حورية عياش اديبة سورية من دير الزور. منتمية إلى الثورة السورية. قرأت لها سابقا روايتها “العبور” وكتبت عنها…
“حقيبة لاجئة” المجموعة القصصية التي كتبتها حورية عياش فيها الكثير من معايشتها الشخصية لمدينتها دير الزور وسورية عموما. ما قبل وأثناء الثورة السورية والتداعيات التي حصلت على أثرها …
تعتمد حورية عياش في قصصها على لغة المتكلم، التي تظهر وكأنها أشبه بسيرة ذاتية ، تصل لحدود الثلاثين قصة قصيرة. تتنوع فيها قصصها من حيث المكان والزمان ونوع الحدث والحالة التي تسلط عليها القصص في تنوع متميز، يصل بنهاية المجموعة الى اجمال صورة ما حصل في سورية بعد ثورة أهلها منذ ربيع ٢٠١١م. وما بعد بسنوات …
نحن هنا سنتناول الجوانب التي تابعتها القصص بموضوعاتها المتنوعة بحيث نطلّ عليها عبر الخلفيات المجتمعية والنسوية والسياسية لهذه القصص…
أولها الثورة السورية:
المشترك العام في كثير من القصص هو ما حصل في سورية، حيث تحرك الشعب السوري في كل مدنه وبلداته. يطالب بإسقاط الاستبداد وتحقيق الحرية والعدالة واسترداد الكرامة وبناء الدولة الديمقراطية وتحقيق الحياة الأفضل…
تناولت القصص ردة فعل النظام الوحشي والعنيف في كل سورية. استعمال السلاح الثقيل الطيران والصواريخ والبراميل المتفجرة مما أوقع الكثير من الشعب ضحايا. و جعلهم ينتقلون داخل سورية نازحين بحثا عن الامان. وخارج سورية لاجئين هاربين بحياتهم…
تظهر القصص أن أغلب السوريين قد سقط لهم شهيد ومعتقل ومعاق. اب وام واخ واخت وطفل وكهل…الخ.
كان لانتقال الثورة السورية من السلمية الى العسكرة، نتائج مجتمعي كارثية، حيث تركز حورية عياش على مدينتها دير الزور التي سيطر على بعض احيائها الجيش الحر حيث التحق به اغلب شباب الدير هذا غير المنشقين من الجيش، وبعض الأحياء تحت سيطرة النظام الذي استعان بميليشيات طائفية حزب الله وغيره ساعدت النظام بمزيد من القتل والتنكيل والاعتداء على الأعراض والحرمات ونهب البيوت والممتلكات. ووقوع الناس ضحايا الصراع المتبادل. مما أدى لتحصل موجة لجوء كبيرة جعلت الناس ينتقلون بين مناطق سيطرة النظام والجيش الحر، داخل دير الزور وخارجها في كل سورية. كانت لوحة الصراع العسكري تتغير بشكل يومي. حيث حضرت داعش والنصرة. وتم محاصرة الدير وتحولت لمنطقة صراع يولد الموت كل الوقت ومن كل الأطراف…
تتابع القصص انتقال الناس داخل سورية. ومن ثم الى خارجها تركيا وغيرها وحتى ليصلوا إلى أوروبا…
ثانيها واقع المرأة السورية:
نعم إن الهم الأول للقصص هو واقع المرأة السورية ما قبل الثورة وأثناءها وفي تداعياتها قتل، اعتقال، تشرد ولجوء.. الخ. المرأة بصفتها الأضعف في المعادلة الاجتماعية. والمظلومة في الاغلب الاعم في البنى الاجتماعية السورية. في الأسرة والتمييز ضد المرأة. وفي عدم إعطائها حقها الكامل في التعليم والعمل. و في العائلة و معاملة الأزواج التي يكون أغلبها ظالمة للمرأة الزوجة. وفي تربية الأولاد والتمييز بين الذكر والأنثى. ووقوع المرأة ضحية التمييز والنظرة الدونية احيانا. المرأة الأم المحترمة عموما. الزوجة المظلومة، الشابة الجميلة الموضوعة تحت منظار الاستغلال الجسدي والعاطفي. العانس وعقدها الذاتية وموقف المجتمع منها وكأنها معاقة. الأرملة والمطلقة الضحية المطبوع بها جنسيا. المرأة المسلوبة الحقوق من الزوج ومن أهلها احيانا … الخ.
