أخيراً؛ نفذ “حزب الله” رده الموعود على اغتيال قائده العسكري في 30/7/2024، “في يوم أربعينية الإمام الحسين..، وعند فجر الأحد الواقع في 25 آب 2024.. بعدد كبير من المسيرات نحو العمق الصهيوني واتجاه هدف عسكري إسرائيلي نوعي سيعلن عنه لاحقاً، وبالتزامن مع استهداف مجاهدي المقاومة الإسلامية لعدد من مواقع وثكنات العدو ومنصات القبة الحديدية في شمال فلسطين المحتلة بعدد كبير من الصواريخ”.
وقد حمل الرد وما تلاه جملة مفارقات لافتة:
1- بعد اغتيال القائد فؤاد شكر؛ أناط “حزب الله” قرار الرد إلى المستوى العسكري؛ فوفقا لكلام نصر الله حينها “بيننا وبينكم… الميدان والأيام والليالي”، ولكن وفقا لبيان الحزب بعد الهجوم؛ فقد اختير يوم أربعينية الإمام الحسين موعدا للرد، ما يعني أن التوقيت كان مرتبطا بقرار سياسي لا بمعطى ميداني. طبيعة الرد تعضد ذلك؛ فما نفذه الحزب لم يكن هدفا ينتظر القادة الميدانيون “تصيّده”، وإنما كان هجوما بالصواريخ والمسيرات يمكن تنفيذه قبل ذلك التاريخ أو بعده.
2- توعَّد الحزب “إسرائيل” برد “قاس وحاسم”، فوفقا لنصر الله “الإسرائيليون لا يعرفون أي خطوط حمر تجاوزوا، ونحن في كل جبهات الإسناد دخلنا مرحلة جديدة.. افرحوا واضحكوا قليلا وستبكون كثيرا”، لكن حجم الرد وطبيعته لا تتناسب مع هذا الوعيد، ليس لأن الأضرار البشرية – وربما المادية- ضعيفة، ولكن الأهم أن الرد لم يخرج عن قاعدة الصواريخ والمسيرات التي كانت سائدة قبل اغتيال شكر، في حين أن الإسرائيلي انتقل من مرحلة الاستهدافات الميدانية إلى استهداف المستوى الأول من القادة وفي الضاحية الجنوبية بالذات، وصولا إلى استهداف مخازن السلاح في عموم الأراضي اللبنانية. وعليه؛ لم يستطع الحزب – حتى الآن على الأقل- الانتقال إلى معادلة استهداف شخصيات مقابل شخصيات لتحقيق مستوى أعلى من الردع في مواجهة العدو الإسرائيلي.
3- اعتبارا من الساعات الأولى؛ لصبيحة يوم الأحد شن سلاح الطيران الإسرائيلي عشرات الغارات على الجنوب. وفقاً للعدو فقد كانت “هجوما استباقيا”، بعدما “قدّر الجيش الإسرائيلي موعد الهجوم في وقت مبكر من صباح اليوم” وفقا لنيورك تايمز، و”أنه كان يستهدف قاعدة غليلوت التي تضم مقر الموساد والوحدة 8200″، وفقا ليديعوت أحرونوت، ووصل الأمر بالقناة 12 نقلًا عن مصادر أمنية، أن الضربة الاستباقية أحبطت نحو 6000 صاروخ ومسيّرة كان مقررًا إطلاقها على إسرائيل”.بالمقابل نفى الحزب إحباط الهجوم، مشيراً إلى أن العدو استجاب لـ “هجوم تضليلي” وفقا لتصريح مصدر في الحزب للتلفزيون العربي. وبغض النظر عن نجاح الهجوم أو إحباط الهدف الأهم منه، فإن “الاستجابة” قبل وقت تنفيذ الهجمات؛ سواء تضليلية أو رئيسية، يبقى لافتاً جدا، ما يشير مرة جديدة إلى قوة الرصد الإسرائيلي أو الاختراق الأمني أو كلاهما معا.
4- وفقا لبيان “حزب الله” فإن “الهجوم –تم- بعدد كبير من المسيرات نحو العمق الصهيوني وباتجاه هدف عسكري إسرائيلي نوعي سيعلن عنه لاحقا”، وفي وقت لاحق أعلن الحزب أن أمينه العام سيتحدث عن الهجوم عند الساعة السادسة مساء، وعلى الأرجح؛ فإن الهدف الكبير الذي استهدفه الحزب سيبقى مكتوما إلى حين إعلان السيد حسن نصر الله عنه، وتلك مفارقة لافتة، في زمن الانفجار الإعلامي؛ أن يبقى أمر بهذا الحجم مكتوما، لا المستهدَف يعلن ولا المستهدِف يستعجل، وفي الأثناء سيبقى المتابعون تائهين حول ما جرى بالضبط؛ سواء كان الهدف بحريا أم بريا أو كان الاستهداف ناجحا أم فاشلاً.
5- تتويجا لما سبق؛ ثمة “رسالة معكوسة” حملها الإعلام. “عملياتنا انتهت والأمر يعود لحزب الله”، لكأن “إسرائيل” هي التي هاجمت وضربت هدفا ثمينا في لبنان، لا العكس، إذ المنطق في الأحوال المشابهة أن يُصدِر الطرف الذي توعد بالهجوم ونفذه بيانا يعلن فيه انتهاء عملياته ما لم يقم الطرف الآخر برد على رده.
ولعل أهم ما يستتبع ما سبق؛ وخصوصا إعلان انتهاء العمليات، وإعلان نتنياهو بالذات – هذا الصباح- أننا “أحبطنا التهديد ودمرنا آلاف الصواريخ الموجهة إلى شمال إسرائيل”، وإعلان الحزب بالمقابل أن “العملية تمت بنجاح”.. أن القلقين من انفجار الوضع سيرتاحون عقب هذه الجولة، بسبب اقتصار الأمر على هذا الحد وإعلان كل فريق نجاحه.