بدأ آلاف اللاجئين السوريين والعرب والأفغان بالتدفق نحو أوروبا من الأراضي التركية براً وبحراً، وذلك بعد ساعات قليلة جداً على إعلان مسؤول تركي أن بلاده لن تعترض طريق اللاجئين، وذلك بالتزامن مع مقتل عشرات الجنود الأتراك في إدلب وغضب أنقرة من الموقف الأوروبي من هجوم روسيا والنظام السوري على المحافظة وخطر تهجير 4 ملايين لاجئ جديد إلى أراضيها التي تستضيف أصلاً 4 ملايين لاجئ سوري.
المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي اعتبر أنّ التطورات الأخيرة في إدلب زادت من الأعباء التي تتحملها تركيا بخصوص اللاجئين. وحذر من أن تفاقم الأوضاع في محافظة إدلب شمالي سوريا سيزيد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
الرئاسة التركية، من جهتها، اعتبرت أن هجوم النظام على إدلب «خطر على تركيا وأوروبا»، وقال فخر الدين ألطون إن «نظام الأسد يجري تطهيرًا عرقيًا بحق شعبه، ويسعى لإجبار ملايين السوريين في إدلب على ترك ديارهم»، مضيفاً: «سيحاول هؤلاء الأشخاص اللجوء إلى تركيا، والقارة الأوروبية، حيث يوجد في الوقت الحالي نحو 4 ملايين سوري على الأراضي التركية، وبالت الي ليست لدينا القدرة على استيعاب مليون سوري إضافي».
ولم تمر ساعات قليلة، حتى انتشر الخبر على نطاق واسع في أوساط اللاجئين الذين باشروا التوجه على شكل مجموعات عبر الطرق التقليدية للهجرة من تركيا إلى أوروبا، سواء براً نحو الحدود مع اليونان وبلغاريا، أو بحراً نحو الجزر اليونانية في البحر المتوسط وبحر إيجه.
وفي ليلة وضحاها، عاد المشهد كما كان عليه قبيل سنوات عدة، عندما ازدهرت ظاهرة الهجرة من تركيا إلى أوروبا في أوج الأزمة السورية. وعقب سنوات من تراجع معدلات الهجرة واختفاء هذه المظاهر، عادت نفس المشاهد لتتصدر المشهد عالمياً وتظهر حجم مأساة اللجوء التي خلفتها الحرب في سوريا بشكل عام والهجوم الأخير على إدلب.
وشاهد مراسل «القدس العربي» تجمعات لعشرات الشبان والعائلات في منطقة الفاتح وسط مدينة إسطنبول، في عدد من الحدائق والمفترقات الرئيسية التي كانت قبل سنوات تعتبر بمثابة مركز التقاء المهاجرين والمهربين، وكانت تباع منها الزوارق المطاطية وسترات السباحة وغيرها من لوازم الهجرة عبر البر والبحر. وفي هذه المنطقة، كان أغلب المتجمعين من السوريين والعراقيين الذين باشروا منذ الساعات الأولى لصباح الجمعة بالتجمع وتقسيم أنفسهم على شكل مجموعات للتوجه نحو ولاية أدرنة التركية الحدودية مع اليونان وبلغاريا، حيث يسلك بعض المهاجرين طريقهم إلى أوروبا عبر اليونان، بينما يفضل آخرون قطع ممر نهري صغير للوصول إلى بلغاريا ومنها إلى دول أوروبية أخرى.
كما شاهد مراسل «القدس العربي» تجمعات أكبر لمئات من الأفغان الذين يقطنون منطقة زيتين بورنو في إسطنبول، حيث باشروا هم الآخرين بالتوجه إلى ولاية أدرنة الحدودية على شكل مجموعات، حيث يسيرون هناك لمسافات طويلة سيراً على الأقدام وصولاً للحدود اليونانية أو البلغارية.
وشهدت محطة الباصات المركزية في إسطنبول «أوتوغار» ازدحاماً شديداً منذ الساعات الأولى لصباح أمس الجمعة، وازداد الطلب بشكل كبير على الباصات المتجهة من إسطنبول إلى ولاية أدرنة، كما ارتفع الطلب على رحلات الباصات من العديد من الولايات الأخرى إلى الولايات الغربية البحرية المطلة على الجزر اليونانية وأبرزها ولايات (أدرنة، وإزمير، وآيدن، وجناق قلعة، وموغلا)، وبالفعل وصل ظهر الجمعة أول قارب مهاجرين إلى جزيرة ميدلي اليونانية، فيما انطلقت العديد من زوارق المهاجرين الأخرى.
وبثت وسائل الإعلام التركية مشاهد لمئات اللاجئين يسيرون سيراً على الأقدام نحو الحدود مع اليونان وبلغاريا، وبينما نجح العشرات في الدخول عبر أحد المعابر الحدودية، علق العشرات في المنطقة العازلة بين البلدين قرب إحدى البوابات، بينما لا يزال المئات يحاولون الدخول سواء عبر البوابات الحدودية أو من مناطق يمكن اجتيازها،
وعلى غرار ما أكد مصدر رسمي أن أنقرة قررت عدم اعتراض طريق اللاجئين المتجهين نحو أوروبا، لم تتدخل قوات الأمن التركية أو عناصر حرس الحدود أو قوات خفر السواحل للقيام بأي إجراءات من أجل إعاقة وصول اللاجئين إلى اليونان.ولم يقتصر الأمر على الطرق البرية، حيث باشر آلاف آخرين الاستعداد لاجتياز البحر للوصول إلى إحدى الجزر اليونانية، وبدأ المهاجرون بالتجمع في مناطق كانت معروفة كمراكز لانطلاق المهاجرين أبرزها منطقة «قوش أداسي» بولاية آيدن (غرب)، ومنطقة أيفاليك في ولاية جناق قلعة، ومنطقة ديكلي في ولاية إزمير(غرب)، حيث يعملون على تأمين مركب مطاطي للسفر بواسطته.
وأثار القرار التركي غضب وإرباك العديد من الدول الأوروبية لا سيما اليونان وبلغاريا، حيث منع عناصر حرس الحدود اليونانيون مئات المهاجرين من اجتياز الحدود، وبينما توجه رئيس الأركان العامة ووزير الشرطة إلى المنطقة، أكدت الحكومة رفع التأهّب على الحدود «إلى أقصى درجة ممكنة».
وأرسلت بلغاريا قوات من الدرك إلى حدودها البرية والبحرية مع تركيا، كما أعلن رئيس الوزراء بويكو بوريسوف مشيراً إلى أن تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين يمثل «خطراً حقيقياً»، وأعرب عن قلقه من «انسحاب حرس الحدود الأتراك». وتراجع تدفق اللاجئين من تركيا إلى أوروبا في آذار/مارس 2016، بعدما توصلت تركيا والاتحاد الأوروبي لاتفاق يهدف للحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا، لكن تركيا اتهمت مراراً الاتحاد بعدم الالتزام بتعهداته بموجب الاتفاق وهددت بفتح الأبواب على مصراعيها.
وفي حال استمرار تركيا بالسياسة الجديدة المتمثلة في عدم اعتراض طريق المهاجرين المتوجهين نحو أوروبا، فسيعلن عن انهيار الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ودخول العلاقات بين الطرفين في نفق جديد من الخلافات والاتهامات المتبادلة.
لكن ورغم الخطوة التركية، أكد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو أن اتفاق «إعادة قبول اللاجئين» المبرم مع تركيا ما يزال ساريا، وقال: «لم تصدر أي تصريحات رسمية من تركيا في هذا الاتجاه، بالنسبة لنا اتفاق إعادة قبول اللاجئين المبرم ب ين تركيا والاتحاد الأوروبي ما يزال ساريا، وننتظر من تركيا الالتزام بتعهداتها وفق الاتفاق».
المصدر: القدس العربي