يبدو أن حلقات مسلسل التطبيع التركي مع النظام السوري لم تنته، فبعد انقطاع المسلسل عن المشاهدين لفترة زمنية، نشهد عودة هذا المسلسل من جديد على الساحة الإقليمية بذات الممثلين مع اختلاف بعض الأدوار والشخصيات، ولهذا نسمع أخبارا هنا، وهناك عن تقارب تركي سوري واقتراب موعد التطبيع وانتهاء الأزمة السورية بعد سنوات طويلة من الصراعات والقتال والتهجير.
البداية كانت من بغداد عندما صرح رئيس الوزراء العراقي السوداني عن دور عراقي للوساطة بين تركيا والنظام السوري، ومن ثم سمعنا عن اجتماعات أمنية بين الجانب التركي والسوري، طبعا يجب ألا ننسى أن هذه الخطوات أتت بعد التقارب التركي العراقي وزيارة الرئيس أردوغان للعراق التي كان هدفها الأساسي هو مكافحة الإرهاب، وتزامنت كل هذه الأحداث مع نية قوات قسد إجراء انتخابات محلية شمال شرقي سوريا، لإضفاء الشرعية على نفسها إقليميا ودوليا، ومن كل هذا نفهم أن الرغبة التركية للتواصل مع النظام في دمشق هدفها مكافحة الإرهاب وحفظ وحدة التراب السوري، وليس القبول بسياسة الأمر الواقع والقبول بالأسد، أي نستطيع أن نقول إنَّ الخطوة التركية هي عبارة عن مناورة تركية لضرب الخطة الأميركية لتقسيم سوريا عبر قوات سوريا الديمقراطية، وأن الموضوع ليس له علاقة بإدلب، وليس مقدمة لتسليم الشمال السوري للنظام كما يظن بعض المحللين والخبراء.
هل ستنسحب تركيا من سوريا؟
في تقديري تركيا لن تنسحب من سوريا إلا بحالة واحد فقط، وهي” تحقيق الاستقرار السياسي في سوريا”، تحقيق الاستقرار السياسي في سوريا يتطلب تشكيل حكومة سورية من طرفي المعارضة والنظام وكتابة دستور سوري جديد يمثل كل السوريين، ومن ثم إجراء انتخابات حرة نزيهة تحت رعاية الأمم المتحدة لكي ننتقل إلى المرحلة الثانية المتمثلة بتخطيط إعادة الإعمار، ومن ثم عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا بعد توفر شروط الحياة الأساسية بالإضافة إلى انتهاء كل المخاوف والملاحقات الأمنية العسكرية والقضائية لأبناء الشعب السوري، وهذه العملية تتطلب تضافر جهود الدول الإقليمية والدول العظمى كالولايات المتحدة وروسيا، ويتطلب أيضا أمرا مهما جدا، وهو خروج إيران من المعادلة السورية، وبسبب أن مهمة الوساطة صعبة ومعقدة جدا لم تستطع روسيا النجاح بهذه المهمة سابقا فكيف سينجح العراق بها؟ ولهذا أعتقد أن تصريحات رئيس الوزراء العراقي، وكل الأخبار التي نسمع بها هي حول التطبيع الأمني بين تركيا وسوريا، وليس التطبيع السياسي الشامل الذي سيسفر عن مصالحة بين الحكومة التركية والنظام السوري وانسحاب تركيا من سوريا، الملف السوري بالنسبة إلى تركيا هو أبعد، وأعمق من ذلك، هو موضوع أمن قومي يمس تركيا مباشرة، كما قال رئيس وزراء تركيا السابق نجم الدين أربكان “إذا أصبحت سوريا قضية يوما من الأيام فاعلموا أن الهدف هو تركيا”، وهذه المقولة تعبر عن خطورة الوضع الذي يجهله بعض المراقبين والخبراء.
أعتقد ما نشهده من خطوات يقال عنها خطوات التطبيع هي ليست بالجديدة، فإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، سنرى ذات الخطوات حيث كان هناك وساطة روسية فاشلة بين تركيا والنظام السوري، وشهدنا أيضا لقاءات تركية أمنية مع النظام، وشهدنا انتخابات محلية في مواقع سيطرة قسد، أي أنه لا يوجد أي تغيير في المشهد، وإيران لا تزال تتغلغل في سوريا ولا يستطيع النظام أن يستبعد الإيراني، بسبب الدعم الإيراني الاقتصادي والأمني للنظام على مدار سنوات طويلة.
متاهة معقدة
النظام سلم كل شيء في سوريا فوق الأرض، وتحت الأرض للجانب الإيراني مقابل حمايته وعدم سقوطه، ولا أعتقد أن النظام السوري يستطيع وفاء ديونه للجانب الإيراني أو استبدال إيران ببعض الدول العربية، إيران تغلغلت بالنظام السوري كالسرطان، وإذا أردنا اجتثاث إيران من سوريا يجب اجتثاث النظام معه لأن الاثنين أصبحوا واحد، وطبعا إيران لن تقوم بأي خطوة تريح الجانب التركي، بل على العكس ستقوم بكل شيء يضر بتركيا ويخفف الهيمنة التركية في المنطقة، وهذا واضح جدا من السلوك الإيراني مؤخرا المتمثل بإرسال طائرات درون بشكل غير مباشر لحزب العمال الكردستاني شمالي العراق قبيل العملية العسكرية التركية هناك، ومعارضة إنشاء ممر زنغازورو الذي سيربط تركيا بالدول التركية مرورا بأذربيجان وأرمينيا، من كل هذه الإشارات نفهم أن إيران ستحاول تخريب أي محاولة تركية لاستقرار سوريا، لأن إيران تغلغلت بالفوضى، وأي استقرار سيضرب المصالح الإيرانية بالمنطقة.
متاهة التطبيع التركي السوري متاهة معقدة جدا، لأنها متاهة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية على الأرضي السورية، ومن شدة صعوبة المتاهة يضيع من يدخل إليها، ويحاول جاهدا الخروج منها سالما كما تفكر الآن الولايات المتحدة بالخروج من سوريا كما خرجت من أفغانستان، لذلك دول إقليمية كالعراق لن تستطيع أن تحل لغز هذه المتاهة، وسيكون له شرف المحاولة فقط، ولا سيما بعد الأحداث الأخيرة في غزة، لن تقبل إسرائيل حل الأزمة السورية من دون الحصول على ضمانات لحماية أمنها القومي من الجانب السوري كما فعل النظام السوري خلال فترة حكمه.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
مسلسل التطبيع التركي السوري يعود للواجهة من جديد، فهل هناك مستجدات؟ أم إن البروباغندا التي مارسها طاغية الشام بإعادة الهيكلة للأجهزة الأمنية والجيش والحزب و… غيرت سلوكه؟ نظام طاغية الشام لا يمكنه أن يلبي متطلبات الأمن القومي التركي، وكذلك تركيا لا يمكنها أن تلبي متطلبات نظام دمشق المتقارب مع نظام الملالي بطهران، فأي تقارب يتحدثون.