لذلك نرى أن القصص منشغلة بحال المرأة في كل ماذكرنا. إلى درجة نرى أن ما حصل في سورية وانعكاسه على المجتمع، أصبح في القصص في الدرجة الثانية بعد التركيز على واقع المرأة المأساوي في ظل كل ذلك وقبله…
زاد الامر سوء ان واقع الحرب والصراع والتشرد واللجوء. ينعكس على المرأة بأسوأ النتائج. المرأة الارملة التي قتل او اعتقل او فقد زوجها، وترك لها اطفالا وهي مشردة معهم فكيف تعيش.؟!!. حيث يطمع فيها الطامعون. وتصبح طريدة للصياد. هذا غير استغلال البعض لهذا الواقع لحصول زواجات بين صبايا و كهول بعمر آبائهم واكبر في صيغة بيع وليس زواج. وبعض النساء يقعن ضحية الاغتصاب سواء بشكل فردي أو من الأطراف المتصارعة. حيث اصبحت سورية ساحة حرب ضحيتها الشعب السوري. والبعض منهنّ يجبرن على الدعارة…
لنقل أن المرأة السورية كانت الضحية الأكبر لتداعيات الحرب على الشعب السوري وما نتج عنه من قتل واعتقال وتشريد وتدمير ونهب لسورية على كل المستويات…
ثالثها سؤال المصير وعدم الاستسلام:
تظهر القصص أن البشر واغلبهم في القصص نساء لا يستسلمن لظروفهن مهما كانت سيئة. ان قدر الإنسان أن يتحدى ظروفه مهما كانت سيئة ويعمل ليصنع حياة أفضل مما يعيش. وان يتعلم من تجاربه إن اخطأ…
النساء هن أمهات يعملن بكل إمكاناتهم النفسية والجسدية ليجعلن حياة عائلاتهم افضل. وعلى حساب أنفسهن. والمرأة الشابة المقبلة على الحياة تعمل لتجد من تحب وتتزوج وتبني اسرة. وتتمنى ان تنجح أسرتها ولا تكن ضحية زوج سيء. الام التي تودع ابنها ليكون مع الثوار ويعود شهيدا. أو يأخذه النظام معتقلا ويعود خبرا عن موت تحت التعذيب. المرأة التي قتل اغلب اهلها تحت البرميل المتفجر في حلب أو حمص .وفي كل سورية. وبقي لها بعض عائلتها تنتقل بهم داخل سورية أو في المخيمات على الحدود بين سورية ودول الجوار. وتنتظر لقمة عيش بالكاد يتم تحصيلها…
بعض النساء مصابات بإعاقة بدنية والبعض لا ينجبن والبعض لم يتزوجن والبعض يتعرضن للتحرش من اقربائهم… كل ذلك يزيد من سوء حياتهم…
في ختام القصص قصة تفتح كوة على الأمل لقد استطاعت بعض النساء الوصول إلى أوروبا ليبنين حياة أفضل..؟. فهل هذا سيحصل فعلا…؟.
في الختام تركت القصص في ذاتي غصة كبيرة حول ثورتنا نحن السوريين. هل كان يجب أن تكون ضد النظام الاستبدادي الظالم والقاتل المستغل للشعب السوري فقط. ام كان يجب أن تكون ثورة على الظروف المجتمعية الغير عادلة تجاه المرأة. وإعادة انصافها. وإعادة قراءة وتفسير عقيدتنا الإسلامية لانصاف المرأة كما جاءت على نبينا الكريم. وليس أن نكون ضحايا عادات وتقاليد ونظرة ذكورية مهيمنة. وأن نحرر النساء من نظرتهم الدونية الى ذاتهم. وان يتم ردع أي ظلم يقع على المرأة بحيث لا يفكر أي أحد بأي إساءة لأي مرأة بذاتها وعرضها وقيمتها الإنسانية دون محاسبة رادعة وعادلة.
عند ذلك ستكون ثورتنا السورية قد اكتملت على الاستبداد والتخلف والمظلومية وان تعيدنا إلى أصل الوجود الإنساني امرأة ورجل متساويان يصنعان الوجود والخلود بالحب والاحترام والتعاون والتضامن والانتصار لانسانيته الإنسان وحقه بالحرية والعدالة وصون كرامته كل الوقت…