أزمةُ الوقت بينَ مَشروع (الكُلِّيَّة الحضاريَّة)، و(المَوجة النَّهضويَّة العربيَّة الثَّالثة)، وإشهار مصطلَح/ مَفهوم: (العَقل النَّقليّ المَقلوب/ المُزدوَج):

مازن أكثم سليمان

* إثرَ نشر مادَّتي البَحثيَّة (نحْوَ مَوجة نهضويَّة عربيَّة ثالثة _ مُقارَبة فكريَّة جديدة لمُصطلَحَي الأَسلَمة وما بعدَها)، والمَنشورة بتاريخ 11/ 8/ 2023 في موقع الجُمهوريَّة، والتي كانتْ إحدى حلقات عمَلي على مشروع كتاب (الكُلِّيَّة الحضاريَّة)، ورَدتني انتقاداتٌ مُفيدةٌ عدَّة، وتساؤلاتٌ جادَّةٌ، وحواراتٌ غنيَّة، دفعتنِي إلى إشهار مُصطلَحي الجديد (الذي كنتُ أُرجئُ إشهارَهُ من قبل): (العقلُ النَّقديّ الزَّائِف: العقلُ النَّقليّ المَقلوب/ المُزدوَج) في مَنشورٍ، هُنا، على صفحتي هذهِ، وذلكَ للارتباط العُضويّ بينَ مَضامين مادَّة المَوجة النَّهضويَّة الثَّالثة، والمَفهوم الذي آمل أنْ ينطوي عليهِ مُصطلَح (العقلُ النَّقليّ المَقلوب/ المُزدوَج)..

* ثُمَّ.. وجدتُ أنَّ كُلّ ذلكَ يفرضُ عليَّ كتابةَ مادَّة جديدة ومُوسَّعة تُناقِشُ تلكَ الانتقادات والتَّساؤلات بعنايةٍ، وتُحاوِرُها برويَّةٍ، وتتظرَّقُ، بطبيعةِ الحال، إلى صلَةِ المَوجتيْن النَّهضويتيْن العربيتيْن الأُولى والثَّانية بمَفهومي المَطروح عنِ العقل النَّقليّ المَقلوب/ المُزدوَج، ولماذا اقترحتُ توسيعاً مَفهوميَّاً لدلالة مُصطلَح (الأَسلَمة) خارِجَ الدَّلالةِ المُتعارَفِ عليها (وهذا كانَ أحد أهمّ الانتقادات/ التَّساؤلات المُوجَّهة إلى مادَّتي)..

* إلى حين نشر مادَّتي القادمة، والتي ما زالتْ تصطدِمُ كالعادة بمُشكلتِي الكُبرى المُتعلِّقة بعامِل الوقت، وضُغوط العمَل والالتزامات، أُثبِّتُ، هُنا، مَنشوري السَّابق عنِ (العقل النَّقليّ المَقلوب/ المُزدوَج)، ويليهِ رابط مَقالتي البَحثيَّة (نحْوَ موجة نهضويَّة عربيَّة ثالثة)، وقد أعادَ موقعُ (مُلتقى العُروبيِّين) نشرَها نقلاً عن (موقع الجمهوريَّة)..

* مُرحِّباً من جديد بأيَّة آراء جديدة، أو انتقادات جادَّة، وحوارات تُضيفُ شيئاً في تحضيري للمادَّة الآتية إنْ بخُصوص المَوجة النَّهضويَّة الثَّالثة، أو بخُصوص اقتراح مَفهوم العقل النَّقليّ المَقلوب…

_ منشوري المُشار إليه:

إشهارُ مُصطلحٍ جديدٍ، بمَفهومٍ جديدٍ (مشروعُ مقالةٍ قادمة):

(العقلُ النَّقديّ الزَّائف: العقلُ النَّقليّ المَقلوب/ أو: العقلُ النَّقليّ المُزدوَج):

_ يُسيءُ الكثيرونَ فَهْمَِ مُنطلقاتي المَعرفيَّة في النَّقد والفكر الفلسفيّ والسِّياسيّ السُّوريّ والعربيّ تحديداً..

