حورية عياش كاتبة سورية متميزة وواعدة.
روايتها العبور، هي العمل الأدبي الأول الذي اقرأه لها.
تعتمد رواية العبور في سردها لغة المتكلم على لسان بطلتها …
الرواية أشبه برؤيا وحلم طويل يمتد ليطال كل الرواية. لا زمان ولا مكان يحددان عالم المشاعر التي تسبح فيه بطلة الرواية…
هي في غرفة تارة تكون غرفتها. وتارة تكون في غابة أو تحت شجرة او في صحراء. تحتاج كل الوقت لان تتواصل مع ذات الله الخالق. تناجيه وتغوص عميقا في مشاعرها متابعة علاقتها العميقة مع الله. “الله في قلبي” . لم تكن صديقتنا وحدها في حلمها او رؤياها الممتدة. كان يحضر إليها. طيف تارة تدعوه القديس وتارة الحبيب واخرى الملاك. وتخاف أن يكون الشيطان. تراه يتعامل معها بحنو ومحبة وبراءة من شهوات الجسد. أما هي فهي تراه نافذة النور الوحيدة المطلة عبره على عوالم غريبة لا تعرف كيف دخلتها وكيف ستخرج منها. لا تخفي تعلقها به وحتى تشتهيه جسديا تتحد به وتوقظ رغباتها. لكنه كائن مقدس نوراني لا يتجاوب معها. يحضر إليها تارة، بصورة شاب واخرى كهل. يبتسم ويحنو عليها أغلب الأحيان. وأحيانا يظهر متجهما عبوسا. وفي كل الأحوال يتصرف معها بحنان ورأفة. ترى نفسها في غرفتها أو في غير مكان واغلب الأمكنة جديدة عليها. ترى نفسها أحيانا في أجواء دمار واحينا ترى نفسها غارقة في بحر تعوم على سطح امواجه. دائما يحضر قديسها أو ملاكها ليهون عليها ضياعها. وترى نفسها مسكونة بعلاقة وثيقة مع الله وأنه يحبها ويحنُّ عليها…
تستمر الرواية بذات الحال تعيش صاحبتنا مع احلامها ورؤياها بكونها هي الحياة المتاحة. تتذكر ان لها زوج وأولاد وعائلة وانها تحبهم. وتجاوزت منغصات مرّت على حياتهم. وتارة ترى نفسها في قبر من الرخام. تهب عليها روائح عطرة واخرى ترى نفسها تسبح في السماء وكأن لا جاذبية تشدها الى الأرض.
تستمر باستجواب قديسها حول هويته من هو؟، واين هي؟ وما الذي تعيشه؟. هكذا حتى يخبرها بأنه ملاك الموت عزرائيل وأنه مكلف بأخذ روحها وان هناك ملكان يصاحبانه لإنجاز المهمة. وأن روحها ستصعد إلى بارئها واما الجسد فإلى التراب..
تذكر اخيرا انها كانت مريضة سكر وأن هناك كتلة ظهرت في دماغها وأنها دخلت في غيبوبة استمرت لعدة أشهر ومن ثم توفيت…
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
يلفت النظر موضوع الرواية التي كتبتها حورية عياش وهو عالم البرزخ حيث يدخل الإنسان الميت في ملكوت الله. هي مغامرة شيقة وغريبة في نفس الوقت. وكأن هناك من مات وعاد لنا ليتحدث عن لحظات موته وكيف عاشها. ولأن ذلك مستحيل، للآن على الاقل، فإن خوض غمار تجربة التحدث عن تلك اللحظات يعتبر عمل إبداعي مثير للاهتمام والتقييم. بالطبع هو تخيل وتصور واحتمال. عند كاتبتنا حورية كان محملا بالرسائل أولها تعلق الذات الإنسانية بالشريك الآخر الحبيب ولو لبس لبوس الملاك القادم ليقبض الروح. هذا الهاجس الإنساني العميق لعلاقة الحب واستدعائها بصفتها حاجة إنسانية وجودية أولا وأن الحياة أصلها اثنان ابتدأها آدم وحواء. ولأجل محبتهم وتواصلهم الجسدي والروحي خسروا الجنة وكسبوا الأرض التي عاشوا فيها ذواتهم المشتركة. هذا الحب مع ما يحمله من رغبات جسدية لا تعرف الإشباع…
كما أن الهاجس الآخر المسيطر على هذه الروح الهائمة في ملكوت الله. انها تبحث عن الله. تستجير به. تحاوره. تعلن وجوده في القلب. وترى كل حياتها تقرب منه. وترى كل الرسالات تؤدي لطريق الله. وان الله حاضر في ذواتنا. ونهفو اليه نتوق لعفوه ورضوانه وجنته.
غير ذلك كنت اتمنى لو ربطت الكاتبة بين ماعاشته بطلتها من معاناة مرضية وغيبوبة وبين واقع حياتها المجتمعية أوسع من زوجها واولادها. ابنة دير الزور وفي سنوات الثورة السورية وشباب الدير الذين ثاروا على النظام وتلقوا قمعه وعنفه توحشه وتطل ولادة داعش وعلى كل ما حصل بعد ذلك لأهلنا هناك. لانهم طالبوا بحقهم باسقاط الاستبداد والفساد وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل…
قد يكون قصر الرواية ٦٢ص وراء عدم التوسع…
مع ذلك نحن امام روائية واعدة اتمنى ان تشق طريقها بجدارة وأن تنجز المزيد من الأعمال الأدبية.