مطيع البطين كاتب سوري، هذا أول عمل فكري أقرؤه له، والكتاب الاحتلال الإيراني لسورية، كتاب مهم في موضوعه وفي توقيت نشره. يقسم الكاتب الكتاب إلى فصول:
اولا: الاحتلال الإحلالي.
دون مقدمات يتحدث الكاتب عن التواجد الإيراني في سورية والمنطقة العربية، ودون الغوص الغوص في الجانب التاريخي لإيران الدولة والمجتمع، وجوارها العربي والمسلم. يتحدث عن دور إيران في مساعدة ودعم النظام الاستبدادي السوري بكل الوسائل من أوائل الثورة السورية في عام ٢٠١١م. كانت أساليبه متنوعة ؛أهمها الإحتلال الإحلالي حيث تم استجلاب الكثير من الإيرانيين و الافغان والعراقيين واللبنانيين والباكستانيين ممن ينتمون للمذهب الشيعي، وزرعهم في البلدات التي هُجّر أهلها كما حصل في داريا والقصير والجنوب السوري وأحياء في حلب وبقية المدن والبلدات السوريى. وطّد هذا التوطين ودعمه شراء الأراضي والعقارات من الإيرانيين ومن يعمل لصالحهم بالظاهر والباطن. استفادوا من قوانين سنها النظام السوري، تجعل امكانية سرقة البيوت والاراضي التي هُجّر أهلها او استشهدوا، أن يتملكها هؤلاء الغرباء، وزاد ذلك حيث تم اعطاء الجنسية السورية لأعداد كبيرة منهم، يقدر أعدادهم بين ملايين ومئات آلاف من الشيعة المستجلبين من الخارج.
ثانيا: تغيير الهوية السورية.
لا يغيب عن الذهن اعتماد الإيرانيين على التأثير عبر الرموز الدينية التاريخية، مثل موقعة كربلاء التي استشهد فيها الحسين بن فاطمة ابنة الرسول ص، والمتاجرة بهذا الاستشهاد، وخلق المناسبات الدائمة للتذكير في ذلك وتحويله لندبة في ذات المسلم الشيعي، بحيث يشعر بالمظلومية والتقصير ويكون جاهزا لأي مهمة يوكل بها ليعيد لنفسه وروحه التوازن. فيكون بعضا من جيش إيران المقاتل لمصالحها تحت إدّعاء أنهم ينتصرون للشيعة والتشيع. لكل ذلك كان من أهم ما فعله الإيرانيون في سورية التركيز على القبور والمراقد بعضها حقيقي واغلبها مزيف، وحولوها الى مزارات وحسينيات ينشطون فيها للمذهب الشيعي الذي يعني ضمنا الولاء لإيران على حساب كل ولاء آخر. أعادوا بناء مقام السيدة زينب والسيدة رقية والسيدة سكينة وكذلك فعلوا في كثير من القبور على مدى الخارطة السورية. هذا غير طمس وتغيير وتشويه تاريخ سورية في المرحلة الاموية والعباسية وما تلاها. ويضاف إلى ذلك حملة تشويه واعادة قراءة التاريخ الإسلامي من منظور شيعي يخدم إيران التي تدعي – بعد مجيء الخميني – أنها الحامية للشيعة والتشيع في العالم. كما شنوا حملة تشويه للثقافة العربية وللّغة العربية ذاتها، وبدأوا في نشر الثقافة الإيرانية واللغة الإيرانية في جامعاتهم ومدارسهم التي ألحقوها في حسينياتهم و مراكزهم الدعوية. وكان آخر ما فعله النظام السوري المستبد أنه قرر تعليم اللغة الايرانية بشكل ملزم في المدارس السورية.
ثالثا: نشر الطائفية والكراهية.
لم تكن تستطيع إيران أن تتغلغل في المجتمع السوري دون أن تقوم بحملة تشويه دينية تطال التاريخ وتعيد قراءة أحداثه بحيث تظهر مظلومية آل البيت ومن ثم تسيء للمذهب السني والدفع لنشر التشيع، وذلك ادى ويؤدي لخلق فتنة طائفية داخل المجتمع السوري، ويؤدي لخلق ارضية ومبرر لصراعات طائفية الآن و في المستقبل، خاصة وأن المذهب الشيعي محدود الإمتداد في سورية جدا.
رابعا: مخطط إيران العدواني.
لا يخفى عنا ونحن في عام ٢٠٢٠م وبعد مضي تسع سنوات على الثورة السورية، الدور المدمر الذي قامت به إيران بحق الشعب السوري وسورية عموما، حيث دعمت النظام المجرم بالمال والسلاح والرجال وكذلك عبر مرتزقتها بدء بحزب الله والفاطميين والزينبيين وغيرهم، وأدى ذلك إلى تشريد الملايين وسقوط الشهداء والمصابين والمعاقين والمعتقلين وهم بالملايين أيضا، لقد كانوا قتلة معبئين عقائديا بأنهم جاؤوا ليحموا المراقد المقدسة وينتقموا لدم الحسين، وواقع الحال قتل وتشريد الشعب السوري والمستفيد هم النظام الإيراني والنظام الاستبدادي السوري.
