قراءة في كتاب: اكراد في السّجون الكردية

أحمد العربي

حسين جلبي كاتب كردي سوري. منتمي للثورة السورية. قرأت له كتاب روجآفا خديعة الاسد الكبرى. ورواية العبور من الجحيم وكتبت عنهم…

كتاب اكراد في السجون السورية هو عبارة عن توثيق شهادات ناشطين في الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م. وامتدت إلى المناطق الكردية السورية. عشرة شهادات نموذجية، عن اعتقالهم وسجنهم في سجون ال ب ك ك، وال ب ي د ، تعتبر عينات نوعية عن الآلاف من الناشطين الثوريين السوريين في المناطق الكردية. شهادات تمتد لسنوات منذ بداية الثورة …

نحن هنا سنتحدث عن الخط العام الرابط بين شهادات الناشطين جميعا. مسلطين الضوء على اهلنا الاكراد وموقفهم من الثورة في مناطقهم. وما فعله النظام للقضاء عليها. بالاستعانة بحزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك. القادمين من جبال قنديل في العراق و بالتنسيق الكامل مع النظام السوري وأجهزته الامنية واستمرار حضوره الحقيقي على الارض في مراكز أمنية. وكيف تمّ تسليم السلطة فعليا لحزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د  وال ب ك ك والقضاء على الناشطين وعلى الثورة بالمحصلة النهائية في تلك المناطق والمدن والبلدات الكردية السورية…

اولا : الثورة في المناطق الكردية السورية.

لقد شارك الشباب الكردي السوري في مناطق التواجد الكردي في الثورة السورية منذ انطلاقتها في ربيع ٢٠١١م. وهم محملين باحساس المظلومية العميق. سواء المظلومية المجتمعية ككل السوريين. القهر والفساد والمحسوبية وغياب العدل والاستبداد وملاحقة القوى السياسية المعارضة أحزاب وناشطين مدنيين ومثقفين…

هذا غير المظلومية التي يعاني منها اهلنا الاكراد من النظام في حرمان الكثيرين منهم من الهوية السورية. ومنعهم من أي نشاط يظهر خصوصيتهم القومية. اللغة والثقافة والمناسبات المجتمعية والأعياد.. الخ…

لكل ذلك تحرك الشباب والكثير من ممثلي الأحزاب السياسية الكردية المعارضة في التظاهر السلمي في كل المدن والبلدات الكردية. القامشلي والحسكة وعامودا وعفرين وديريك و كريكلي… الخ…

سرعان ما اعتمد النظام السوري خطته الامنية في مواجهة المتظاهرين وحراك الثورة بالعنف المسلح المتدرج في المناطق الكردية كما كل سورية. حيث اعتمد في بقية سورية على الجيش والأمن والشبيحة. وبعد ذلك عندما عجز عن مواجهة الثورة استدعى الميليشيات الطائفية الاجنبية حزب الله وغيره. وكذلك استدعى روسيا التي اعتمدت القصف الجوي وحولت سورية الى بلاد دمار مع قتل واعتقال وتشريد السوريين في داخل سورية وخارجها…

أما في المناطق الكردية السورية فقد كان تصرف النظام السوري مختلفا. فقد استعان بحزب الاتحاد الديمقراطي ال ب ي د وهو كما ذكرنا فرع ال ب ك ك في سورية. وهذا الحزب متواجد في سورية الذي تم انشاؤه بقيادة عبد الله أوجلان منذ عقود ، حيث كان قد أعطاه النظام السوري الدعم المادي والعسكري ليكون الاداة التي يحارب عبرها الدولة التركية. وكيف توقف الصراع بين النظام وتركيا قبل نهاية الالفية الثانية. وتحول عناصر ال ب ك ك الى جبال قنديل وأصبحوا قوات عسكرية تستخدم من النظام السوري عند الحاجة. وبقي لهم امتداد حزبي ممثلا بحزب الاتحاد الديمقراطي ال ب ي د متواجدين على الأرض السورية. دوره مثل حزب البعث السوري في المناطق الكردية السورية…

