أشعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من منبر البرلمان التركي، خطابه بطريقة غير معتادة عن خطاباته ورسائله الانفتاحية المعتدلة والهادئة. فهل كانت حماوة الجو السياسي والحزبي الذي كان في استقباله؟ أم الحفاوة التي أظهرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يستقبله لساعتين ونصف في المجمع الرئاسي؟ أم أنها الفرصة السياسية المقدمة له ليخاطب العالم من أنقرة وليفجر غضبه في وجه من يتآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه، متجاهلًا الممارسات العدوانية الإسرائيلية؟
ليست هذه المرة الأولى التي يقف فيها الرئيس الفلسطيني أمام البرلمان التركي ليوجه رسائله إلى العالم من هناك. لكن ما جرى هذه المرة يختلف كليًا عن السابق. كان وقتها يتحدث عن فرص السلام والتسوية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكانت علاقات أنقرة جيدة نسبيًا مع تل أبيب، حيث كانت تبحث عن وساطة تقود إلى حل للنزاع بين الطرفين. لكنه هذه المرة يتحدث بنبرة مغايرة، عن محاولات إسرائيلية مستمرة للقضاء على الشعب الفلسطيني، وتدمير مدنه، وتهجير ما تبقى منه إلى خارج أراضيه.
45 دقيقة كانت مدة زمنية كافية للرئيس الفلسطيني محمود عباس ليقول الكثير مما عنده، حتى ولو احتسبنا فيها دقائق المقاطعة بالتصفيق والهتافات وقوفًا على الأقدام تحت سقف البرلمان التركي، الذي فتح أبوابه له في جلسة استثنائية بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان. تحدث أبو مازن مطولًا عن رؤيته لمستقبل القضية الفلسطينية، وعما يؤلم الشعب الفلسطيني ويوجعه، وما يطمح إليه ويريد تحقيقه.
كيف ستستقبل واشنطن وبعض العواصم الغربية الداعمة لإسرائيل رسائل أبو مازن التي تحملها المسؤولية الكاملة عن شراكتها في تسهيل هذا العدوان على الشعب الفلسطيني، وهي التي اعتادت على قيادي معتدل، منفتح، وبراغماتي؟
الرد الأميركي الغربي مهم هنا بالطبع. لكن مسؤولية الشريك التركي كبيرة أيضًا، فأنقرة هي التي فتحت الأبواب أمامه على هذا النحو، وصفقت قياداتها مطولًا لما يقول ويدعو إليه ويطالب به.
تحدث أبو مازن بحماس وغضب وانفعال، لكنه قرأ نصًا أعده بعناية مع جيش من المستشارين في السياسة والدبلوماسية والتاريخ وخبراء القانون والعلاقات الدولية. كان يتكلم من على منبر تركي بالعربية، لكن من كان يترجم وينقل ما يقوله هي محطات التلفزة العالمية بعشرات اللغات. أميركا في مأزق، فهي خسرت رهانها على شخصية سياسية صبرت لسنوات طويلة، فوجدت نفسها في ورطة تحميلها المسؤولية الكاملة عما تفعله تل أبيب.
وجود أردوغان داخل القاعة وحماسه، الذي لم يكن يقل أهمية عن بقية الحضور، هو الذي سيدفع بايدن وفريق عمله لإعادة تقييم ما جرى وتحليل احتمالاته ونتائجه. لكن الأهم قد يكون ولادة قناعة جديدة حول أن التاريخ السياسي المعاصر سيفصل بعد الآن وهو يتحدث عن العلاقات التركية الإسرائيلية بين ما هو قبل الخامس عشر من آب 2024 وما بعد هذا التاريخ. هكذا أراد الأتراك وهكذا شارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اتخاذ هذا القرار.
كيف ستتصرف واشنطن هنا؟ هل ستستدعي نتنياهو من جديد أم ستحاسب الرئيس الفلسطيني على كل الانتقادات والاتهامات التي وجهها لأميركا بسبب ممارساتها ومواقفها الداعمة لتل أبيب وهي تواصل ارتكاب المجازر وحرب الإبادة ومعركة التصفية العرقية ضد الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة؟
تحدث الرئيس الفلسطيني عن معالم خارطة الطريق التي سيعتمدها في مواجهة تل أبيب ومن يدعمها في ارتكاب المجازر وأعمال التشريد والتهجير. حول أبو مازن المنبر التركي إلى منبر دولي، كما قال هو، لتوجيه رسائله. كان التركيز على كسب المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته السياسية والإنسانية والقانونية. “أميركا بذلت كل جهودها لعرقلة مسارنا”.