خامسا: التشيع السياسي والديني.
إن إدعاء النظام الإيراني منذ مجيء الخميني منذ عقود إلى السلطة في إيران وتحول الحكم في ايران الى حكم ديني على المذهب الشيعي، وتعيين نفسه نائبا للامام الغائب وتكليفه للدولة الايرانية أن تصدّر (ثورتها) وهذا يعني تأكيد دورها وسيطرتها ومصالحها في كل بلد فيه شيعة، تحت دعوى أنها دولتهم، وبدأت تمتد في العراق ولبنان وسورية وشكلت في كل دولة منها تنظيمات تابعة لها وكذلك مراكز دينية وتعليمية، ادى ذلك عبر عشرات السنين أنها استطاعت اختراق هذه المجتمعات، مثال ذلك حلف النظام السوري مع النظام الإيراني الذي حماها من السقوط بتأثير وفعل الثورة السورية، وكذلك هيمنة حزب الله في لبنان التابع لإيران والنظام السوري، وكذلك المجموعات الشيعية الحزبية والمسلحة التابعة لإيران في العراق… الخ.
كما أعلن المسؤولين الإيرانيين في أكثر من مناسبة أهمية النظام السوري في مشروعهم الاستراتيجي : التمدد والهيمنة الايرانية في أغلب دول المنطقة مستثمرين انهم حماة الشيعة ودولتها القائدة وإلزامية التبعية لها من كل الشيعة في العالم، طبعا كما تدّعي إيران وكما يروّج لها دعاتها داخلها ومن خارجها .
تم دعم ذلك عبر حملة تشييع كبيرة استهدفت الشعب السوري في كل مناطق سورية تقريبا. واعتمدت في ذلك على وسائل الاعلام مثل محطات المنار والعالم وغيرهم ، وعبر الثقافة من خلال توزيع الكتب والوسائل التثقيفية المختلفة، وبناء الحسينيات والتثقيف فيها، نشر اللغة الفارسية والتعليم عموما، وكذلك استخدام المال عبر الدعم المباشر لكثير من رؤساء العشائر وبعض المتنفذين في اوساطهم الاجتماعية ،أما الإقتصاد فقد أقاموا الكثير من المشاريع الاقتصادية في سورية، وسيطروا على الكثير من مصادر المواد الأولية في طول البلاد وعرضها. وكان شريكهم في كل ذلك النظام السوري ورموزه.
سادسا: إيران وكذبة تحرير القدس.
قامت إستراتيجية إيران في تصديرها لدولتها وحقها بالتمدد في دول المنطقة على مبررين: الاول ادعائها أنها تمثل الدين الاسلامي الصحيح عبر مذهبهم الشيعي الصفوي التابع لولاية الفقيه الخميني ثم الخامنئي الذي يعني تابعية الشيعة في العالم للدولة الايرانية ومصالحها ويصبحوا بذلك ادواتها الخارجية.
والثاني هو ادعائهم بأنهم يعملون على تحرير القدس من المستعمر الصهيوني، تحت شعار ( الموت لأمريكا الموت لإسرائيل) وهذا ما ادعاه حزب الله اللبناني واستثمره كثيرا خاصة بعد معاركه مع الصهاينة عام ٢٠٠٦م، لكن موقف ايران وحزب الله من الثورة السورية ودول الربيع العربي ودورهم في العراق ولبنان واليمن، أظهر أنه مجرد أداة لخدمة إيران وأن ادعائه العمل لتحرير القدس مجرد خلق مشروعية كاذبة ومزيفة.
سابعا: واقع الدور الإيراني في سورية.
الآن وهنا في سورية يمثل الدور الإيراني في سورية احتلال عسكري مع قتل وتشريد الشعب السوري، إحلال طائفي شيعي، تغيير ديمغرافي، تخريب البنية المجتمعية، تشويه التاريخ والمعالم الدينية، صناعة صورة مختلفة للمجتمع السوري وخلق عادات وتقاليد وطقوس مختلفة، التغلغل في الجيل الجديد، السيطرة على الاقتصاد السوري… الخ، فعلا هو احتلال ايراني على كل الصعد لسورية الدولة والمجتمع. ولن يفوتنا أن ما تفعله إيران في سورية يسير وفق استراتيجية بدأت منذ العقود الاربعة الماضية، وليست منذ بداية الثورة السورية فقط.
ثامنا: مواجهة المخطط الإيراني.
