في بداية الأسبوع الحالي، الذي يبدو حاسماً لصفقة التبادل وربما منع حرب إقليمية، تم تحديث صفحة رسائل الأبواق؛ ها هم مؤيدو نتنياهو يطلون فجأة على واقع بديل من قبل سياسيين ومراسلين يمثلون مصالحه: “كلمة صفقة لم تعد كلمة فظة، وليس بالضرورة التخلي عنها، يجب فحصها بجدية”.
المراسلون والمحللون السياسيون يشرحون الإشارات التي تختفي وراء هذا التردد. نتنياهو يفحص الذهاب إلى المرحلة الأولى في الصفقة (التي سيتم فيها إطلاق سراح عدد من المخطوفين، بينهم نساء وكبار سن “لأسباب إنسانية”). وقد توسل لشركائه في اليمين المتطرف كي يؤجلوا انسحابهم من الائتلاف، لأن المفاوضات ستنفجر حتماً في المرحلة الثانية، وعندها يمكن العودة للقتال في غزة، كما هم (وهو) يريدون. احتمالية استجابة الوزيرين بن غفير وسموتريتش لذلك ضئيلة في الوقت الحالي؛ فهما يستندان إلى دعم ناخبيهم لمواقفهم المتطرفة حتى فيما يتعلق بإدارة الحرب.
إظهار مرونة ما في الخط الذي يبثه نتنياهو بعد أن توقف عن التحدث إلى الجمهور مباشرة واكتفى بصور أفلام ويقدم اليوم إحاطات لوسائل الإعلام تحت غطاء “مصدر سياسي رفيع”، يبدو أنه يتعلق بضغط شديد ليوافق على الصفقة، الذي تستخدمه الإدارة الأمريكية على إسرائيل وحماس. التسريبات حول التفاؤل الحذر وجس نبض الشركاء السياسيين، وضمن ذلك عودة محتملة لعضو الكنيست جدعون ساعر إلى الائتلاف، استهدفت إقناع الجميع أن جميع الخيارات ما زالت مفتوحة، الأمر الذي يهدئ الأمريكيين وربما يكبح احتجاج الجمهور ضد نتنياهو ويمكنه من كسب الوقت.
هذه الرسائل قد تحسن وضعه إزاء الإدانات الأمريكية وغضب عائلات المخطوفين. وسيبدأ في لعبة الاتهامات بالعودة وإلقاء مسؤولية رفض الصفقة على حماس، لكن من غير المؤكد أن الإدارة الأمريكية ستتعاون معه في ذلك. ثمة ورقة رئيسية في يد الرئيس الأمريكي، وهي خوف نتنياهو من اتهامه علناً بإفشال المفاوضات، الأمر الذي لم يحدث منذ بداية الحرب. أمس، قالت حماس إن الولايات المتحدة تبنت خط إسرائيل في المفاوضات، وبذلك اتهمتها بأنها “تمنع استكمال الصفقة”.
الإدراك بأن نتنياهو يواصل التلاعب بالجميع، وبالأساس قلقه على اعتبارات بقائه السياسي، تخرج رؤساء جهاز الأمن عن أطوارهم؛ فالإحاطات المتفائلة لا تقنعهم، لأنهم يعرفون الوضع الحقيقي. أدخل نتنياهو عنزتين إلى المفاوضات في الشهر الماضي، وكان مستعداً للتنازل عنهما في نهاية أيار: سيطرة إسرائيل على ممر نيتساريم وسط القطاع، ومحور فيلادلفيا الحدودي مع مصر. تتعلق بعض مبرراته باعتبارات شكلية: عودة أكثر من مليون فلسطيني إلى شمال القطاع لن تروق لـ “قاعدة” اليمين، حتى لو كانت معظم المباني مدمرة هناك.
لكن إلى جانب اعتبارات قاعدته الشعبية، ثمة نقاش استراتيجي أكثر أهمية؛ فنتنياهو يحذر من نتائج التنازل عن ممر نيتساريم ومحور فيلادلفيا، لكنه يخفي عن الجمهور نتيجة تفجر المفاوضات. مؤخراً، وجهت المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، انتقاداً لطريقة اتخاذ القرارات الاستراتيجية المهمة، التي اتخذت بدون مصادقة الكابنت والحكومة (أقوال نشرت بعد فترة قصيرة على عمليات الاغتيال التي نسبت لإسرائيل في طهران وبيروت).
ماذا لو كان رفض نتنياهو للصفقة يعني -كما يحذر الأمريكيون- مخاطرة بمهاجمة من قبل إيران وحزب الله. هذه الأمور يجب مناقشتها على الأقل في الكابنت. في ظل غياب نقاش حقيقي، الكثير من الوزراء لا يدركون خطورة الوضع أو طبيعة القرارات التي على الأجندة.