عن أي مسار يتحدث أبو مازن؟ هل سنعود لأجواء التسعينيات والاتفاقيات والتفاهمات الإقليمية التي عقدت دون إلزام إسرائيل بالتنفيذ رغم كل الضمانات الأميركية المقدمة؟ وهل ستوسع القيادة الفلسطينية حملة مساءلة واشنطن عن أسباب عرقلة مساءلة تل أبيب على سياساتها وممارساتها باستخدام حق النقض تحت سقف مجلس الأمن الدولي؟ الإجابة السريعة أوجزها عباس وهو يعلن “متمسكون بحقوقنا وفلسطين باقية والاحتلال إلى زوال”.
التركيز هو على الجهود العربية والإسلامية والدول الصديقة لتفعيل المجتمع الدولي ومؤسساته. “الشعب الفلسطيني 14 مليون نسمة وهو يحمل صفة مراقب في الأمم المتحدة، وأصدقاؤنا في قرغيزيا 10 آلاف نسمة دولة كاملة العضوية”.
رسائل عباس من أنقرة كانت أولًا باتجاه الشعب التركي، ثم إسرائيل وأميركا، وبعدها المجتمع الدولي. “شعبنا لا يدافع عن أرضه وحقوقه فحسب، بل هو في الخندق الأمامي دفاعًا عن الأمتين العربية والإسلامية في وجه الحركة الصهيونية”.
بعد ذلك، يفجر الرئيس الفلسطيني قنبلته السياسية من أنقرة “على مجلس الأمن الدولي تأمين وصولنا إلى غزة، لأننا قررنا الانتقال مع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى هناك لمواجهة العدوان الإسرائيلي ولمواصلة المسيرة والدفاع عن شعبنا”. يواصل عباس “سنذهب إلى غزة أولًا ثم إلى القدس الشريف”. إنها استراتيجية تحرك فلسطيني جديد يعلنها أبو مازن من العاصمة التركية.
شئنا أم أبينا، واكب المشهد تحت سقف البرلمان التركي أجواء تصفية حسابات حول من دعم حليفه أكثر: واشنطن لنتنياهو أمام الكونغرس أم أنقرة لعباس أمام البرلمان التركي. فحسمها الأخير لصالحه بفارق واسع، وهو يهتف لعباس الذي كان يردد “أميركا هي الطاعون والطاعون هو أميركا”. قيادة بايدن تقول إنها تبحث عن وسائل نزع فتيل الانفجار الإقليمي، لكنها لا تتأخر في إنفاق مليارات الدولارات لمساعدة حكومة نتنياهو على تدمير الثلث المتبقي من غزة، فلماذا يتردد عباس بعد الآن؟
تصفية الحسابات بين أنقرة وواشنطن في الموقف مما يجري في قطاع غزة أوجزها رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش، وهو يعقب على خطاب عباس: “في 24 تموز المنصرم، ألقى مجرم حرب خطابًا مليئًا بالأكاذيب في الكونغرس الأميركي. واليوم، نطق محمود عباس بالحقيقة في كل جملة عن القضية الفلسطينية”.
كيف سترد إدارة بايدن؟ هل ستصغي إلى ما قاله محمود عباس وتتعامَل معه بجدية حيث تتراجع صورة أميركا في العالم أمام 145 دولة باتت تعترف بالدولة الفلسطينية بعد ارتفاع اليد الأميركية 3 مرات لعرقلة قرار إلزام تل أبيب بوقف إطلاق النار في غزة؟ أم ستواصل سياسة المراهنة على عامل الوقت لتساعد تل أبيب على الوصول إلى ما تريده؟
هدف إسرائيل من حرب الإبادة في غزة والضفة والقدس هو اجتثاث الشعب الفلسطيني وتكرار مأساة التهجير الفلسطيني “كما يقول الرئيس عباس. وجوابنا هو “النصر أو الشهادة”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
محمود عباس بخطابه أمام البرلمان التركي يصدق المثل “اسمع كلامك أستعجب وأرى أفعالك استغرب” إنتقاداتك لأمريكا وإسرائيل و… هل هي ضمن قناعة أم كذب ونفاق الأنظمة؟ ياريتك تستطيع الذهاب الى القدس وتوقف التطبيع والتنسيق الأمني مع الكيان الهي.وني.