للأسف الشديد تأكد لي ان صاحب هذه الفكرة يعيش في البرج العاجي وأصبح يطرح مواضيع وافكار اشكالية جدا. ففي الندوة الاخيرة حول سبل الخروج من ازمة النخب التي اقامتها ندوة وطن وشاركت فيها بمداخلة وتعليق سمعت كلاما غريبا منه. لأنه يقول انه لا توجد نخب سورية وانما يجب تصنيعها وانه لا يوجد شعب وان الشعب الموجود “معفن” والمجتمع “معفن” وأكدت في مداخلتي في تلك الندوة بان النخب موجودة ولكنها تعيش ازمة وهناك نخب مختلفة فمنهم الشرفاء والملتزمين الذين أصبحوا خارج المشهد السياسي الرسمي وكثير منهم يعمل بطرق مختلفة وضمن اطارات مختلفة من اجل الثورة.. وهناك المتسلقين الذين تصدروا المشهد وباعوا الثورة. وهناك من يدعي انه مع الثورة ولكن طروحاته تتناقض تماما مع فكرة تغيير النظام السياسي القائم. وهنا نعود لفكرة “تصنيع نخب سياسية” والتي تتوافق مع ما يطرحه بعض القائمين على ندوة وطن ويرون فيها “مطبخا للأفكار والتنوير” وما على السوريين إلا أن يأخذوا هذه الافكار ويطبقوها. وإذا اخذنا بفكرة تصنيع النخب فهذا يعني اننا يجب ان ننتظر 50 سنة حتى نبني نخب سياسية سورية جديدة. ومن يبنيها؟ فلماذا لم يساهموا في بناء النخب من زمان ما داموا يعتبرون أنفسهم مفكرين ومنظرين ومعارضين. وانا استنتج من كلام هؤلاء الأخوة بان بقاء نظام الاسد امر واقع ولا مفر منه، ريثما نجهز نخبة جديدة تقود المرحلة القادمة وقد يكون علينا الانتظار حتى يحكم سوريا حافظ الاسد العاشر مثلا. وإلا كيف ننظر لمن قال: لا يوجد شيء يجمعنا كسوريين! وانا اتساءل هل الثورة السورية حقيقة واقعة ام كانت وهم؟ ألم تقدم هذه الثورة بحلوها ومرها تضحيات هائلة والم تكن في بدايتها وطنية وشعبية حقيقية وكيف خرجت الملايين الى الشوارع ان لم يكن هناك شيء يجمعها؟ فلماذا نسود التاريخ القديم والمعاصر كله وهل تاريخ سوريا كله كان صراع طوائف واديان وقوميات؟ اليس هذا كذبا وتشويها لتاريخ سوريا. باختصار ارى ان من يسمون انفسهم “مفكرين ومنظرين ومطبخ الافكار” ينشرون الوهم واليأس والاحباط في اوساط الناس ولا اعرف من سيخدم هذا التوجه ، وارى ايضا أن الخلل موجود في عقول بعض النخب والاوهام والتشوهات الفكرية المقصودة وغير المقصودة ولكنهم يريدون اسقاطها على الواقع وتصوير الحياة في سوريا على ان السوريين جاهزين لقتل بعضهم وهذا تجني على مشاعر الناس البسطاء الذين منهم المسلم المتدين والمسيحي المؤمن والكردي والعلوي وغيرهم كل واحد بحاله، ولكنهم كانوا متعايشين ومتسامحين مع اختلاف في العقائد والثقافات احيانا، والذي زرع النعرة الطائفية والقومية والمجتمعية هم اولا المستعمرين الفرنسيين ونظام الاسد وطبعا لا نغوص في التاريخ القديم الذي لم يخلو من الشكال التمييز والتعصب الديني والمذهبي. ولكن ما ذنبنا اليوم إذا كان العثمانيون قد مارسوا سياسة التمييز ضد العلويين مثلا. هل نحن كسوريين اضطهدنا العلويين مثلا؟ ام العكس صحيح. وإذا نبشنا التاريخ العربي والاسلامي سنجد اشياء خطيرة وطبعا منها الايجابي ومنها السلبي ولكننا لا يمكن ان نحمل الاجيال الحالية والمستقبلية وزر تلك الوقائع التاريخية. وبالمناسبة فان المنطق المذكور يقدم تبريرا غير مباشر لسلوكيات النظام الايراني واذرعه في المنطقة التي تنادي بالثأر للحسين من احفاد الامويين (هم يعتبرون كل العرب السنة في سوريا والعراق وخارجهما مسؤولون عن مقتل الحسين) فهل يعقل ان يدفع السوري ثمن قتل الحسين من 1500 سنة. واصلا هذا الموضوع تاريخي واشكالي ومن قتل الحسين على الاغلب هم الشيعة أنفسهم وقتلوا على رضي الله عنه وقتلوا الحسن ابن علي. لذلك يلطمون أنفسهم عقابا على خيانتهم لعلي وابنائه. وفي الخلاصة اقول نحن علمانيون ووطنيون وديمقراطيون ونؤمن بقدرات الشعب السوري الذي هو وحده قادر على انتاج نخب وطنية حقيقية فالنخب لا تصنع بقرارات من اشخاص لا يوجد عليهم اجماع شعبي، بل التجربة والحياة والتاريخ تصنع النخب المرتبطة بالواقع وليس التي تنظر في ابراج عاجية.
المصدر: صفحة الدكتور محمود الحمزة
لماذ يطرح البعض بانه لا توجد نخب سورية وانما يجب تصنيعها وانه لا يوجد شعب وان الشعب الموجود “معفن” والمجتمع “معفن” ؟ سؤال يظهر تردي وضع البعض المدعين أنفسهم من النخب، لذلك نقول قامت ثورتنا من أجل الحرية والكرامة والوطنيون الديمقراطيون وقودها وشعبنا قادر على انتاج نخب وطنية حقيقية لأنها لا تصنع بقرارات وإنما من الواقع ومن حضن الشعب وإجماعه وليس من ابراج عاجية.