الكثير من الصراعات التي يديرها نتنياهو هي في الحقيقة معارك تأجيل، هدفها ضمان المزيد من فضاء المناورة وكسب الوقت، على أمل ظهور خيارات يفضلها هو. ولكن المخطوفين المحتجزين في القطاع في ظل ظروف تزداد سوءاً، لم يعد لهم وقت. والآن، يقدر جهاز الأمن أن أكثر من نصف الـ 115 مخطوفاً ليسوا على قيد الحياة. وقد نشر أن النظرة إليهم حتى ازدادت حدة بعد الكشف عن التنكيل بالمعتقلين الفلسطينيين داخل منشآت الاعتقال الإسرائيلية وعلى رأسها معسكر “سديه تيمان”.
الجنرال احتياط نيتسان ألون، رئيس مركز الأسرى والمفقودين، حذر من أنه كلما استمرت الحرب دون بلورة اتفاق، فسيموت مخطوفون آخرون؛ والمزيد منهم قد يختفون في فوضى غزة، وبعضهم ربما يموتون في التفجيرات الإسرائيلية. هذا التحذير محق تماماً رغم محاولة التنصل منه. ولا وقت لسكان الحدود الشمالية؛ لغياب أي موعد لعودتهم، وحزب الله معني بمواصلة القتال على طول الحدود ما لم يحدث اتفاق في غزة.
تحقيق مدني
إلى جانب المفاوضات حول صفقة المخطوفين، يستمر نتنياهو في عقد استشارات كثيفة تتعلق بإمكانية قيام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بإصدار أوامر اعتقال ضده وضد وزير الدفاع غالنت، بناء على طلب المدعي العام كريم خان. ويشارك في هذه النقاشات الوزير رون ديرمر والوزير ياريف لفين، اللذان يمثلان وزارة العدل ومجلس الأمن القومي. ومن الغريب أن غالنت وممثلي الجيش لا يشاركون في هذه النقاشات.
كما نشر في السابق، تتم مناقشة تشكيل لجنة تحقيق رسمية تثبت أن إسرائيل تحقق في أحداث الحرب، وربما ستجعل اتخاذ خطوات قانونية ضدها أمراً لا حاجة له. ولكن الادعاءات التي تشغل محكمتي لاهاي والمجتمع الدولي لا تتعلق بإخفاقات داخلية في إسرائيل مكنت من هجوم حماس في7 تشرين الأول؛ بل بما فعلته إسرائيل في غزة: القتل الجماعي، وتجويع السكان، وتدمير ممنهج للبنى التحتية المدنية.
وأوضح رجال القانون في المشاورات بأن أداة التحقيق الأفضل إزاء الادعاءات من الخارج، ورداً على الانتقادات في الداخل، هي تشكيل لجنة تحقيق رسمية، التي قد يعينها رئيس المحكمة العليا. كلما سئل رئيس الحكومة عن طبيعة التحقيق المناسب في إخفاقات الحرب، كان يجيب بأن ظروف ذلك لم تنضج بعد، حيث القتال مستمر (في الوقت نفسه، يرفض الاعتراف بأي مسؤولية عما حدث). نتنياهو يفضل تشكيل لجنة تحقيق حكومية ذات صلاحياتها مقلصة ويؤثر في تشكيلتها. وهو يركز على سؤال: هل سيساعد هذا الأمر في منع أي تدخل قانوني دولي، ولا يعمل على التحقيق في الإخفاقات التي سمحت بحدوث المذبحة، التي تقع تحت مسؤوليته المباشرة؟
في العام 2006، بعد حرب لبنان الثانية، نجح رئيس الحكومة في حينه إيهود أولمرت، في تعيين لجنة حكومية عُين على رأسها القاضي المتقاعد الياهو فينوغراد، رئيس سابق للمحكمة المركزية. عملياً، تقرير فينوغراد (على الأقل في القسم الأول الذي نشر بعد ثمانية أشهر على انتهاء الحرب) وجه انتقاداً قاتلاً لأولمرت، الذي اضطر لتقديم استقالته لأسباب أخرى، بعد سنتين ونصف على الحرب تقريبا.
في غضون ذلك، وفي ظل غياب تحقيق من قبل الدولة، فإن عمل “لجنة التحقيق المدنية”، وهي جسم متطوع شكلته عائلات ثكلى وعائلات مخطوفين، يراكم تسارعاً معيناً. في هذا الأسبوع، وافقت القاضية المتقاعدة فاردا الشيخ، على الوقوف على رأس اللجنة. الشهادات التي تم الاستماع إليها في اللجنة، تشير إلى عدد من العيوب التي ساهمت في الكارثة الفظيعة، لكن من الواضح أنها ليست إلا بديلاً مؤقتاً للجنة الرسمية، وحتى الآن التغطية الإعلامية لعمل اللجنة محدودة جداً.
المصدر: هآرتس /القدس العربي