عشية انسحاب “المعسكر الرسمي” من الحكومة، أخذ نتنياهو غانتس إلى حديث. لماذا تنسحبون، تساءل. لقد فعلت كل ما أردتم. أردتم خطة لليوم التالي في غزة؟ أقررت مشروعاً تجريبياً لإدارة ذاتية بقرية في غزة؛ وأردتم صفقة لتحرير المخطوفين؟ وافقت على منحى لصفقة مخطوفين؛ أردتم معالجة الوضع في “يهودا والسامرة”؟ قلت فليعالج الوضع في “يهودا والسامرة”؛ وأردتم قانون تجنيد جديد؟ قلت حسناً، تعالوا نتحدث عن قانون تجنيد جديد.
ظاهراً، كان ينبغي لغانتس أن يقول له كل الاحترام لك، سيدي رئيس الوزراء، كلمتك كلمة، سنبقى في حكومتك إلى الأبد. لكن غانتس يعرف الحقائق؛ فخطة اليوم التالي هي مشروع تجريبي وافق نتنياهو على فعله في العطاطرة، قرية صغيرة، عملياً حي في الطرف الشمالي من القطاع، أمام الحدود الشمالية و”نتيف هعسرا”. ليست هذه هي الخطة التي ستسقط حكم حماس وتعطي لغزة مستقبلاً في اليوم التالي.
منحى تحرير المخطوفين أقره بالفعل كابنت الطوارئ، ونال تأييد كل أعضاء الكابنت، بما في ذلك نتنياهو. لكن في اللحظة التي نشر بايدن المنحى، تراجع عنه نتنياهو. أخافه الوضوح؛ وأخافاه سموتريتش وبن غفير. في الأسبوعين الأخيرين، توجه غانتس بضع مرات إلى نتنياهو وطالبه بطرح منحى على التصويت في الكابنت الموسع، المخوف. رفض نتنياهو، بل وأعرب عن صدمته من الفكرة.
الضفة الغربية برميل مادة متفجرة توشك على الانفجار. تبدأ المشكلة بالوضع الاقتصادي: الحكومة تمنع العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل؛ وسموتريتش يوقف تحويل أموال الضرائب للفلسطينيين التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة. هذان مصدران أساسيان لمداخيل السكان في الضفة. وبالتوازي، يتعاظم أعمال عنف فتيان اليمين في المناطق الفلسطينية. بن غفير وسموتريتش، كل في مجال مسؤوليته، يعطيان العنف إسناداً. يضيف بن غفير نصيبه في تصريحات تحريضية في موضوع الحرم. الضائقة الاقتصادية والعنف والإرهاب، أدوات في تحقيق رؤية الوزيرين الكهانيين، ورؤية الطرد. رغم إخطارات الجيش و”الشاباك”، لا يتدخل نتنياهو.
أما قانون التجنيد فلا مشكلة في الحديث عنه، لكن ما دام نتنياهو رئيس وزراء فلا تجنيد. الحلف مع الأحزاب الحريدية والشارع الحريدي، هو سترته الواقية.
فهل ظن نتنياهو أن يشتري غانتس هذه القصص؟ مشكوك جداً. لكن يخيل أنه لم يعد يهمه إذا كانوا يصدقونه أم لا. فهو يعيش بفقاعة تحكمية ومنقطعة ومنغلقة الحس. غانتس وآيزنكوت لا يتميزان على نحو خاص كسياسيين –مقارنة بنتنياهو – لكنهما ليسا تهكميين. ليس بعد. ربما أخطآ بانضمامهما إلى الحكومة في بداية الحرب؛ بالتأكيد أخطآ عندما لم ينسحبا قبل شهرين – ثلاثة أشهر، عندما فقدت الحرب زخمها وأحبط نتنياهو استمرار تحرير المخطوفين. أحد أسباب انسحابهما الآن هو صعوبة التسليم بالكيان الكاذب الذي فرضه عليهما رئيس الوزراء.
