قصة ” أرخبيل تشاغوس “

محمد علي صايغ

قد يظن البعض أن قصة ” أرخبيل تشاغوس ” خيالية أو من وحي الخيال .. لكنها قصة حقيقية .. تشاغوس جزيرة خلابة في المحيط الهادي ، ، تحيط بها على البحر أكبر الجزر والشعاب المرجانية في العالم بأشكالها وألوانها المذهلة ، كانت جزء من جزيرة ” موريشوس ” وتتبع إدارياً لها ، اكتشفها البرتغاليون في القرن السادس عشر ، ولم يضمها البرتغاليون لإمبراطوريتهم لأنها لم تكن تمثل في ذاك الوقت أهمية اقتصادية أو سياسية ..

بعد ذلك  وضعت فرنسا يدها على تلك الجزر في القرن الثامن عشر ، واطلقوا عليه اسم ” جزيرة فرنسا ” . وفي عام 1810م ، احتلت بريطانيا جزيرة موريشوس وضمت إليها جزيرة تشاغوس بعد أن تنازلت فرنسا عنها بموجب معاهدة باريس 1814م ، أغلبية سكان هذه الجزر من أصول أفريقية كموزمبيق ومدغشقر والسنغال والسيشيل وبعض الهنود ….

وبعد حصول دولة موريشوس على أستقلالها عام 1968م احتفظت بريطانيا ” بأرخبيل تشاغوس ” وقدمت منحة قدرها ثلاثة ملايين جنيه استرليني مقابل فصل الأرخبيل عن دولة موريشوس .

حتى الٱن لم تبدأ قصة ” أرخبيل تشاغوس ” ، ماسبق كان سرداً تعريفياً ..

قصة ” أرخبيل تشاغوس بدأت عام 1968 ، حينما بدأت بريطانيا بأكبر عملية إبادة جماعية وتهجير … يروي القصة الصحافي الاسترالي ” جون بيلجر ” كما كتب عن المفاوضات السرية بين بريطانيا وأمريكا النائب السابق لرئيس الوزراء البريطاني ” جون بريسكوت ” مقال نشر في جريدة الميرور عام 2013م .

بدأت حبال الاتفاقات السرية على الأرخببل بين بريطانيا وأمريكا في 1965 في عهد ليندون جونسون ، وبموجب هذا الاتفاق السري حصلت حكومة حزب العمال بقيادة ” هارولد ويلسون ” تخفيضاً على الغواصة التي تحمل صواريخ ” بولاريس ” بخصم 14 مليون دولار من ثمن الغواصة ..

جرت عمليات نهب وقتل وتهجير كبرى لجزيرة ” تشاغوس ” ، إبادة لكافة وسائل العيش وحتى الحيوانات ، وتجريف للبشر وإشعال الحرائق في مساكنهم، في عملية ترحيل ممنهجة ، وتهجير قسري مروع ، دفعت بسكان الأرخبيل إلى ترك موطنهم والهجرة إلى الجزر المجاورة وإلى بريطانيا ودول عديدة أخرى ..

كانت عين الولايات المتحدة الأمريكية على ” جزيرة تشاغوس ” كأهم موقع استراتيجي يشرف على أفريقيا والشرق الأوسط ، وشرق أسيا … ، وقد قامت بإستئجار الجزيرة من بريطانيا ( على اعتبار بريطانيا كانت تعتبرها أرض بريطانية )لمدة خمسين عاماً ، يمدد الاستئجار عشرون عاما أخرى تنتهي في عام ٢٠٣٦  وعلى أن تكون كامل أرض الجزيرة ” مطهرة تطهيراً كاملاً ” وخالية من البشر وحتى من الحيوانات المستخدمة من مواطني الجزيرة . من أجل بناء  أكبر قاعدة برية وبحرية للولايات المتحدة الأمريكية  أطلق عليها قاعدة ” دييغو غارسيا ” وتشير التقارير أن في هذه القاعدة وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA , ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية SAA , ووكالة الفضاء الأمريكية Nasa , وقوة الفضاء واختباراتها ….

في عملية تطهير كاملة للبشر في الجزيرة  ، شعب يقتل ويهجر ويسحق ، ويرمى في عرض البحر من سفن الهجرة ، وتضطر النساء إلى الانتحار من أجل بناء قاعدة ” دييغو غارسيا ” التي استخدمتها أمريكا في غاراتها الجوية بالهجوم على العراق وافغانستان وليبيا ودول أخرى ، كما استخدمتها المخابرات المركزية لاستجواب ما أطلق عليهم إرهابيون …

ظلت مأساة ” تشاغوس ” في طي التعتيم الشديد حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي ، وعندما بدأت تتكشف خيوط المؤامرة على الجزيرة شيئاً فشيئاً تحركت المشاعر الإنسانية لدى بريطانيا وغيرها من الدول الغربية وسارعت إلى الإعلان عن المساعدات الإغاثية والإنسانية ودفع التعويضات لسكان تشاغوس المهجرين ، وأطلق النواب البريطانيون حملة تعاطف ألبسوها لباساً إنسانياً وأخلاقياً ، ووثقوها بصور منحهم وسخائهم على اطفال تشاغوس ، ليخفوا جرائمهم بحفنة من المساعدات والتعويضات مقابل قتل وتهجير شعب بأكمله …

هذا هو سلوك الغرب المتوحش ، أو كما يُطلق عليه المعجبون بتقدمه ونهضته الذين يعانون من عقد نقص بالتقدم الظاهري أو المظهري له ، ” بالغرب الحضاري ”  الذي ينهض ويتقدم على حساب شعوب الأرض ونهبهم لخيراتهم ومواردهم ..

قصة ”  أرخبيل تشاغوس ” لا تختلف عن قصة فلسطين وما فعله الكيان الصهيوني بالفلسطينيين ، وما زال يفعله اليوم في غزة وجنوب لبنان من عمليات تدمير ممنهج ، وإبادة جماعية واسعة ، وتجريف للبشر وتشريدهم وتهجيرهم .. أنه ذات العقل الغربي الذي تحركه الصهيونية العالمية .. وفي ذروة الحرب على غزة ولبنان يتباكى الغرب على ما أحدثته إسرائيل من قتل المدنيين  وتدمير البنى التحتية والحياة ، ويصرحون على أنه قد تجاوزت إسرائيل الحدود في حربها ( مع ملاحظة أنهم لا زالوا يطلقون عليها حرب دفاع إسرائيل عن النفس ) ، وأنهم حذروها من توسيع الحرب أو القتل الواسع النطاق ، لكنهم وعلى رأسهم أمريكا يدعمونها بكل سلاح القتل والدمار الفتاك ، وكافة طائراتهم الحربية العملاقة وصواريخهم الذكية التي تصل لأعماق الأرض ، وبكل التقنيات الحديثة لإحداث مزيد من القتل والتدمير والتهجير ، وبالتوازي مع ذلك يقفون بوجه الأمم المتحدة ودولها باستخدام الفيتو أو التلويح به ضد وقف الحرب الإسرائيلية الهمجية ، وبذات الوقت يتهافتون هم ووكلائهم أو بالأحرى عملائهم على إرسال ما يجودون به على متن شاحنات أو طائرات المساعدات الإنسانية الشحيحة لمساعدة المهجرين والنازحين …. دائماً يكرر الغرب جرائمه في السر والعلن ، ودائماً تحت باب المساعدات الإنسانية يحاول إخفاء أو التقليل من كوارث جرائمه ، ومن كبح ردات فعل الرأي العام في دولهِ ..

قصة ”  أرخبيل تشاغوس ” تتكرر في كل مكان خاصةً في العالم الثالث .. بأشكال وطرق مختلفة ، فقد تكون بإلغاء شعب مقابل زرع شعب ٱخر باستئصال مبرمج ، كما فعلت الصهيونية العالمية بفلسطين في القرن الماضي ولا زالت تعمل بتوسيع حروبها ومستوطناتها  ، وقد يكون بتدمير الدول وتحريك الحروب والصراعات فيها وتشريد شعوبها وتهجيرهم وتهجير العقول ، والطاقات الشبابية وإفراغ تلك الدول منهم ( كما حصل في بعض دول الربيع العربي ومنهم سورية ) ، لكي تبقى هذه الدول تحت رحمتهم ، في تبعية مطلقة لهم ، ولتبقى في حالة ضعف ونزاعات داخلية ، وتحركها الحروب والنوازع ما قبل الوطنية من عشائربة وقبلية وإثنية وطائفية ، ولكي تبقى تابعة تعمل وفق مخططاتهم وأجنداتهم ، وتحويل شعوب هذه الدول إلى عبيد تعمل وفقاً لمصالح الغرب وخدمةً له ، وتكون  وقود له في حروبه ، وساحات حرب – إن اقتضى الأمر – لتصفية الحسابات مع الدول التي تتنافس معها على مواقع النفوذ والسيطرة ، وفرض عمليات النهب والسرقة المنظمة لإبقاء كافة الموارد والخيرات الوطنية للدول الضعيفة تحت الأرض وفوقها تحت تصرف الدول الكبرى تغرف منها لوحدها ماتشاء وكيفما تشاء .. إنسجاماً مع قاعدة ” البقاء للأقوى ” وضد قاعدة  ” البقاء للإنسان واستمراره ومنع فنائه ” وقد قالها يوماً مستشار الأمن القومي الأمريكي ” بريجنسكي ” بخصوص رؤيته للسيطرة على الشرق الأوسط : ” أي دولة عظمى لا يمكن أن تبقى دولة عظمى إلا بالسيطرة على الشرق الأوسط ، ولا يمكن السيطرة على الشرق الأوسط إلا بإشعال الحروب ، وإذكاء نار الصراع والاقتتال العرقي والمذهبي الطائفي فيه ” .

===============

( جغرافياً : تقع جزيرة تشاغوس في المحيط الهادئ مقابل شاطئ دولة مدغشقر ، وهي من الجزر الكبيرة في الأرخبيل التي يبلغ عدد جُزره 60 جزيرة ،  عاصمة جزيرة تشاغوس ” دييغو غارسيا ” مناخها استوائي، مساحتها 56.13 كم مربع ، تقع جنوب شرق القارة الأفريقية على بعد  1000 كم جنوب المالديف ، و 2000 كم شرق السيشيل ، وعلى بعد 2000 كم شمال شرق موريشوس . ) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى