ملاحظات على لقاء علوي الخارج مع الروس

عبد الرحيم خليفة

ينطلق التصور الروسي، والغربي عمومًا، لسكان سورية، والمنطقة برمتها، من اعتبارهم مجموعة شعوب وأقوام غير متجانسة، وعليه يتم التعامل معهم كمكونات وطوائف، وهي نظرة عدا عن كونها قاصرة وغير دقيقة، لا يخفى على أي مطلع، أنها تساهم في تزكية الاحتراب الداخلي، وتعمق الانقسام المجتمعي، الذي تغذيه وتدعمه، تلك الدول، بأشكال مختلفة، وبما يمكنها من النفاذ إلى عمق بنيته، واللعب في استقراره وأمنه، الذي أصبح مخترقًا بلا حدود، تحقيقًا لمصالحها الاستراتيجية.

لا شك أن سنوات الثورة الماضية، في المقابل، كشفت عن عمق الأزمة المجتمعية التي عملت عليها وكرستها سياسات نظام الطغيان والاستبداد، لجهة معظم المكونات، التي أدى بالمحصلة فشل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية إلى تحصينها وإكسابها المناعة الوطنية المطلوبة.

أتى اللقاء الروسي مع شخصيات علوية، مؤثرة، في الشتات، يومي 15_ 16حزيران/ يونيو الماضي، ضمن هذا الإطار، ووفق هذا الفهم، بدعوة من (مركز الحوار الانساني) لتسهيل “التفاعل بين الطرفين”، وبعيدًا عن اللغط الذي ساد حول تسريب محضر الاجتماع والخلاف على دقته، لابد من تسجيل عدة ملاحظات:

1_ رغم تأكيد المجتمعين من الطرف العلوي أنهم سوريون أولًا، وأن “العلوية” هوية فرعية، فإنه منزلقًا خطيرًا تقع فيه أي مجموعة، أو مكون سوري، حين يقبل أن يتعامل معه الآخرون بموجب هوية دون وطنية، وخارج وحدة المجتمع وقواه السياسية الفاعلة.

2_ هذا الحوار ليس الأول من نوعه، إذ سبقته حوارات مشابهة مع أطياف أخرى، وعلى أساس الهويات الفرعية، وبعضها ذهب إلى حدود الاستقواء بالخارج وطلب “تقرير المصير” أو “الفيدرالية”، وهو ما يهدد الجميع ويغرقهم، ولن يجلب لأي مكون الأمن والاستقرار، والاستقلال والنجاة.

3_ من حق أي مكون الحديث عن هوية فرعية ثقافية، خاصة، إن وجدت، وجاز الحديث عنها بخصائص وسمات معينة، ولكن من الخطأ التفاوض مع أي جهة خارجية تحت هذا العنوان، مهما كانت نوايا المفاوضين وصدقيتها، ونحن هنا لا نشكك بأحد، ولا نخون أو نتهم.

4_ من المؤلم والمؤسف أن يصبح لكل مكون مظلوميته الخاصة المزعومة، وسرديته المختلقة، خارج المظلومية الوطنية الشاملة، ودون النظر بمجريات سنوات الثورة الأخيرة وما كشفته عن محاولات تغيير البنية السكانية، لصالح مشاريع وخطط عابرة للحدود.

5_ إن العدالة الانتقالية ممر إجباري ينصف الجميع، ويضع أسس بناء دولة القانون والعدالة والمواطنة، التي بموجبها سينتفي أي حديث عن مظلوميات خاصة، واتهامات لهذا الطرف أو ذاك، بالتقصير والتبعية، والالحاق والايغال بالدم السوري.

6_ إقرارنا بأننا مجتمع متعدد طائفيًا ومذهبيًا، وقوميًا، لا يعطي الحق لأحد منا أن يرتد إلى طائفته، ليلوذ فيها، ويتحصن بها، ويتحول إلى مدافع عنها، وفي الوقت ذاته يتشدق بالوطنية، فأن تكون وطنيًا يعني أنك عابر للطوائف، وخارج هذا السلوك والثقافة والتفكير.

7_ أتت الندوة التي نظمها مالك ومدير موقع “كلنا شركاء” أيمن عبد النور، يوم 30_ 06 الماضي، مع بعض ممن شاركوا في اللقاء مع سيرغي ميتوشين، السكرتير الأول للبعثة الروسية الدبلوماسية الدائمة، في جنيف، التابعة للأمم المتحدة، لتصب الزيت على النار حين الحديث عن مجريات الأزمة السورية، وتصوير بعض مراحل الصراع أنه طائفي، بمعنى ما، وهو ما يكشف عن عمق المخزون الطائفي، وارتفاع منسوبه، في السنوات الأخيرة، في نفوس وثقافة الكثيرين، وهذا الفهم، للأمانة والدقة رفضه أحد المشاركين من حملة “الهوية الفرعية”، العلوية، ما يجعلنا نؤكد أن هناك وعيًا وطنيًا حقيقيًا، لدى الكثيرين، من جميع المكونات والطوائف يمكن البناء عليه في سورية المستقبل التي نريد.

8_ إن الحديث عن النسب والتناسب في الحالة الوطنية الجامعة مقتل للجميع، وكثير من المفاهيم يجب تصحيحها، والعديد من المصطلحات يجب ضبطها، عند الحديث عن أكثرية وأقلية، فهما ليسا أرقامًا وأعدادًا في معادلة حسابية، بقدر ما هما تنوعات وطنية، في عملية تاريخية طويلة ومتشابكة كانت، ويجب أن تبقى، مصدر ثراء، ومثالاً للتعايش والتعدد في إطار الوحدة الوطنية.

9_ القلق والخوف من المستقبل يجب أن يدفع كافة المكونات، بما فيهم أصحاب “الهويات الفرعية”، “القاتلة”، لمراجعة خطابها، وسلوكها، والإقرار بأخطائها، والكف عن تصوير مجريات السنوات الماضية، بطابع (الإرهاب السني) ليس لأن ذلك نقيض الوطنية الجامعة، وفقط، بل لأنه خارج سياق الأحداث وترتيبها الزمني، وعوامل صناعتها، ولأن هذا المنحى كان مرفوضًا من الجميع إلا من أصحابه، ولا يجوز إلصاقه بأي فئة أو مكون.

10_ إن الأطروحات المتعلقة بشكل الدولة، فيدرالية، لا مركزية، أو أي شكل آخر مطروح، يجب أن لا يكون استباقيًا، ومن خلال حوار أو تفاوض مع الخارج، إنما من خلال حوار وطني (سوري_ سوري) في سياق عملية سياسية وطنية صرفة، عنوانها الانتقال بسورية إلى دولة مواطنة وتعددية ديمقراطية، تُعلي من شأن الإنسان وقيمه وحقوقه.

 

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى