السوريون في لبنان.. التعليم الممنوع وشروط الإقامة المستحيلة

شادي علاء الدين

لم يفت قائد حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تغليف تغريدته التي دعت إلى حرمان الأطفال السوريين من التعليم بعنوان الشرعية والقانون.

تتخذ تغريدته على موقع “إكس”، التي يتوجه بها إلى وزير التربية، صيغة الحرص على المؤسسات وإنفاذ القوانين. يقول فيها إنه يجب بحلول العام الدراسي 2024-2025 أن يعود الوضع في المدارس، المدارس كلها وعلى مختلف مستوياتها، إلى وضعه القانوني.

ذلك الوضع القانوني الذي يتحدث عنه جعجع ليس في الحقيقة سوى الصيغة الجديدة المبتكرة التي تغلف فيها القوى السياسية اللبنانية عمومًا مواقفها العنصرية من السوريين، والتي تتجاهل عمدًا العنوان العريض للأزمة ومسببها الأساسي، وتتعامل مع النتيجة وكأنها استولدت نفسها ذاتيًا.

لا يتحدث أحد عن حقائق صلبة تعلن أن جل السوريين في لبنان ينحدرون من مناطق محتلة، بتمام تعريف مفردة الاحتلال، من قبل حزب الله والميليشيات الإيرانية، وأن وجودهم في لبنان ليس سوى اضطرار قسري وهروب من موت محقق، وليس عبورًا إلى الجنة وفق فحوى خطاب العنصرية اللبنانية.

ولكن، ما هو الوضع القانوني الذي يشرعن تعليم الأطفال السوريين؟ وما هي شروطه؟ ببساطة، يعني الامتثال لمتطلبات الوضع القانوني في الحصول على إقامة شرعية. وهنا تبدو القضية منطقية ومقبولة، ولكن القوانين اللبنانية المتعاقبة لا تعترف بمفهوم اللجوء على الإطلاق، وتستبدله بمفاهيم مائعة قانونيًا وأخلاقيًا مثل النزوح والهجرة وما إلى ذلك.

وعلى الرغم من استخدام معظم السياسيين مصطلح اللجوء، فإنه غير موجود على مستوى القانون والتشريع، فلبنان ليس بلد لجوء وفقًا للتعريفات، بل هو بلد عبور. وعليه، لا يجوز لأي شخص دخل لبنان بطريقة غير شرعية أن يقدم طلب لجوء لدى مفوضية اللاجئين بعد مرور شهرين من دخوله إلى لبنان.

ولكن، بعدٌ أكثر سريالية ظهر إلى النور مع ظهور قرار المديرية العامة للأمن العام اللبناني الذي يتيح منح إقامات سنوية ودائمة بشرط كفالة مصرفية نقدية يتم إيداعها في الخزينة نقدًا أو بشيك مصرفي “فريش” لدى وزارة المالية. وتبلغ قيمة الكفالات النقدية 1,500,000,000 ليرة لبنانية على سنة واحدة و4,500,000,000 ليرة لبنانية على ثلاث سنوات.

خرافية هذا المبلغ تحوله من إجراء قانوني إلى بنية حربية واضحة المعالم ضد السوريين. وإذا جمعنا هذا مع تغريدة جعجع وطبيعة المناخ العام المشجع على الكراهية والعنف في وسائل الإعلام، فإن معالم المشهد تتجلى أمام الأنظار، لترسم صورة قاتمة عن مصائر بلد يفتقر إلى جميع عناصر البقاء، سواء كانت قانونية أو سياسية أو أخلاقية بالإضافة إلى الأمن والاقتصاد.

تغريدة جعجع تكشف نزوعًا عنصريًا وطبقيًا، وتدل على تركيبة سيكولوجية لم تخرج من منطقة الحرب وفكرتها وروحها. إذ لا تنطوي نظرته إلى السوريين على مجرد تموضع سياسي ظرفي وطارئ، بل على نزوع عميق ومتجذر يرى في السوري والفلسطيني والآخر عمومًا كائنًا أدنى لا يستحق التعلم لأنه ليس جديرًا به بحكم طبيعته.