سبق الانسحاب الكثير من وجع البطن. ثمة تفسيرات مختلفة حول من أوجعه بطنه أكثر، غانتس أم آيزنكوت، لكن ليس هذا هو الأساس؛ فقد قيض على نتنياهو الحسم بين ميلين متعاكسين: واحد مع استمرار القتال في القطاع وفي الشمال، بما يسمى “النصر المطلق” واستمرار الحلف مع سموتريتش وبن غفير؛ والآخر مع وقف القتال في غزة لأربعة أشهر على الأقل، وتحرير المخطوفين، واحتمال التوصل لتسوية في الحدود اللبنانية، وحلف إقليمي ضد إيران بقيادة أمريكا، واحتمال للتطبيع مع السعودية، وترميم علاقات إسرائيل الخارجية. لكن نتنياهو حسم لصالح الخيار الأول.
شرح نتنياهو للوزراء بأنه تلميذ أبيه الذي كان تلميذ جابوتنسكي الذي آمن بوجوب استخدام “عقيدة الضغط” تجاه الحكومة البريطانية. وسيستخدم عقيدة الضغط تجاه الولايات المتحدة. أما الوزراء فقد ابتلعوا الابتسامة.
لم يجتهد نتنياهو لإبقاء الوزيرين في حكومته: في البداية استخف بالإنذار؛ وفي النهاية حث غانتس بنصف فم. لعله افترض عن حق بأن الموضوع ضائع.
سيواسي وزراء “المعسكر الرسمي” أنفسهم بالفعل الأول وبالفعل الأخير لولايتهم. كان الأول في 11 أكتوبر حين منعوا إقرار الخطة التي أيدها غالانت والجيش لفتح خطوة عسكرية مبادر إليها، بعيدة الأثر، في لبنان. وضغطت الإدارة الأمريكية في الاتجاه إياه، وهكذا فعلت أيضاً محافل في جهاز الأمن. فقد التقوا في ذاك الوقت بنتنياهو آخر: مفزوع من كارثة 7 أكتوبر، مكتئب، مشلول.
وكان الفعل الأخير قرار كابنت الطوارئ حول تبني منحى متطور لصفقة مخطوفين. سارع كل من عائلات المخطوفين وغانتس وآيزنكوت، لتسمية المنحى باسم نتنياهو. شوشت المناورة البيبيين لبضعة أيام: هل نتنياهو مع المنحى أم ضده؟
الانسحاب سيصعّب الحوار بين نتنياهو وحكومات أجنبية، خصوصاً مع الإدارة الأمريكية. لقد فقدَ ورقة التوت. وسيضع سموتريتش وبن غفير في الاختبار: فهما فقدا أوراق التوت أيضاً. ويبقي غالانت ورئيس الأركان وحدهما، أمام حكومة لا تعرف مسؤوليتها. إن توجه غانتس لغالانت في خطاب الانسحاب كان دعوة علنية للانضمام إلى المنسحبين. لست متأكداً بأن غالانت فرح للثناء الذي أغدقه غانتس عليه.
سيواصل الجيش القيام بعمله، لكن الشروخ التي بدأت تظهر في قوات الاحتياط، وفي الجيش، ستتسع. حكومة “اليمين بالكامل” تجدد أيامها. والتمرد ضدها يتجدد أيضاً، مع صراخ العائلات فوق رأسه.
المصدر: يديعوت أحرونوت /القدس العربي
إن إنسحاب “المعسكر الرسمي” الممثل بغانتس وآيزنكوت من الحكومة هو تلبية طلباتهم من قبل نتنياهو بالخداع والتسويف أولاً وإنجرار نتنياهو لسياسة اليمين المتطرف ل، بن غفير وسموتريتش ، ليفقد كل إمكانيات التوصل لإتفاقات مع الآخرين لأنه تلميذ أبيه الذي كان تلميذ جابوتنسكي الذي آمن بوجوب استخدام “عقيدة الضغط” .