اعتدال نجيب الشوفي روائية سورية متميزة، قرأت لها سابقا روايتها هذيان الامكنة، وكتبت عنها…
اسألوا شجر التوت ، رواية اعتدال الشوفي الجديدة، الصادرة عن دار الينابيع . السرد فيها بلغة المتكلم بلسان “يقين” الشخصية الرئيسية في الرواية…
تبدأ الرواية عندما تقرر يقين ابنة احدى بلدات جبل العرب ان تعود الى دمشق مع ابنها لتستقر هناك حيث تكتب في احدى الصحف زاوية خاصة ترصد الواقع الاجتماعي. حيث يساعدها ذلك على العيش في ظل ظروف اقتصادية تزداد سوء. وذلك بعد مضي سنوات على “الأحداث” التي مرت في سورية منذ عام ٢٠١١م. خاصة أنها كانت قد فقدت زوجها التي تزوجته عن حب. لقد حاول معاشرتها جنسيا في احدى الليالي، وهي مصابة برهاب التلامس، نفرت منه ، صفعها وغادر غاضبا. ذهب إلى أقربائه في القرية. وهناك اختلف مع اقربائه، من مع ومن ضد في موقفهم من الأحداث، و اردي قتيلا. عاد اليها جثة. بقيت هي وابنها تعيش حياة الجحيم في مجتمع وبيئة تعتبر المرأة حرم يحتاج من يحميه. ومن يسيّر اموره. وهكذا أصبحت حياة يقين ضائعة بين أهلها وما يريدون. وبين عائلة زوجها وخاصة امّه. وهي تفتقد زوجها الذي فقدته في عز شبابها…
كان انتقالها لدمشق هو الحل لتكون أقرب لعملها وتبتعد عن الجو العائلي والاجتماعي هناك عند اهلها الموحدين الدروز وضوابطهم الصارمة…
في دمشق لم تكن الأمور بعد سنوات على “الاحداث” التي مرت بسورية على خير. دمشق مكتظة بالنازحين الهاربين من ضواحيها جراء الصراع بين النظام والمعارضة. أدى لتدمير بلدات وتهجير أهلها. لاحظت جو العسكرة والمدرعات تتوجه الى أرياف دمشق. تسمع اصوات القذائف. التي سيكون لدمشق نصيبا منها…
وجدت بيتا قريبا من باب شرقي يسكنه عدد كبير من العائلات. حصلت مع ابنها على غرفة استقرت بها. تعيش على معاش زوجها التقاعدي ومعاشها الذي تحصل عليه من الجريدة التي تكتب فيها…
كانت قد حصلت على كتاب في احد المواقف. تركه صاحبه. وجدته يحمل رموزا ومكتوب بلغة لا تعرفها. احتفظت به احست ان هناك شعور خاص تعيشه تجاهه…
يقين تعيش كوابيس واحلام تأتيها بشكل دائم تريها انها عاشت في زمن ماض. باسم مختلف وحياة أخرى. تكررت الكوابيس عليها كثيرا. وهي ابنة بيئة اجتماعية “الموحدين الدروز” يعتقدون بالتقمص، ولقد اتعبها ذلك. لجأت إلى طبيب نفسي وهناك بدأت رحلة علاج نفسي. عادت لماضيها. واسرتها. والدها الذي كان يحبها ويميزها. توفيت والدتها وتزوج والدها من امرأة أخرى اضطهدتها الزوجة هي و اخوها الاصغر الذي أصبح يتلصص عليها عندما دخل سن المراهقة. وسرعان ما سافر خارج سورية بعد ذلك…
أما الكوابيس التي تعاني منها يقين فإن أهم معالمها إنها عاشت في قرية في جبل العرب أيضا وكان لها اسم آخر وكانت تعيش في كنف جدها…
على مستوى آخر تقاطعت حياة يقين مع عائلة تسكن معها في دمشق، فتاة من حمص وزوجها من الساحل. يعملون في التنقيب عن الآثار بشكل رسمي. هذا شجع يقين أن تصاحبهم حيث يذهبون الى إحدى القرى الأثرية في جبل العرب. وهناك بدأت تلتقي بذاتها التي كانت قد عايشتها في كوابيسها. وصلت لمعمرين وسمعت حكايا تؤكد وجود البنت التي تأتيها في كوابيسها وجدّها. وكذلك كون الفتاة قد وقعت ضحية اغتصاب من أحد الكهنة في احدى الكنائس. مما أدى لجنونها. وأنها تشردت بعد موت جدها. ووجدت ميتة ومتجمدة في الثلج على قبره…
كما شاركت يقين مع البعثة في متابعة العمل في مناطق الآثار. وحصلو على مجسمات للإله “حدد” وفخاريات ومعادن وحتى وجدوا في وقت آخر كنوز ذهبية في تلك البيوت المطمورة تحت هياكل البلدة التي بناها أهلها حديثا…
