كما في مواقف عديدة لم يحسن أخونا “حمدين صباحي” التعبير عن الموقف الناصري من هذا الحدث حينما جمع الموقف من فقد قائد ورمز للمقاومة التي تدافع عن فلسطين وشعبها. وتنتمي إليهما. مع قائد ورمز لجماعة واتجاه مسخر لخدمة رؤية واستراتيجية دولة “ولاية الفقيه” الطائفية بطبيعتها، والتي شاركت وتشارك في الجريمة المستمرة ضد الشعب السوري، وحماية لنظام الأسد، وتقوم بالعدوان على بنية المجتمع السوري من خلال استراتيجية التشييع التي تتبعها في هذا البلد.
حمدين حينما يدعو إلى مجلس عزاء واحد للشخصيتين فإنه يضعهما في صف واحد، ويعطيهما الأهمية نفسها، ويفرض على التيار الوطني والناصري أن ينظر إليهما من الزاوية نفسها، وفي هذا ظلم كبير للشهيد اسماعيل هنية، وللتيار الناصري والوطني، ولتيار المقاومة عموما.
ولا يكفي هنا القول بأن الرجلين قتلا على يد العدو الصهيوني، فكون القاتل “هو ذاته ” في الحالتين، لا يعني بالضرورة أن القتيلين باتا في الموضع نفسه من التقدير والمكانة.
ويبدو أن حمدين صباحي ما زال عاجزا عن إدراك حجم الجريمة والضرر الذي أوقعه وما زال حزب الله في المجتمع السوري، ولم يدرك مدى الخطر الذي تمثله نظرية “ولاية الفقيه” التي يتحرك حزب الله من خلالها على الشعب السوري وعلى الأمة العربية وعلى مستقبل هذه الأمة، وهو فيما قام به مكن ” أعداء الأمة” وأبواقهم من النيل من هنية نفسه وقد جرى دمج هذا القائد الشهيد مع رموز حزب الله، وولاية الفقيه.
ما قام به صباحي ذكرني على نحو ما بواقعة جرت في العام ١٩٦٩، في الثاني من شهر مارس
١٩٦٩ انتحر عبد الكريم الجندي رئيس مكتب الأمن القومي في النظام السوري الذي كان على رأسه يومئذ الثلاثي ” نور الدين الأتاسي رئيسا للدولة، ويوسف زعين وحافظ الأسد وزيرا للدفاع”، وجاء انتحار الجندي في إطار صراعات على السلطة أعقبت عدوان حزيران.
وفي التاسع من مارس، أي بعد اسبوع بالتمام استشهد الفريق عبد المنعم رياض على جبهة قناة السويس خلال حرب الاستنزاف.
يومها كنا طلابا في كلية العلوم الاقتصادية في حلب، ونقود في الكلية كما في الجامعة كلها حراكا قويا للمعارضة، وقد أثر خبر الاستشهاد وحرك مطالب المعارضة في ضرورة تجاوز نظام،”الحزب القائد” والاستجابة لضرورات المرحلة في إقامة جبهة وطنية تجمع السوريين كلهم لتوفير الأساس الوطني لمعركة التحرير.
البعثيين الخائبين الذين كانت تستهويهم شعارات اليسار الطفيلي عن الحرب الشعبية، وكان عبد الكريم الجندي، وخالد الجندي الذي يدير كتائب العمال المسلحة في مقدمة مروجي هذه الشعارات
وحينما أعلن عن انتحار الجندي، رفع هؤلاء في الجامعة شعار ضرورة إقامته العزاء ل”شهيدي” الأمة، عبد المنعم رياض، وعبد الكريم الجندي.
كان منطق هؤلاء، ومشهدهم خائب وموضع استهجان من القطاع الطلابي كله، وقوبل بالكثير من الاستهزاء. رغم أن الدعوة الراهنة لا تتطابق تماما مع واقعة ٦٩، لكن لا أدري لماذا استدعت الذاكرة هذه وتلك، واستطاعت أن تلتقط الخيط الرابط بينهما.
لم يوفق حمدين صباحي في دعوته هذه، كان أحرى به أن يقيم العزاء في اسماعيل هنية شهيد “المقاومة وغزة وفلسطين”، ولو فعل ذلك لكان قدم خدمة كبيرة متعددة الوجوه للقضية الفلسطينية والقومية والوطنية.
كثرت سقطات “حمدين صباحي” للتعبير عن الموقف العروبي الناصري، كيف يمكن أن يضع الشهيد “إسماعيل هنية” شهيد القدس والأقصى الذي ناضل من أجل قضيته فلسطين والقدس مع مجرم قاتل أطفال سورية ولبنان والعراق “قاسم سليماني”؟ لايمكن أن تكون هناك مقارنة.