بحسب تقارير صحافية غربية، شهدت الأسابيع القليلة الماضية تطوّرات مهمة على صعيد علاقات التعاون العسكرية بين إيران وروسيا، إذ ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن روسيا زوّدت طهران بمنظومات صواريخ إس 400 الدفاعية الجوية المتقدّمة، فيما أفادت مصادر أخرى بأن إيران على وشك تزويد روسيا بصواريخ أرض – أرض من طراز فاتح 360 يصل مداها إلى نحو 120 كم وتحمل رأساً متفجّراً بزنة 150 كلغ. وقد استدعت هذه التقارير تحذيراً أميركيا لإيران بأنها ستردّ بقوة في حال مضيها في تنفيذ هذه الصفقة، حيث تبذُل واشنطن، وحلفاؤها الأوروبيون، جهداً كبيراً لتغيير موازين القوى على الأرض في أوكرانيا. ورغم وجوب الحذر في التعامل مع هذه التقارير، نظراً إلى أن روسيا تحتاج إلى كل قطعة ذخيرة تنتجها مصانعها، خصوصاً بعد تسلّم أوكرانيا معدّات قتالية غربية جديدة، بما فيها دفعة طائرات إف 16، وتوغّل القوات الأوكرانية أول مرّة في أراضي روسيا، في هجومها أخيراً في منطقة كورسك، فالأكيد أن العلاقات العسكرية الروسية – الإيرانية تطوّرت كثيراً منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وفشل مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، وإن ظلت تلك العلاقات رهينة حسابات روسيا المعقّدة مع دول الغرب والمنطقة على السواء.
لروسيا مصلحة أكيدة في تصاعد التوتر بين إيران والدول الغربية، وحتى الوصول به إلى مرحلة المواجهة المباشرة، لأن ذلك يشغل الولايات المتحدة بجبهةٍ جديدة، تخفّف الضغط عن موسكو في أوكرانيا، على ما دلّت عليه حرب غزّة، حين اندفعت واشنطن إلى إعادة توجيه جزءٍ كبيرٍ من الذخائر المخصّصة لأوكرانيا لدعم إسرائيل في عدوانها المتواصل على غزّة. من جهة أخرى، يؤدّي التوتر المتزايد بين الغرب وإيران إلى رفع أسعار الطاقة، وهذا يصبّ كذلك في مصلحة روسيا التي تعتمد، بشكل رئيس، على عائداتها من تصدير النفط، ويفيد أيضاً في زيادة الضغط على أوروبا مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع معدّلات الاستهلاك.
من خلال تزويدها إيران بصواريخ إس 400 (إذا تأكّد ذلك)، تهدف روسيا، أيضاً، إلى الردّ على الخطوة الأميركية الخاصة ببيع أوكرانيا طائرات إف 16. وكان الرئيس بوتين قد هدّد في شهر يونيو/ حزيران الماضي بأنه سيزوّد كل أعداء واشنطن بالسلاح (وكان يشير بذلك خصوصاً إلى إيران والحوثيين وحزب الله، ولكن أيضاً إلى كوريا الشمالية وفنزويلا وأنظمة عسكرية أفريقية وغيرها). ويسود الاعتقاد في عواصم الغرب بأن حصول إيران على منظومات صواريخ إس 400 قد يشجّعها على تبنّي مواقف أكثر قوة تجاه إسرائيل والغرب، بعد أن تكون قد ضمنت حماية منشآتها النووية من ردّ فعلٍ انتقامي.
لكن الأمور بالنسبة إلى روسيا ليست بالبساطة التي تبدو عليها، فخُطوةٌ بهذا الاتجاه قد تُلحق ضرراً بعلاقاتها العربية. ومن هذا الباب، سرّبت موسكو أنباءً تفيد بأنها رفضت طلباً إيرانيّاً لشراء طائرات سوخوي 35 (الأحدث في سلاح الجو الروسي) معلّلة ذلك بأنها مستعدّة لتزويد إيران بأسلحة دفاعية فقط. في الوقت نفسه، تبدو روسيا حريصة على علاقاتها بإسرائيل، وقد شاع أن سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، سيرغي شويغو، طلب من إيران خلال زيارته أخيراً لها أن تلزم الحذر في الردّ على إسرائيل، انتقاماً لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، حتى لا يؤدي ذلك الى إصابة “مواطنين روس”. ومعروفٌ أن إسرائيل تحتضن أكثر من مليون ونصف مليون يهودي من أصول روسية (22% من السكان) هاجروا إليها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتربطهم علاقات قوية بوطنهم الأم. تسعى روسيا، فوق ذلك، للحفاظ على تفاهماتها مع إسرائيل في سورية، خشية أن يؤدّي انهيارها إلى تبديد الجهود التي بذلتها على مدى العقد الماضي، لتثبيت وضع النظام السوري، وتحرص أيضاً على حفظ موقف إسرائيل “المحايد” في الحرب الأوكرانية، الذي نشأ بفعل العلاقات الشخصية القوية التي تربط بوتين بنتنياهو. لا شك أن بوتين يتقن اللعب على التناقضات، لكن اللعبة، حتى بالنسبة إليه، باتت أصعب، مع تنامي حالة عدم اليقين التي تعيشها المنطقة والعالم.
المصدر: العربي الجديد