لذلك عندما حصلت الثورة السورية استدعى النظام كوادر ومقاتلي ال ب ك ك من جبال قنديل وقام بتسليح كوادر حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د ، وبدأ تسليمهم زمام السلطة الفعلية في المناطق والبلدات الكردية السورية. مع التنسيق الكامل مع الاجهزة الامنية السورية التي لم تغادر تلك المناطق ابدا. حيث قام ال ب ي د، وال ب ك ك بدور النظام وأمنه وشبيحته بالقبض على الناشطين وتعذيبهم واعتقالهم و مساومتهم ومحاولة تحويل انتمائهم من الثورة إلى دعم النظام ودعم مشروع الادارة الذاتية و روجآفا الذي طرحه حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د وكأنه مشروع بناء كيان ذاتي كردي في تلك المناطق الكردية السورية…

لا بد من ذكر أن البيئة الكردية السورية السورية مسيّسة منذ عقود وهناك أحزاب معارضة للنظام منذ عقود ايضل. وقد كانت جزء من ربيع دمشق المُغتال بعد سنة الألفين ولهم تجارب مباشرة مع النظام وظلمه وقهره السياسي والمجتمعي. وزاد على ذلك ظهور وجوه ثورية رافقت حراك الثورة السورية في عام ٢٠١١م. لها دورها الفعال في الحراك الثوري للتظاهر وبناء التنسيقيات وتصعيد الحراك الثوري كان نموذجهم الشهيد مشعل تمو…

في نفس الوقت كان حزب الاتحاد الديمقراطي  ال ب ي د وهو امتداد ال ب ك ك في سورية هو القوة السياسية المعبرة عن النظام السوري واجندته في المناطق الكردية السورية. منذ عقود ايضا. لذلك نفهم الدور المنوط بهم للقضاء على ثورة اهلنا الاكراد السوريين في مناطقهم…

ثانيا : آلية فعل حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك و حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د في عملهم للقضاء على الثورة السورية في المناطق الكردية السورية…

لقد اعتمد ال ب ك ك و ال ب ي د بحق الناشطين وقياداتهم على الاعتقال السياسي والتعذيب والتخوين ومحاولة الاستمالة والوعد بالمناصب والمكتسبات. في كل المدن والبلدات الكردية السورية في القامشلي وعامودا وديريك و كريكلي وعفرين وعين العرب .. الخ…

لم تنجح هذه المحاولات. وتبين أن قوات ال ب ي د وأمنها الاشايس كانوا يتصرفون وفق توجيهات كوادر وقيادات ال ب ك ك القادمين من قنديل وأغلبهم من أصول كردية تركية. وأن خطتهم كانت أن ينهوا التظاهر والثورة. ويكونوا هم السلطة الفعلية على الأرض بقواهم العسكرية. وأن يعيدوا المناطق لسيطرة النظام. بعدما تخلى النظام عنها لهم نظريا. لكن التواجد الأمني السوري استمر والتنسيق معه كل الوقت…

ثالثا : تطورات الوضع على الأرض في المناطق الكردية السورية.

اعتمد حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د مع كوادر ال ب ك ك على تحويل تواجدهم في المناطق الكردية السورية الى سلطة أمر واقع وبدؤوا في تسليح كوادر ال ب ي د، واعتقال الناشطين. مطاردة وقتل الكثيرين منهم. في محاولة لترهيب الثوار والناشطين. ومع ازدياد العنف منهم بحق الشعب بصفته حاضن للثورة والناشطين. فقد بدأ الكثير من أهالي المناطق الكردية اللجوء الى اقليم كردستان العراق بقيادة مسعود برزاني. الذي كان فتح الباب للهاربين اليه. هذا غير التناقض الصميمي بين حزب الـ ب ك ك مع ال ب ي د مع فكر ونهج البارزاني في العراق. مما جعل هذه الخلفية تنعكس على الذين حاولوا الهروب الى كردستان العراق. ومن ثم منعهم من قبل ال ب ي د بعدما استتب الأمر والسلطة في المناطق الكردية السورية لهم…

كانت التهمة الموجهة للناشطين انهم مرتبطين البارزاني وأردوغان وانهم عملاء للخارج…

لكن التطورات المصاحبة لحراك الثورة السورية في سورية عموما. وتحولها إلى مرحلة العنف المسلح حيث حول النظام وحلفاؤه سورية إلى ساحة حرب موجهة ضد الشعب السوري. حيث قتل مئات الآلاف ومثلهم مصاب ومعتقل ومعاق. والملايين من السوريين مشرد داخل سورية او لاجئ خارجها. كذلك الحال في المناطق الكردية السورية. حيث اعتمد ال ب ي د على نهج عنفي بحق الحاضنة الشعبية للثورة من كرد وعرب…

