المعارضة التركيّة في مصيدة الملفّ السوريّ؟

سمير صالحة

برز في الآونة الأخيرة خطاب سياسي جديد في صفوف “حزب الشعب الجمهوري” التركي المعارض وطروحات زعيمه أوزغور أوزال. فهو انتقد مواقف رؤساء البلديات التابعة لحزبه بسبب استهدافهم اللاجئين السوريين في خطاباتهم، وتضييق الخناق عليهم عبر فرض رسوم عالية على معاملات الزواج. واعتبر أنّ هذه الأمور ليست من اختصاص الإدارات المحلّية… فهل نحن أمام تغيير في “المزاج” التركي حيال ملفّ اللجوء السوري، واستطراداً ملفّ علاقة تركيا بالرئيس بشار الأسد؟ وهل يسمح رجب طيب إردوغان بذلك؟

هناك شبه إجماع في صفوف المتابعين للمشهد السياسي التركي على أنّ ما دفع الحكم والمعارضة لتبديل أساليبهم والكثير من مواقفهم وطريقة التعامل مع المسائل، وما قاد الرئيس رجب طيب إردوغان لاستقبال أوزال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض بعد سنوات من التباعد، هي المعادلة التي فرضها الناخب التركي في أيار 2023، ثم في 31 آذار 2024، باتجاه الدعوة إلى تطوير سياسات داخلية وخارجية جديدة لحلّ المشاكل التي تواجهها البلاد. وحيث يبدو أنّ هذه الرسالة وصلت إلى المسؤولين في الطرفين مع انطلاق الحديث عن مطلب “التعايش” الحزبي لإخراج تركيا من أزماتها.

لعبة الأثمان المتبادلة

هناك تحوّلات واضحة في الأساليب المعتمدة حتى اليوم في حراك قيادات الحكم والمعارضة التركية. فهل تواكبها مفاجآت في المواقف والقرارات، وتذهب الأمور باتجاه صناعة السيناريو الأصعب على الجانبين. وهو التفاهم والتنسيق لمعالجة أحد أهمّ الملفّات الداخلية والخارجية التي تعاني منها تركيا، وهو الملفّ السوري بتفرّعاته وتشعّباته؟

هذا التحوّل في المواقف لن يكون بالمجّان حتماً. فما هو الثمن الذي يريده أوزال من الرئيس إردوغان؟ أم العكس هو الصحيح؟ وهل تصل الأمور إلى مستوى حدوث تفاهمات ومقايضات على تقاسم الأدوار لإخراج البلاد من ورطتها في سوريا؟

قال الناخب التركي ما عنده للرئيس إردوغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزال في الملفّ السوري، وتحديداً بشقّيه الأساسيَّين: موضوع اللجوء وتبعاته على الداخل، وملفّ الأزمة السورية وارتداداته السياسية والأمنيّة والاقتصادية على تركيا؟

السؤال هو: هل يتعاون بشار الأسد مع عروض سياسية تقدَّم له عبر “الوسيط” الجديد أوزال إذا ما انفتح إردوغان على “رابع المستحيلات” وقبل مناقشة سيناريو من هذا النوع؟

الخلاف حول التّواصل مع الأسد

ندّد الرئيس التركي في أواخر شباط عام 2015 بالزيارة التي كان يزمع زعيم حزب وطن دوغو بيرينشك أن يقوم بها لسوريا، وقال: “في حين تعيش سوريا مأساة حقيقية، يذهب البعض لزيارة الرجل الذي قتل 350 ألف إنسان ظنّاً منه أنّ ما يقوم به هو عمل سياسي”. تعثّرت لاحقاً خطط تحريك حوار بين أنقرة ودمشق بعدما شهدت في مطلع العام المنصرم لقاء على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات في العاصمة الروسية موسكو. كان الهدف الجديد هو تسهيل لقاء آخر على مستوى وزراء الخارجية بين سوريا وروسيا وتركيا وإيران حول طاولة رباعية في منتصف آذار العام المنصرم، وهو الأمر الذي لم يتمّ حتى اليوم.

من هنا راهن الأسد على فوز المعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية. لذلك حاول الاستقواء ببعض “الشروط” قبل أيّ حوار مع أنقرة. وهو ما وُصف من قبل الجانب التركي بغير الواقعي، خاصة مطلب سحب القوات التركية من شمال سوريا.