_ من ذلكَ: عدم فهم فكرتي عن مُصطلَح ( الأسلَمة) التي قدَّمتُها في مادَّتي عن (الموجة النَّهضويَّة العربيَّة الثَّالثة) المَنشورة منذ فترة قصيرة في (موقع الجُمهوريَّة)، فقد جعلتُ دلالات هذا المُصطلَح الخطابيَّة المَفهوميَّة غيرَ مُقتصِرَة ومحصورة، فقط، في الإسلام السِّياسيّ، وحدَه، ولتطويَ معها (أي تلكَ الدَّلالات المَفهوميَّة) التَّيَّارات العربيَّة الأيديولجيَّة في القرن العشرين التي دُعيَتْ (تقدُّميَّة وعلمانيَّة) من قوميَّة ويساريَّة وحتَّى ليبراليَّة، والتي رأيتُ أنَّها (أُصوليَّات شُموليَّة مَقلوبة) في مُعظم خطاباتِها وسُلوكيَّاتِها؛ أي إنَّها لا تخرجُ عن كونِها (جوهرانيَّات مَركزيَّة)، طبعاً باعتماد (نسبيَّة) مَفهوم (القيمة المُهيمِنة)، لا عبرَ التَّعميم المَذموم..

_ والسَّبب يكمنُ في تحليل خطاباتِها القائِمَة على (لوغوس) التَّحكُّم الميتافيزيقيّ/ أو: لوغوس إخضاع الوُجود لمُسَبَّقاتِ الأيديولوجيَّات الشُّموليَّة والأُحاديَّة/ اليقينيَّة والقائمَة على (منطق الثَّنائيَّات التَّناحُريَّة) وعلى منطق (التَّطابُق الجوهرانيّ وامتلاك الحقيقة)، لا الاختلاف والتَّعدُّديَّة والانفتاح على التَّجربة والإبداع والمَجهول..

_ لهذا: يلتبسُ الأمرُ على الكثيرين، فيظنُّونَ، خطأً، أنَّني أُدافِعُ عن (الأسلَمة الأيديولوجيَّة)، في حين تبقى مُنطلقاتي ناهِضَة على الدِّفاع عن منطق الحُرِّيَّة والاختلاف والثَّقافة بمَعانيهِم الواسِعة، لا المُصادَرَة أيديولوجيَّاً، وعلى فهم الرَّأسمال الحضاريّ الرَّمزيّ بمَعناه الواسِع، لا بدلالاتِهِ الأيديولوجيَّة (الجوهرانيَّة والمَركزيَّة التَّطابُقيَّة) المرحليَّة الضَّيِّقة والمُتعالية والنِّهائيَّة.

_ بناءً على ذلكَ: أودُّ إيضاحَ فكرةٍ مُؤسِّسَةٍ عندي، كانتْ مُنطلَقاً لي في تحليلات وقراءات كثيرة، وكنتُ أُضمِرُ تركَ الحديثَ التَّفصيليّ عنها إلى سِياقٍ آخَر، لكنْ: وما دُمنا الآن في صلب حراك مُجتمعيّ مصيريّ ومفصليّ كبير، أرى أنَّ من واجبي الفكريّ طرح (اقتراحي المَفهوميّ الخاصّ هذا):.

_ لطالَما تحدَّثَ/ وانتقدَ المُفكِّرون العرب (العقل النَّقليّ) بوصفِهِ أحد سِمات العقل العربيّ المُتهافِت، ولا سيما في بُعدِهِ الدِّينيّ/ السَّلَفيّ والمُحافِظ.

وتغنَّى هؤلاء المُفكِّرون بِـ: (العقل النَّقديّ) الذي يفتَحُ طريقَ مُجاوَزة العقل النَّقليّ (المُتخلِّف والغارق في الفوات الحضاريّ) نحْوَ الالتحاق بالعصر والتَّقدُّم وقيَم الحُرِّيَّة والتَّعدُّديَّة وولادة الفرديَّة.

_ لكنْ، للأسف: لم تكُنْ مُعظَم (المُهيمِنات النِّسبيَّة) لطُروحات (العقل العربيّ النَّقديّ) سوى طُروحات لِـ (عقل نقديّ زائف)، لا لِـ (عقل نقديّ أصيل)، ذلكَ أنَّهُ تمَّ استبدال بِـ (مطابَقات النَّقل التُّراثيّ): (مُطابَقات النَّقل الحداثيّ الغربيّ/ نقل مَقلوب)، كأنَّها، مقولات وأفكار (مُنزَلة) و(مُقدَّسة) و(ثابتة)..