هذه الكنوز التي تبين مع الزمن ان جار يقين يتابعها منذ زمن بعيد وحصل عليها لنفسه. وأصبح ثريا بعد ذلك. وبدأ يعمل مع جهة مجهولة من الخارج “مستثمرة” وضعت يدها على المناطق الأثرية واستحوذت عليها. سيطلّق ذلك زوجته بعد ذلك…
تتابع يقين مع الطبيب النفسي وتسبر أغوار نفسها وتبدأ من التحرر رويدا رويدا من كوابيسها وما تعيشه بعدما علمت وقائع تؤكد لها صحة ما عاشته…
أما فيما يتعلق بأحوال جبل العرب فقد غادر الجيش المنطقة لأسباب لم تخبرنا عنها الرواية. وسرعان ما اجتاح بعض القرى جماعات ارهابية “رايات سود” وقتلوا المئات من بعض القرى وخطفوا آخرين. وتحركت دعوة الفزعة في جبل العرب. وشارك بها إخوة يقين من زوجة والدها الجديدة وقتلا اثناءها. وكان ذلك قاسمة لظهر والدها وزوجته الجديدة…
يعلم اخ يقين بحال والده وأخته التي تسكن في دمشق مع ابنها وحدهم وهذا غير مقبول بعرفهم الاجتماعي. يعود إلى القرية ويحمل السلاح ويدخل مع المقاتلين. يحاول إعادة اخته الى البلدة لكن لا تستجيب. تعرف انه لن ينصفها. هددها كثيرا و رفضت وتركت مكان سكناها سرا…
يقين في دمشق تتابع سبر أغوار الدفتر الذي حصلت عليه وعلمت انه مكتوب بالآرامية. وأنه يتحدث عن حياة الجد والحفيدة التي تظهر ليقين في كوابيسها. وأن الجد ساهم في إعادة بناء القرية قبل قرن ونصف. كذلك وطدت علاقتها مع صديقتها تلك التي غدر بها زوجها وسرق الكنوز وطلقها. وتلك التي كان قد اختطفها الإرهابيين هي وحبيبها. الذي ذبحوه وهي أطلق سراحها بعدما طارد شباب الجبل الخاطفين حيث هم. كذلك تعرفت يقين على أحد شباب جبل الشيخ في ريف دمشق وهو من الموحدين ايضا. وحصلت بينهما علاقة عاطفية وحب متبادل. وأصبحوا يفكرون أن يبنوا حياتهم المشتركة بأن يتزوجوا…
كان اخ يقين قد اصبح من العصابات المسلحة وأصبحت سمعته سيئة واستمر يطارد يقين ويطالبها بالعودة الى البلدة وهي ترفض وتعرف انه يقف في وجه زواجها. لكن اخو زوجها السابق انسان جيد وكان يعمل مع منظمات الاغاثة وعدها بالتوقيع على تنازل عن حضانة ابنها لصالحها. لكن أخاها اختطفه. حتى يمنع أخته من الزواج. ولجأت أخيرا لأحد المشايخ الذي له كلمته بين الموحدين. وانقذ اخ زوجها السابق واعطاها تنازل عن حضانة ابنها . وبعد ذلك قتل اخوها بصراع بين العصابات المسلحة. واستطاعت أن تتزوج من حبيبها. وعملوا سوية للهروب من سورية إلى أوروبا حيث لم تعد تحتمل الحياة فيها…
سافر زوج يقين وتركها مع ابنها حتى يرسل لهم ما اصبح يسمى لم شمل ليأخذهم إليه في هولندا…
الوضع في سورية زاد سوء. الواقع الاقتصادي والاجتماعي لم يعد يحتمل والفاقة اصابت الجميع. ووصل الحال الى أهل جبل العرب وبدأت تخرج احتجاجات مطلبية. وزاد الأمر سوءا مجيء وباء كورونا الذي جعل الحياة مستحيلة. بدأ الناس يظهرون تذمرهم ويطالبون بالتغيير …
على مستوى آخر لاحظت يقين تغلغل الاستثمارات الخارجية التي لم توضح من هم وكيف كان ذلك السارق كنوز الآثار احد رموزهم ومديرا لأعمالهم…
تنتهي الرواية عندما تخطط يقين أن تلتحق هي وابنها بزوجها في هولندا وكيف ذهبت لتركيا وركبت البحر و تقاذفتها الأمواج هي وابنها…
لقد غرقوا…
في التعقيب على الرواية اقول:
الرواية مليئة بالتفاصيل، ومكثفة بالأحداث، التداخل بين العوالم النفسية والمجتمعية حاضر كل الوقت. موضوع التقمص بصفته واقع معاش عند البعض من مكونات الشعب السوري، سواء قبلنا به أو رفضناه. هو جزء من اعتقاد البعض وله حضوره بأشكال مختلفة. رغم كون الكاتبة حاولت مقاربة الموضوع من جوانب علمية…