الوضع الطارئ الذي تشير إليه تغريدته ينظر إلى مسألة حرمان الأطفال السوريين من التعليم كأولوية قصوى، تجعلها مسألة وجود وهوية يستمد منها موقعه ومكانته في النظامين المسيحي خصوصًا واللبناني عمومًا.

وعلى العموم، لا يخرج جعجع عن منطق الممارسة الطبقية المسيحية، حيث تتعامل المدارس المسيحية الراقية مع التعليم كسلعة فاخرة وخاصة، لا ينبغي أن تكون متاحة إلا لأولئك الذين يحتلون موقعًا طبقيًا متقدمًا.

ولكن هذا التوجه العدواني المقصود ضد تعليم الأطفال السوريين يكسب في هذه اللحظة معنى خطيرًا، لأن نسبة السوريين الذين يحملون إقامات شرعية لا تتجاوز الـ 17% وفقًا لتقارير نشرتها الجمهورية نت، مما يعني بشكل مباشر أن الغالبية العظمى من السوريين ستحرم من التعليم. إضافة إلى أن كلفة الإقامة التي تتجاوز 16 ألف دولار سنويًا تجعل الاستحصال عليها شبه مستحيل، وبالتالي سيكونون خارجين عن القانون ومعرضين لكل أنواع التنكيل من قبل الجمهور والقوى الأمنية التي تغطيها القوانين وتسمح لها بممارسة أي تنكيل بشكل شرعي، بالإضافة إلى إمكانية إصدار أحكام بالإعدام والترحيل القسري إلى مقابر الأسد.

وتتزامن هذه الإجراءات مع تحذيرات من تشغيل عمال سوريين والتهديد بإغلاق أي مؤسسة تابعة لسوري أو تضم سوريين لا يملكون إقامات شرعية، وقد بدأت حملات منظمة في هذا الصدد بقيادة القوى الأمنية، كما يتم تنفيذ بعضها بالقوة من قبل البلديات والأهالي.

ويدور في الكواليس حديث عن قانون يفرض على كل مؤسسة لبنانية تشغيل العمال اللبنانيين بنسبة 80%، مما يعني أن كل مؤسسة تضم 5 عمال لها الحق في توظيف عامل أجنبي واحد، وهو إطار يستهدف بشكل خاص العمالة السورية.

المفارقة أن جميع تلك الإجراءات التي تدعي الالتزام بمصالح اللبنانيين والدفاع عنهم، لا تلتفت إلى عمق الأزمة التي قد تنفجر في حال تم سحب الموارد الدولية المخصصة لتعليم السوريين، والتي ضمنت فرص عمل لمئات من اللبنانيين برواتب منتظمة وجيدة، في حين أن مؤسسات التعليم اللبنانية الرسمية والخاصة تصادر حقوق المعلم اللبناني.

والجدير بالذكر أن معظم الوظائف التي تؤمن انتظام الحياة اليومية لعموم اللبنانيين يقوم بها عمال سوريون، وعليه فإن تطبيق قوانين الإقامة الصارمة، بما تعنيه من منع للسوريين من التعليم والعمل، سيؤدي إلى تفجير البنية الاقتصادية اللبنانية تمامًا، مما يهدد الأعمال الصغيرة والمتوسطة بالتدمير.

فهل يكون هذا هو العنوان الرئيسي لمشروع انفجار اجتماعي يهدف إلى تحويل كل من يقيم في البلد إلى كائنات عاجزة تتطلب الإغاثة وجاهزة لكي تمر المشاريع الكبرى على جثث حقوقها وآمالها وطموحاتها؟

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السوري الحر لم يهجر منله وبلدته حباً بالهجرة، ولكنه خرج هرباً من إرهاب نظام طاغية الشام وألقوى المحتلة التي جلبها، ولم يقف أحد معه ضد هذا الإرهاب وتطبيق القرارات الأممية، اللاجئ يعاني الأمرين بدول اللجوء الأول مرارة الهجرة والغربة والثاني فشل الأنظمة السياسية بدول اللجوء عن حل مشاكلهم ليحملوها للاجئ السوري، حسبنا الله ونعم الوكيل بهم.

زر الذهاب إلى الأعلى