يختم الكاتب كتابه حول المطلوب منّا كسوريين مجتمع وقوى حية وهيئات دينية في التصدي للمخطط الإيراني للهيمنة على سورية في جميع الصعد. وأن ذلك بمثابة معركة وجود للشعب السوري كله.
ولنا رأي:
١. بداية أثني على الكاتب مطيع البطين على الحشد المعلوماتي الكبير الذي قدمه في الكتاب عن تغلغل الوجود الإيراني في سورية ومنذ عقود، بحيث يعتبر مرجعا موثقا بذلك.
٢. كنت أود أن يعود الكاتب إلى مرحلة تأسيس العلاقة بين نظام حافظ الأسد والشيعة الإيرانيين ثم مع نظام خميني، واظهار الترابط الاستراتيجي بين النظامين. حيث يعتمد الايرانيين في الظاهر على نشر التشيع الصفوي الذين يرونه صحيحا وادعاء أنهم إنما يعملون لتحرير القدس وفلسطين، وحقيقة الموقف الباطني الذي يعني مد الوجود والنفوذ الايراني في منطقتنا العربية وسورية خصوصا. وكذلك موقف حافظ الأسد الظاهر بادعائه القومي العربي، لكنه ينطلق من موقف طائفي باطني على أنه يمثل العلويين ومصالحهم بغض النظر عن رضى العلويين أنفسهم، وصناعة دولة طائفية عميقة في سورية تسيطر على الدولة والمجتمع عبر الجيش والأمن وجميع المنظمات التي صنعها النظام، وأن هذا التقارب بين إيران والنظام السوري. انتج حزب الله اللبناني ودعم النظام السوري لايران في حربها مع العراق، وفي امداد ايران للنظام السوري بالمال والنفط والمساعدات الاقتصادية الدائمة، وكيف قدم النظام السوري منذ حافظ الأسد للآن سورية الدولة والمجتمع لإيران تعيث فيها فسادا على كل المستويات. بهذا الشكل نفهم كل ماحصل وعبر عقود من الدوريين السوري والإيراني في المنطقة كلها.
٣. نود توضيح نقطة مهمة وحساسة، أن الدين الإسلامي يحتمل أن يكون فيه الكثير من المذاهب والفرق، مع احتفاظ كل طرف بموقفه مع يراه هو دليل صحة موقفه. سواء كانوا طوائف أو مذاهب. إذن لا مشكلة مع المذهب الشيعي بصفته من الدين، بل المشكلة هي مع الشيعية الإيرانية التي تتبع لولاية الفقيه والتي تؤدي إلى الانتماء لإيران وولاية الفقيه ودولتها على حساب الإنتماء من شيعة البلاد لبلادهم الاصلية، بحيث شكل ذلك مشكلة وطنية عند الانتماء المزدوج والمتناقض أغلب الاحيان كما في لبنان والعراق واليمن أخيرا وسورية الآن وبعض الشيعة في دول الخليج. ورغم أن هناك دعاة شيعة مستوعبين ذلك وينددوا بالتشيع الصفوي في كل حين، ما زال المطلوب كثير، ويجب التأكيد دائما على الفرق بين إيران وبين المذهب الشيعي وإن تدرعت إيران به طوال الوقت.
٤. إن ادعاء إيران أنها دولة دينية على المذهب الشيعي وحقها أن تنشر وجودها ودعوتها في العالم، جعل الدين الإسلامي مطيّة لهم، واستخدموه ضد محتواه ومقاصده ولاجل أهداف سياسية تحتمل الخطأ والصواب، والإسلام لا يحتمل ولا يُقبل ان يتم التلاعب به. وبذلك نصل الى أن نمط الدولة الدينية مرفوض اصلا، سواء من منظور الإسلام الحق، حيث امور السياسة تابعة لمصالح العباد ومقاصد الشرع، الممكنة التحديد عبر الناس أنفسهم وبالوسائل الشورية المناسبة. وفي هذا العصر تبين أن الديمقراطية بصفتها وسيلة حكم تعود للناس عبر دستور متوافق عليه وانتخابات دورية رئاسية وبرلمانية وامكانية محاسبة، مع اعلام حر وقضاء عادل، يجعل الحكم حياديا إتجاه الاديان وعقائد الشعب. حيث كل الشعب متساوين أمام القانون عبر المواطنة والحقوق والواجبات.. الخ.
أخيرا نختم أن مشكلة إيران متعددة الأوجه، وأن الاستخدام السياسي للتشيع عندها جعلها تتورط بأدوار إقليمية خدمت من حيث تحتسب ولا تحتسب أعداء الامة:(اسرائيل) والانظمة الاستبدادية التابعة، والغرب الذي يعمل لمصالحه ولو دمر البلاد العربية وشرد اهلها. وما ايران إلا أداة تُركت تتمدد ثم بدؤوا يحاصرونها ليقضوا عليها كقوة ودولة، والضحية مرة اخرى شعوب المنطقة والشعب الايراني ذاته.