_ نسبة لا بأسَ بها من الطُّروحات الفكريَّة العربيَّة (النَّقديَّة) تفتقد للأصالة، فمَا سمِّيَ (الفكر النَّقديّ) سعى في أغلبِهِ إلى (مُطابَقة فكر الآخَر)، واستيرادِهِ بحذافيرِهِ، وإسقاطِهِ أوتوماتيكيَّاً، وكمَا هوَ، على إشكاليَّاتِنا العربيَّة سياسيَّاً واجتماعيَّاً واقتصاديَّاً وفكريَّاً..

… وأنا، هُنا، لستُ ضدَّ التَّفاعُل الثَّقافيّ، ولا ضدّ الاستفادة من مُنجزات البشر في كُلِّ مكانٍ، لكنَّني ضدّ غياب أصالة الفكر العربيّ النَّابع من ذاتٍ ندِّيَّة واثِقة من نفسِها، لا من ذاتٍ هشَّةٍ تشعرُ بالدُّونيَّة وعقدة النَّقص الحضاريّ النَّرجسيَّة، وتستبدلُ بنقلٍ قديمٍ (تمركُز دفاعيّ على الماضي)، نقلاً حديثاً (تمركُز دفاعيّ على الحاضِر الآخَر)، ظنَّاً منها أنَّهُ (طريقُ/ أو: وصفةُ) الخلاصِ الوحيدة والحاسِمَة..

_ يتَّسِمُ (العقل العربيّ النَّقديّ الزَّائف)، أو: (العقل النَّقليّ المَقلوب/ المُزدوَج)، بمُستوييْن نفسييْن نقلييْن (مُزدوَجيْن)، يستحقَّان التَّفكيك الخطابيّ والأُنطولوجيّ/ النَّفسيّ، هُما:

1_ اللّاشعور/ أو اللّاوعي النَّقليّ التَّقليديّ (نسَق مُضمَر):

وهوَ ينطوي على رواسبَ بِنيويَّة مُتعلِّقة بالانتماء الجمعيّ إلى العقل النَّقليّ العربيّ التُّراثيّ: (هُوِيَّة لا شُعوريَّة مَوروثة)..

… ورُبَّما كانَ هذا الكلام هوَ تفسيرٌ جادّ وطَموح لدوافع ما دُعيَ بـِ (نكوص) عددٍ كبيرٍ من العلمانيِّين والتَّقدُّميِّين إلى انتماءاتِهِم الدِّينيَّة والطَّائفيَّة والإثنيَّة المُغلَقَة.

2_ الشُّعور/ أو الوعي النَّقليّ الحديث (نسَق ظاهر):

وهوَ ينطوي على غلافٍ من (الوعي الزَّائف) القائِم على (عقلٍ نقليٍّ مَقلوبٍ) يتدثَّرُ برداءِ الحداثة والعلميَّة والحُرِّيَّة، وعلى مُطابَقات (دونيَّة) لمُنجَزات الآخرين (لنتذكَّر هُنا كلام ابن خلدون عن تقليد الأُمم المهزومة للأُمم المُتقدِّمة)، وهذا العقل ينهضُ على (هُوِيَّة شُعوريَّة مُكتسَبَة).

_ السُّؤال الضَّروريّ، الآن، وقد حاولتُ أنْ أضَعَ بعضَ ملامحهِ في مادَّتي المذكورة (نحْوَ موجة نهضويَّة عربيَّة ثالثة):

_ كيفَ نخلقُ (عقلاً نقديَّاً عربيَّاً أصيلاً) ونابعاً من روحٍ إبداعيَّةٍ ومُخيِّلَةٍ غنيَّةٍ تخرجُ من منطق ثُنائيَّة (العقل النَّقليّ القديم)، و(العقل النَّقليّ الحديث/ المَقلوب والمُزدوَج)..؟!!.

محبَّتي للجميع..

======

المصدر: صفحة مازن أكثم سليمان

زر الذهاب إلى الأعلى