لدى طهران تاريخ في زيادة انتهاكاتها النووية بعد التوبيخ العلني. وفي البيئة الحالية، قد يكون لهذا التصعيد تداعيات إقليمية تمتد إلى دول المنطقة.
في الخامس من حزيران/يونيو، صوت “مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، خلف أبواب مغلقة، بأغلبية ساحقة على مطالبة إيران باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المخاوف المتعلقة بنشاطها النووي والتعاون بشكل كامل مع طلبات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. وقد اقترحت بريطانيا وفرنسا وألمانيا هذا القرار، إلا أن التصويت بأغلبية 20 صوتاً مقابل صوتين، يمكن القول بأنه قد تم تقويضه بسبب معارضة روسيا والصين له، وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت بنعم حتى اللحظة الأخيرة، وامتناع اثني عشر عضواً عن التصويت. وكانت واشنطن قد هددت في البداية بالامتناع عن التصويت أيضاً، مفضلةً بدلاً من ذلك بأن تصدر الوكالة تقريراً شاملاً عن الأنشطة النووية الإيرانية، إلّا أن هذه الوثيقة لن تكون جاهزة إلا بعد الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر.
ومن نواحٍ متعددة، تعتبر خطوة مجلس الإدارة مخاطرة غير مضمونة. فقد دفعت قرارات الإدانة السابقة الصادرة عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” طهران إلى الانتقام بدلاً من التعاون، على النحو التالي:
بعد قرار الإدانة الصادر في حزيران/يونيو 2022، أزالت المنشآت النووية الإيرانية بعض كاميرات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ومعدات المراقبة الأخرى.
بعد قرار الإدانة الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بدأت إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، وهي نسبة لا تقل من الناحية الفنية بكثير عن الـ 90 في المائة اللازمة لصنع سلاح نووي (للمزيد من المعلومات حول هذه المصطلحات، راجع الرسم البياني لمعهد واشنطن أو قائمة المصطلحات النووية الإيرانية المرتبطة به).
وبالمثل، عندما زار المدير العام “للوكالة الدولية للطاقة الذرية”، رافائيل غروسي، إيران في آذار/مارس 2023 وعقد اتفاقيات لحل هذه الخلافات وغيرها، أخلّت طهران بالتزاماتها، ثم صعدت الوضع بعد بضعة أشهر من خلال حظر دخول بعض مفتشي الوكالة الأكثر خبرة. وزار غروسي (إيران) مجدداً الشهر الماضي لكنه عاد إلى مقره في فيينا محبطاً على ما يبدو من نتائج المحادثات وعناد طهران طويل الأمد. وفي مقابلة أجراها مع مجلة “إيكونوميست” بعد وقت قصير من رحلته، ذكر أن الاتفاق النووي لعام 2015 أصبح الآن “قشرة فارغة”. وفي الواقع، زاد نشاط التخصيب كما زادت الانتهاكات الإيرانية الأخرى بشكل كبير في السنوات التي تلت انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق في عام 2018 وفشل المفاوضات مع إدارة بايدن.
سيكون لانضمام إيران إلى نادي الأسلحة النووية عواقب بعيدة المدى أكثر من قفزة كوريا الشمالية قبل عقدين من الزمن. ووفقاً لغروسي: “الشرق الأوسط مختلف تماماً. هنا، قد يكون لديك وضع من شأنه أن يؤدي إلى قيام المزيد من البلدان، إن لم تكن تسعى علناً للحصول على أسلحة نووية، بمحاولة الحصول على فترة انتقالية ومحاولة الاقتراب منها لأنها ستشعر بأن نظام [ضمانات «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»] آخذ في الفشل”. ورداً على سؤال حول احتمال قيام الولايات المتحدة بالتوصل إلى اتفاق نووي مدني مع المملكة العربية السعودية، التي صرح قائدها الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مراراً وتكراراً أنه سيسعى للحصول على قنبلة نووية إذا طوّرت إيران قنبلة كهذه، قال غروسي إنه ينوي “العمل بشكل وثيق جداً” مع المملكة. لكنه أعرب بعد ذلك عن المزيد من المخاوف بشأن الانتشار النووي، قائلاً: “للأسف، ما نراه هو توجه، وجاذبية متزايدة، ولدى الأسلحة النووية قدرة على الإغراء. لا يمكننا أن ننكر ذلك. إنه أمر مؤسف للغاية”.
إن كيفية رد طهران على قرار الإدانة الجديد الصادر عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” هي مجرد تخمين، لكن ردها شبه مؤكد. ففي شهر آذار/مارس، أشار مسؤولو المخابرات الأمريكية إلى عدم وجود دليل على أن إيران تحاول حالياً استخدام اليورانيوم الخاص بها كسلاح، لكن الكثير من المراقبين يشككون في هذا التقييم، كما يتضح من التقارير المتكررة التي تفيد بأن إيران لن تحتاج سوى إلى بضعة أيام لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لسلاح واحد أو أكثر. وهناك دائماً احتمال بأن يجري النظام نوعاً من الاختبار النووي، لكن المرشد الأعلى علي خامنئي يبدو حذراً للغاية بشأن اتخاذ مثل هذه الخطوة. وقد يتأخر رد إيران أيضاً بسبب حادث تحطم المروحية الأخير الذي أودى بحياة رئيسها ووزير خارجيتها وكثف الاستعدادات لإجراء انتخابات طارئة.
ومن جانبهم، بإمكان المسؤولين الأوروبيين أن يقرروا إصدار تحذير آخر لطهران من خلال التهديد بـ”إعادة فرض” العقوبات الدولية التي تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. ولكن لا يبدو أن هذا الإجراء محتمل قبل عام 2025، عندما من المقرر رسمياً أن ينتهي بند إعادة فرض العقوبات بموجب شروط الاتفاق. ومع ترقب الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر، والانتخابات البريطانية في تموز/يوليو، والانتخابات البرلمانية الفرنسية التي أُعلن عنها للتو في وقت لاحق من هذا الشهر، ربما يكون هناك الكثير من المعطيات المعقدة والمتغيرة التي قد تؤثر على أي متابعة غربية جريئة لقرار الإدانة في عام 2024.
سايمون هندرسون هو “زميل بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
لماذا يتجاهل نظام ملالي طهران قرارات “مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حول برنامجها النووي؟ القرار الأخير المقدم من المانيا وفرنسا وبريطانيا يعتبر مخاطرة غير مضمونة. لأن قرارات الإدانة السابقة الصادرة لطهران أدت للانتقام بدلاً من التعاون، هل لأنها تملك التغطية الكافية من الإدارة الأمريكية بالإضافة لروسيا والصين؟.