تعادل التصعيد المُتبادل بين الحزب وإسرائيل يضع مسألة تقدير متى تتوقف الحرب في خانة اللا يقين. اللا يقين سببه أدوات الحرب القتاليّة معطوفة على التصعيد السّياسي والدّبلوماسيّ. ذلكَ أنّ الحزب أعلنَ عبر أمينه العام قبل أيّامٍ، أنّ كلّ ما ينبغي أن يصلَ من سلاحٍ إلى لبنان قد وصل، وهو على استعدادٍ للمواجهة. في المُقابل فقد أحرجَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإدارة الأميركيّة بحديثه العلنيّ عن الخلافات حولَ شحنات الذّخيرة الثّقيلة.
لم يعُد سرّاً أنّ الولايات المُتحدّة وإيران وحتّى الحزب لا يُريدون توسعة نطاق الحرب. لكنّ الجديد ما نقله موقع “أكسيوس” الأميركيّ أنّ مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن أنّ نتنياهو غير مُهتمّ بالحربِ مع الحزبِ ويُفضّل الحلّ الدّبلوماسيّ. كما كشفت مصادر دبلوماسيّة أميركيّة لـ”أساس” أنّ المبعوث الأميركيّ آموس هوكستين قد يعود لزيارة بيروت وتل أبيب في الفترة المُقبلة إذا ما نجحت اتصالاته بفتح ثغرة في الجدار الصّلبِ بين الحزبِ وإسرائيل، وذلك بعد أن يزور العاصمة الفرنسيّة باريس في الأسبوع الأول من شهر تموز.
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ مبعوث الرئيس الأميركي سيلتقي المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، لبحث الأوضاع على الحدود الجنوبية. وهناك فكرة أساسية يتم دراستها، تعتمد على دمج الورقتين الأميركية والفرنسية. وذلك أنّ فرنسا لا تستطيع التأثير على إسرائيل من دون أميركا. وأميركا لا تستيطيع التواصل مباشرة مع الحزب كما تفعل فرنسا.
في ظلّ هذين المشهديْن تبقى الحربُ بين احتماليْ الوقوع أو توقّفها. ما يرفع من عناصر احتمال توسّعها يبدأ بسيْل التصريحات الإسرائيليّة ومعها إعلان الحزب عدم الخروج من دوره الذي رسمه على صعيد “الإشغال والمُساندة”.
الطّرفان بهذا المعنى يقفان أمام حائطٍ مسدود مع ارتفاع ضجيج السّلاح على صوتِ السّياسة. الجوهر في ذلك هو كيفيّة وقف الحرب. “حماس” استجابت لمُبادرة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن، لكنّها اشترطت ضمان وقف الحربِ بشكلٍ نهائيّ بعد تبادل الأسرى في المرحلة الأولى.
أمّا إسرائيل فتتجنّب أيّ موقف واضح من إعلان نهاية الحرب، إلّا ما قاله وزير دفاعها يوآف غالانت من واشنطن أنّ الحكومة الإسرائيليّة مُوافقة على صفقة بايدن وما أقرّه مجلس الأمن الدّوليّ. لكنّ ما يجعل المشهد ضبابيّاً في تل أبيب هو تجنّب نتنياهو إعلان ذلك، على الرّغم من تراجعه عن تصريحاتٍ كانَ جوهرها أنّه يريد استئناف الحربِ بعد تبادل الأسرى.
كوابح إسرائيليّة
ما يزيد من لجم الحربِ أنّ كوابحها السّياسيّة والدّبلوماسيّة في إسرائيل صارَت مسموعة منذ أن خرج بيني غانتس وغادي آيزنكوت من مجلس الحرب المُصغّر، مع تجنّب نتنياهو تلبية مطلب وزير الأمن الدّاخلي إيتامار بن غفير بإدخاله إلى “كابينت الحرب”.
هذا يتقاطع مع التحذيراتٍ الغربيّة والعربيّة التي دَعَت مواطنيها إلى عدم زيارة لبنان أو مُغادرته بأقرب وقتٍ ممكن، مثل الولايات المُتحدة، وألمانيا ودولة الكويت، وغيرها.
جاءَ هذا بعد تصعيدٍ إيرانيّ قبل أيّام عن أنّه في حال شنّت إسرائيل حرباً على لبنان فإنّ إيران قد تدخل المعركة. احتمالات الحرب المُوسّعة في هذا المعنى تدنو أكثر فأكثر من حظوظ الانفجار. فحدّة الخطابات والتهديدات المُتبادلة بالإضافة إلى موفقة إسرائيل قبل أيّام على خطّة حربٍ في جنوب لبنان تزيدُ من حماوة التصعيد.
ذلك لم يكن عارياً أو مقطوع الصّلة عن طمأنة الإدارة الأميركيّة لإسرائيل بأنّ الرّئيس بايدن سيكون مُستعدّاً لدعم تل أبيب حال وقوع الحرب الشّاملة مع الحزب. هذا وإن كانَ قد يقع في إطار تجديد واشنطن دعمها الاستراتيجي لتل أبيب في مواجهة أيّ خطر يُهدّد أمن الكيان العبريّ. لكن أيضاً يُمكن تفسير هذا التّصريح بأنّه رسالة أميركيّة إلى إيران كي تكونَ عنصر مُساعدة في الحدّ من اندفاعة الحزب.
إذ تأتي هذه الأنباء متزامنة مع تصريحاتٍ أميركيّة رسمية عن ضرورة التّوصّل إلى حلّ دبلوماسيّ على الحدود الجنوبيّة للبنان. بعد لقاء وزير الدّفاع الإسرائيليّ بوزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن، نقلت الخارجيّة عن الضّيف الإسرائيلي تأكيده أنّ بلاده تُفضّل حلّاً دبلوماسيّاً في الشّمال وأنّ ذلك يصبّ في مصلحة كلّ الأطراف. كما جاءَ في بيان الخارجيّة أنّ الإدارة الأميركيّة لا تزال تعتقد أنّه من المُمكن التّوصّل إلى حلّ دبلوماسيّ مع الحزب.
أمّا وزارة الدّفاع “البنتاغون” والتي كانَت أكثر الدوائر الحكومية الأميركيّة تحمّساً للحربِ بعد السّابع من تشرين الأوّل الماضي، فقالت بعد لقاء غالانت ونظيره الأميركيّ لويد أوستن إنّ الدّبلوماسيّة هي الحلّ الوحيد لتجنّب صراعٍ في الشّرق الأوسط لا رابح فيه.
أمّا البيت الأبيض فقال إنّ الولايات المُتحدة لا تُريد أن ترى جبهة حربٍ جديدة بين لبنان وإسرائيل، وأنّ الحرب لا تصبّ في مصلحة أيّ طرف. وذكَر البيت الأبيض في البيان الذي صدَرَ بعد لقاء غالانت ومُستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان أنّهما بحثا “تغيير الوضع الأمني” على الحدود مع لبنان، لكنّها بحثا العمل من أجل الحؤول دون اندلاع جبهة حربٍ ثانية.
وقف الذّخائر لمنع الحرب؟
أساس الخِلاف المُستجدّ بين نتنياهو وبايدن ظاهره صفقة الذّخائر الثقيلة التي عّلقت الإدارة الأميركيّة تسليمها لإسرائيل. لكنّ عمقه هو محاولة منع أيّ توسّع للحرب لتشمل لبنان. وهذا ما أكدته “القناة 12” الإسرائيليّة التي قالت إنّ إدارة بايدن قلقة من استغلال نتنياهو شحنات الأسلحة الإضافية لفتح جبهة مع لبنان. وقالت القناة العبريّة إنّ الإدارة الأميركيّة أوصلت “رسالة غاضبة” تقول إنّ الأسلحة المُعلّقة لن تُسلّم بالكامل حتّى بعد انتهاء معركة رفح.
هذا يعني أنّ غالانت لم يستطع أن يحلّ أزمة الذّخائر العالقة مع واشنطن، لكنّه كانَ واضحاً بالتزامه، ومن خلفه الجيش الإسرائيليّ، بصفقة بايدن ومحاولة الحلّ الدّبلوماسيّ مع لبنان. ذلك أنّ تهديد غالانت “بإرجاع لبنان إلى العصر الحجريّ” كان مُقيّداً بعبارة “لكنّنا لا نُفضّل الحرب”.
المصدر: أساس ميديا