كما أن الحديث عن بلدات جبل العرب وكونها ذات تاريخ يعود لآلاف السنين. الرومان والآراميين وغيرهم. وإن الآثار والكنوز كثيرة هناك. وان هناك سرقة مدروسة مستمرة لكنوز المنطقة وتراث سورية وتاريخها…
النقطة الأكثر أهمية الغائبة الحاضرة في الرواية هي : ماذا حصل في سورية منذ عام ٢٠١١م.؟. وزمن الرواية بين عامي ٢٠١٨ و٢٠٢٢م.؟. المحت الرواية عن أحداث وصراع وجيش يتحرك ونازحين وبلدات مهجورة ومدمرة. لماذا وكيف ؟. لم تقل. افهم ان الروائية مقيمة في سورية والرواية طبعت هناك ايضا. يعني الهامش لا يسمح بأكثر مما تحدثت. لكن ذلك يشوه الواقع في الرواية ويجعله مبتسرا…
نعم ان الشعب السوري ثار مطالبا بإسقاط الاستبداد والفساد والظلم وبناء دولة الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل. وقدم بمواجهة النظام الذي اعتمد العنف المسلح واحضر إيران وروسيا وحزب الله ليقتلوا الشعب السوري ، لقد أصبح الضحايا حتى تاريخ سرد الرواية أكثر من مليون شهيد. ومثلهم مصابين ومعاقين ومعتقلين وشرد نصف الشعب السوري خارج سورية وداخلها ودمر النظام أكثر من نصف سورية وأن محاولة أهل جبل العرب النأي بأنفسهم عن الثورة حيث منعوا أولادهم من الالتحاق بالجيش وطرحوا موضوع النأي بالنفس. ولم يقبل النظام ذلك ولأنه لا يريد ان يظهر انه ضد الموحدين في جبل العرب. فقد ادعى انه يحمي الاقليات والمكونات السورية من الإرهابيين الثوار “السنة”. فما كان منه الا ان سحب جيشه المرابط في جبل العرب. واطلق كلابه ومن صنعهم في سجونه و معتقلاته وبيد استخباراته، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش ليقتلوا ويسبوا ويخطفوا من أهل جبل العرب عقوبة لهم لكونهم لم يكونوا جزء من اجندة النظام…
لكن واقع الحال في السنوات الأخيرة اظهر امام اهل جبل العرب وقواها المدنية والدينية والثقافية والسياسية المعارضة. أنه لا نأي بالنفس في العلاقة مع النظام. وواقع الحال السيء وصل الى لقمة عيش الناس والى كرامتهم ووسائل عيشهم، فسرعان ما خرج أهلنا في جبل العرب بكل مكوناتهم في تضامن رائع يعيد للثورة السورية ألقها ونقاءها وسلميتها. مطالبين بإسقاط النظام وبناء الدولة الديمقراطية وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل. ومدوا أيديهم لبقية القوى الثورية السورية في كل المواقع المحررة والتي تخطط لتسقط النظام الذي أصبح عبئا على سورية وشعبها…
نهاية الرواية تقول أن ثمن الغربة واللجوء غالي. قد يكون موت في البحر أو وصول لبر أمان مع خسارة الوطن…
اعتقد ان الأيام لو عادت الى كاتبتنا المتميزة اعتدال الشوفي حتى تكتب روايتها مجددا. لعدلت كثيرا من محتواها تمشيا مع ما قلناه في التعقيب عليها. لأنه ببساطة أصبح جبل العرب بقعة محررة في سورية التي نتوق لتحررها كاملة، وبالتالي لا سقف من رقابة يحد ابداع كاتبتنا وتعبيرها عن رؤاها بخصوص الثورة السورية ومسارها في سورية وفي جبل العرب بشكل أكثر تخصيصا وتركيزا…
رواية “اسألوا شجر التوت” للروائيةالسورية “اعتدال نجيب الشوفي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن مسيرة “يقين” إبنة جبل العرب التي نزلت الى دمشق للعيش هناك وتكتب بزاوية صحيفة وزوجها يصل اليها بعد عودته لجبل العرب وإختلاف الشعب بين موالي ومؤيد بعيد ثورة 2011.