لكن التطورات الدولية وظهور القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية داعش التي استولدها النظام في سجونه و معتقلاته. واخترقها واستخدمها لحرف الثورة وحتى تقضي عليها . مما جعل الغرب وأمريكا يشكلوا التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. وكانت ال ب ي د القوة العسكرية التي استخدمها التحالف الدولي على الأرض لمحاربة داعش. مما امدّها ببعض الدعم المادي والعسكري وبعض الشرعية. لتصنع شبه دولة في الشمال الشرقي وشرق الفرات في سورية. لتصبح متوارية تحت مسمى قوات سورية الديمقراطية …

وحيث وضعت أمريكا يدها على البترول والغاز السوري.. وأصبحت تستثمره لصالحها.

كل ذلك سيكون مرهونا بما تخطط له القوى الدولية لمستقبل سورية التي لم يعد لأهلها ولا للنظام السوري دور حقيقي في تقرير مستقبل سورية…

وهذا حديث آخر…

رابعا: الخبرات الذاتية التي وثّقها الكتاب.

ان كل ما ذكر سابقا هو محاولة من قبلنا لرسم صورة الوضع كخلفية للشهادات التي ساقها الكتاب عن عشرة نماذج من الناشطين والثوار الكرد السوريين الذين ذكرهم تباعا…

لقد كان الاندفاع الثوري عند الشباب في التظاهر وبناء التنسيقيات والتفاني في العمل الثوري والنشاط العام. وعندما كان يقع أحدهم بالاعتقال كان يعمل ليحمي كل من لهم علاقة معه ، كما يوضح كيف اضطر الكثير منهم الى مغادرة البلدات الثائرة الى كردستان العراق او اوروبا عندما أصبحوا مهددين بحياتهم وحياة عائلاتهم…

كما علمنا ان هناك محاولات جادة لبناء جيش حر كردي لحماية التظاهرات. وبناء قوات بيشمركة سورية لدعم الثورة السورية في المناطق الكردية السورية. بنيت في اقليم كردستان العراق. لكن لم يأخذوا فرصتهم بالحضور في المشهد الثوري في المناطق الكردية السورية. لا نعلم السبب هل هو قلة امكانياتهم وعددهم ؟، ام القرارات والتوافقات الدولية التي حجّمت دورهم وألغته بعد حين؟!!.

كما لا بد أن ننوه للتكامل بين دور الكوادر الحزبية المخضرمة التي عانت من ظلم النظام وسجونه قبل الثورة وبعدها وكانوا مع الناشطين الشباب من جيل الثورة السورية يدا بيد. داخل الميدان. واستمروا بادوارهم. مما عرّضهم للاعتقال والتعذيب. والقتل في بعض الأحيان…

نموذجهم عبد الرحمن آبو أحد كوادر الأحزاب السياسية الكردية الذي استمر يقوم بدوره ويقع ضحية الاعتقال حتى عام ٢٠١٨م…

ختاما: إن المشهد في واقع الثورة السورية في كل سورية ما زال متحركا. وكذلك في المناطق الكردية السورية. حيث سيطرت تركيا مع الجيش الحر على عفرين وغيرها. كما محاربة الاتراك  لل ب ي د في عمق تواجدها في سورية. واحتمالية ان تلغي أمريكا دعمها لل ب ي د. وبالتالي يلغي مبرر وجودها. ويتم سحبها الى جبال قنديل او تصفيتها في سورية…

كل الاحتمالات مفتوحة…

اكراد في السجون الكردية ، كتاب آخر جديد يراكم توثيق واقع حال اهلنا الاكراد السوريين يضيفه لمكتبتنا وذاكرتنا السورية…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كتاب “اكراد في السّجون الكردية” للكاتب السوري الكردي “حسين حلبي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي”، الكتاب توثيق لشهادات ناشطين في الثورة السورية ربيع ٢٠١١م. وإمتدادها لمناطق سيطرة سلطة أمر الواقع الـ PKK- PYDK ، عشرة شهادات نموذجية لمعتقلين أكراد في سجون سلطة أمر الواقع الـ PKK- PYDK .

زر الذهاب إلى الأعلى