس محاصصات أو منصات مصنعة ومخترقة من أطراف كثيرة هم أعداء الثورة.

وهناك أسباب لهذا الاختراق لم نذكره الا بعبارة واحدة (لقد اتخذ القرار الدولي في بتر الربيع العربي في سورية خشية امتداده إلى المحيط) حيث نرى الجميع يهرول للتطبيع مع نظام الأسد المصنف من دول كثيرة أنه داعم للإرهاب ومروج لتجارة المخدرات ويحارب شعبه لإفشال ثورة الشعب السوري. وهنا أحب أن نقف جميعا خلف هذا الحراك موقف إيجابي مؤدين لتلك الجموع المنادية بأهداف الثورة. لتحقيق اهداف الثورة والشعب وهذا من أبسط حقوق الشعب

السوري في تحقيق المصير والانتقال بسورية إلى مصاف الدول الديمقراطية الحقيقية سورية

موحدة أرضاً وشعباً وبلا اسد. وهنا يحضرني قول الثائرة الحرة والفنانة مي اسكاف رحمها الله.

“انها سورية العظيمة وليست سورية الأسد”.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قراءة موضوعية وتحليل دقيق لواقع الثورة السورية إنطلاقاً من الأسباب والمنعطفات وأيضاً الإختراقات التي تمت وتتم لتمثيل الثورة بمؤسسات غير وطنية وثورية، ومحاولات تصحيحها وإعادة هيكلة هذه المؤسسات التي تمثل ثورتنا ومعيقات ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى