قرار لبنان في إيران

عبد الوهاب بدرخان

كلّ ما هدد به قادة إسرائيل لبنان، طوال “عام غزّة”، ينفّذونه الآن ساعين الى “غزّة ثانية”، وكما فشلت الولايات المتحدة (أو أفشلت نفسها) في خفض مستوى الوحشية الإسرائيلية هناك، فإنها تفشل أيضاً في فرض ضوابط على استخدام أسلحتها للتدمير الشامل هنا، أي في لبنان. واشنطن والعواصم الغربية تترجّح بين رغبة علنية في وقف إطلاق النار، وقبول ضمني بما تحققه إسرائيل ضد الذراع الأساسية الأقوى لإيران، بل انه قبول معلن عبّرت عنه الإدارة الأميركية بإدراجها اغتيالات قادة “حزب إيران/ حزب الله” في سياق “العدالة” والثأر لقتلاها من جنود المارينز (1983).

الأهداف القصوى التي حدّدتها إسرائيل لوقف إطلاق النار (إبعاد “حزب الله” الى شمالي نهر الليطاني، ونزع سلاحه، والتنفيذ “الكامل” للقرارات الدولية)، كما وردت في رسائل وزير خارجيتها الى 25 دولة حليفة أو صديقة لإسرائيل، تعذّر تحقيقها بالديبلوماسية (عبر الأميركيين والفرنسيين) لذا فهي تحاول الآن إنجازها في الميدان. “حزب إيران” اللبناني، كما “حماس”، لا يلتفت الى الخسائر البشرية والعمرانية، بل إلى قدراته العسكرية وإمكان استمراره في استخدامها، وإذا استجاب لمساعي وقف النار فإنه يفعل ذلك بشروطه. لكن ما تغيّر فعلاً كثير، وكثير جداً.

كان “البيان الثلاثي” (نبيه برّي ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط) محاولة لترتيب خروج من المأزق بـ”إخراج” لبناني داخلي. وإذ “طلب” البيان وقفاً للنار وإرسال الجيش الى الجنوب وتطبيق القرار الدولي 1701، كان السؤال: مَن يطلب ممّن؟ وإن كان هذا الطلب من الحكومة اللبنانية فلماذا لم تجتمع وتقرر إعلان وقف النار وإرسال الجيش؟ الواقع أنه كان مجرد بيان مبنيّ على موافقة “افتراضية” من “الحزب” ولم يعد هناك في “الحزب” مَن يستطيع تأكيدها. لذا سارعت طهران بإرسال وزير خارجيتها الى بيروت، ليس فقط لإحباط المحاولة “الثلاثية” برفض وقف النار وإبقاء الكلمة للميدان تحت شعار “استمرار المقاومة”، بل خصوصاً لمخاطبة واشنطن وغيرها بأن قرار لبنان أصبح الآن “رسمياً”، وبلا أي مواربة، في إيران.

ما كان يقال مجازاً في لبنان أصبح الآن أمراً واقعاً، فالحرب هي بين إيران (ومعها ميليشياتها) وإسرائيل (ومعها أميركا والغرب)، أما لبنان فليس سوى ساحة وميدان. وفي طيات المهمة التي جاء بها عباس عراقجي رسالة مزدوجة الى من يهمه الأمر: إبقاء المواجهة في هذا الحيّز، ودعوة الى التفاوض مع إيران في شأن لبنان وسوريا وغيرهما.

https://www.annahar.com/articles/annahar-writers/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86

المصدر: النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى