بعد “الحديدة”.. هل بدأت حرب إقليمية تطل برأسها من خلف “تبادل اللكمات”؟

عاموس هرئيل

بعد مرور تسعة أشهر ونصف، انتقلت الحرب في نهاية الأسبوع إلى مرحلة جديدة، يبدو أنها أخطر. المسيرة التي أطلقها الحوثيون من اليمن الجمعة، أصابت تل أبيب وقتلت إسرائيلياً. بعد يوم، هاجمت 20 طائرة لسلاح الجو مدينة الميناء اليمنية الحديدة وتسببت بأضرار كبيرة في مخازن السلاح، ومحطة توليد الطاقة ومنشآت لتكرير النفط. هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل اليمن بعد أن تركت للولايات المتحدة والتحالف الدولي الرد على هجمات الحوثيين السابقة.

نجاح الهجوم على بعد 1700 كم تقريباً عن إسرائيل، يرسل رسالة إلى المنطقة، لا سيما لإيران. في الوقت نفسه، قد يؤدي الآن إلى محاولة رد حوثي ضد أهداف إسرائيلية. بشكل معين، يبدو أن تبادل اللكمات يخفي خطر اندلاع حرب متعددة الساحات وبقوة أكبر.

إن إطلاق المسيرة من اليمن كان مفاجئاً. لم يكن أي إنذار استخباري مسبق، ويبدو أن استعداد الدفاعات كان محدوداتً. حدث هنا خطأ بشري شديد في منظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية. فرغم مشاهدة المسيرة وهي تتحرك نحو الشرق خلال بضع دقائق فوق البحر المتوسط باتجاه تل أبيب، فإنه لم يتم تشخيصها كهدف يقتضي اعتراضه. وقع الانفجار قرب مبنى السفارة الأمريكية، وقد قتل مواطناً، يفغيني فيردر (50 سنة)، وصيب ثمانية مواطنين. في ظل غياب تشخيص الهدف كهدف معاد، لم يتم تشغيل صفارات الإنذار أيضاً.

ما زال سلاح الجو يجري تحقيقاً في ظروف هذا الخلل. الحوثيون الذين تحملوا مسؤولية الهجوم استخدموا مسيرة تحمل مواد متفجرة مقلصة تسمح بوصولها إلى أبعد مدى. مسار الاختراق غريب نسبياً، ويبدو أن المسيرة اجتازت الأجواء المصرية. في الظهيرة، عقد رئيس الحكومة ووزير الدفاع عدة مشاورات أمنية، صادق في نهايتها الكابنت السياسي – الأمني في جلسة استثنائية شارك فيها وزراء متدينون، على العملية.

تم تنسيق العملية الإسرائيلية مسبقاً مع الإدارة الأمريكية. وقد سبقت الهجوم الكثيف استعدادات في سلاح الجو، الذي استعد لاحتمالية اضطرار مهاجمة اليمين منذ بدأ الحوثيون بإطلاق المسيرات والصواريخ البالستية على إسرائيل في بداية الحرب. حتى الآن، تم إطلاق 220 هدفاً، كثير منها اعترضته القوات الأمريكية في البحر الأحمر، واعترض بعضها طائرات حربية ومنظومات دفاع جوي إسرائيلية في منطقة خليج إيلات. وبينت البيانات الإسرائيلية أن قصف الحديدة جاء رداً على كل الهجمات، أي لم يقتصر الأمر على إطلاق مسيرة نحو تل أبيب.

شارك في الهجوم الإسرائيلي أكثر من 20 طائرة قتالية من نوع “اف 35″ و”اف15” وطائرات تجسس وطائرات للتزويد بالوقود. الأمريكيون وأعضاء التحالف هاجموا اليمن حتى الآن عشرات المرات رداً على هجمات الحوثيين على إسرائيل وعلى الملاحة البحرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. مع ذلك، امتنعوا عن مهاجمة ميناء الحديدة لأنه تمر فيه معظم المساعدات الإنسانية لهذه الدولة الفقيرة التي تضررت بشكل كبير في الحرب الأهلية. مع ذلك، قررت إسرائيل ضرب الميناء بذريعة أن معظم إرساليات السلاح الإيرانية تمر من خلاله. إضافة إلى ذلك، اعتبرت منشآت النفط أهدافاً للحوثيين، التي توفر جزءاً كبيراً من مدخولات النظام.

تتوقع إسرائيل أن يرد الحوثيون على هجوم الحديدة، في محاولة لإطلاق الصواريخ والمسيرات نحو جنوب البلاد وربما مرة أخرى نحو منطقة “غوش دان”. وهذا التهديد يحتاج إلى مزيد من التغيير وتحسين منظومات اعتراض المسيرات. ويبدو هذا نقطة ضعف لسلاح الجو في الحرب، وربما تتعلق الفجوة بشكل خاص بإطلاق المسيرات ذات المدى القصير والمتوسط من حدود لبنان نحو منطقة الجليل. يدرك جهاز الأمن أن احتمالية ردع الحوثيين عن القيام بهجمات أخرى ليست عالية.

في السنوات الأخيرة، أدار الحوثيون حرباً أهلية ضد حكومة اليمن وهاجموا بين حين وآخر أهدافاً في السعودية والإمارات على خلفية دعمها للحكومة. عملت هاتان الدولتان على التوصل إلى وقف لإطلاق النار بعد هجمات الحوثيين المنهجية بمساعدة إيران على منشآت النفط فيهما. وثمة سؤال يطرح أيضاً: كيف سيؤثر إطلاق المسيرة من اليمن على تل أبيب على حزب الله، الذي امتنع حتى الآن عن الإطلاق على مركز البلاد، لأنه يعتبر ذلك خطاً أحمر يؤدي بإسرائيل إلى مهاجمة بيروت. تجرأ الحوثيون في المكان الذي كان فيه رئيس حزب الله، حسن نصر الله، حذراً حتى الآن.

الجبهة الأمريكية

الهجوم الإسرائيلي الاستثنائي في اليمن يحدث على خلفية سلسلة أحداث دراماتيكية في الشرق الأوسط. يسافر رئيس الحكومة، نتنياهو، إلى الولايات المتحدة لإلقاء خطاب في الكونغرس والالتقاء مع الرئيس الأمريكي، في حالة أن تعافيه من كورونا. نتنياهو يخطط للالتقاء مع المرشح الجمهوري للرئاسة، ترامب. ستجري زيارة نتنياهو في الوقت الذي يتوجه فيه اهتمام الرئيس وحاشيته إلى مكان آخر: جو بايدن يتعرض لضغط متزايد من أعضاء حزبه كي ينسحب من سباق الرئاسة، إزاء تدهور وضعه الصحي والذهني.

مصادر أمنية إسرائيلية قالت إن الظروف نضجت من أجل التوصل إلى الصفقة بين إسرائيل وحماس، ستشمل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين. ولكن من غير الواضح إلى أي درجة ستستمر أمريكا في التركيز على استخدام الضغط على نتنياهو لعقد الصفقة على خلفية الأزمة في أوساط الديمقراطيين من جهة، والتصعيد الجديد في الشرق الأوسط من جهة أخرى.

أكد متحدثون إسرائيليون على دور إيران في تمويل وتسليح الحوثيين. تبادل اللكمات بين إسرائيل والحوثيين يجري حيث يزداد في الخلفية قلق في الغرب وفي إسرائيل من معلومات استخبارية حول تقدم المشروع النووي الإيراني. وقال وزير الخارجية الأمريكي إن فترة إيران التي تحتاجها لإنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصب بمستوى يمكن استخدامه لإنتاج قنبلة نووية واحدة، هي الآن كما يبدو “أسبوع أو أسبوعان”. هذا هو التقدير الأكثر إقلاقاً، الذي قالته أمريكا حتى الآن، رغم أن إيران تحتاج إلى برنامج لسلاحها (لملاءمة القنبلة مع رأس نووي متفجر على صاروخ بالستي) من أجل الوصول إلى السلاح النووي.

العناوين المتعلقة باليمن أبعدت تطوراً دراماتيكياً آخر عن الاهتمام الجماهيري، وهو الفتوى التي نشرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي نصت على أن المستوطنات في الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي، وأن على إسرائيل إنهاء نظام الاحتلال. في غضون ذلك، نشر موقع “أكسيوس” بأن الإدارة الأمريكية تفحص فرض عقوبات شخصية ضد الوزيرين سموتريتش وبن غفير. لدينا هنا أحد الأحداث المتطرفة الأخرى التي تميز الحرب الحالية: اثنان من أعضاء الطاقم الذي تم تفويضه بالمصادقة على الهجوم في اليمن، وربما في المستقبل على عمليات أكثر دراماتيكية، هما على مرمى هدف الإدارة الأمريكية بسبب إسهامهما في ضعضعة الوضع الأمني في الضفة الغربية.

المصدر: هآرتس/القدس العربي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فائض القوة التي حصلت عليها قوات الإحتلال الصهي.وني جعلت تمارس الإرهاب والقتل بكل الجبهات مستخدمة أحدث الأسلحة الأمريكية والألمانية والغربية عامة، مقابل مقاومة محاصرة بدون إمداد، إنها تظهر قوتها بممارسات قذرة لتغطي عجزها، هل نحن أمام مسيرة لحرب عالمية ثالثة؟ لماذا توقيت تبادل اللكمات بين الحوثيين وإSرائيل؟ لتغطية رأي محكمة العدل الدولية .

زر الذهاب إلى الأعلى