زعيم المعارضة السابق كمال كليتشدار أوغلو عبّر من جانبه أكثر من مرّة عن نيّته التقارب مع النظام في دمشق حال وصوله إلى السلطة. وتسلّح بورقة اللجوء ووعده بإغلاق الحدود أمام كلّ أنواع العبور غير الشرعي. خلفه أوزال يتحدّث بنبرة مغايرة تماماً في ملفّ اللجوء. لكنّنا لا نعرف بعد حجم التحوّل في مواقفه حيال الملفّ السوري بشقّه السياسي.

بقدر ما سيذهب أوزغور أوزال الرئيس “المختلف” لحزب الشعب الجمهوري باتّجاه مراجعة مواقف حزبه وطريقة التعامل مع الملفّ السوري، بقدر ما ينتظر من إردوغان المزيد من الليونة وطرح مواقف مغايرة تفتح الطريق أمام مسار توافقي جديد. فتصير المعادلة كما يلي: الشعب الجمهوري يعدّل في مواقفه حيال موضوع اللاجىء السوري مقابل ضوء أخضر من إردوغان لتواصل أوزال مع النظام في دمشق. وذلك في محاولة جديدة لتحريك الجمود والحلحلة في المشهد السياسي السوري.

هل يعطيه إردوغان ما يريد؟

لا مؤشّرات حقيقية بعد إلى “سيناريو حالم” من هذا النوع، لكنّ الانفتاح الحاصل بين الحكم والمعارضة قادر على تسجيل اختراق بهذا الاتّجاه. تسهيل اجتماع زعيم المعارضة بكبار المسؤولين في الخارجية التركية لعرض وجهة نظره في التعامل مع مسائل إقليمية بينها الملفّ السوري. كما أراد من إردوغان خلال لقائهما الأخير، سيكون هو المؤشّر الأهمّ إلى فرص إحراز تقدّم حيال مثل هذه السيناريوهات.

يناقش أوزال مع الخارجية والاستخبارات وإردوغان ما يمكن أن يقوم به ويقدّمه على خطّ دمشق – أنقرة. مع الأخذ بعين الاعتبار لعبة التوازنات الإقليمية والدولية. ويتركه الرئيس التركي يحاول مع الأسد مع أنّ المهمّة شبه مستحيلة. فلا يكفي أن يتّفق إردوغان وأوزال على الخطوة طبعاً. ما ستقوله دمشق وما ستعرضه على زعيم المعارضة ينبغي أن يكون غير المطالبة بسحب القوات التركية من شمال سوريا والتخلّي عن دعم قوى المعارضة السورية وضمانات بخطط تنسيق وتعاون لمنع أيّ مشروع انفصالي في سوريا. على الأسد أن يقول ويقدّم جديداً في المسار السياسي أيضاً إذا ما كان يريد الاستثمار في فرصة من هذا النوع. وهو يرصد مأزق الحليفين الروسي والإيراني على أكثر من جبهة.

هل تزداد قوّة حزب الشعب الجمهوريّ؟

هل يسهّل إردوغان مهمّة بهذا الاتّجاه لزعيم المعارضة دون حسابات “خطّ الرجعة” فيها ومعرفة ارتداداتها على مصالح حزب العدالة السياسية؟ ما هي مصلحة إردوغان في دعم سيناريو من هذا النوع قد يقوّي حزب الشعب الجمهوري في الداخل والخارج أكثر فأكثر؟ أم هي عمليّة جسّ نبض دمشق عبر حزب الشعب الجمهوري ومدى استعداد النظام لحوار سياسي حقيقي على طريق الحلحلة في ملفّ الأزمة السورية؟

حزب الشعب الجمهوري ليس في السلطة، وهو يطمح للوصول إليها. إردوغان الذي يعرف ذلك سيبحث عمّا يمكّنه من الحؤول دون أن يعطيه ما يريد. يطلق يده في مطلب الذهاب إلى دمشق وهو على قناعة أنّه سيعود منها خائباً خالي الوفاض. إردوغان وفريق عمله يعرفان أنّ احتمال تسجيل الشعب الجمهوري أيّ اختراق حقيقي بين المستحيلات، بسبب تشبّث نظام الأسد بمواقفه المعلنة وشروطه التي يتمسّك بها قبل أيّ تفاوض مع أنقرة.

تبادل الهدايا بين إردوغان و أوزال ممكن طبعاً. لكنّ الملفّ السوري شأن آخر فيه أكثر من بعد ولاعب. إردوغان وأوزال يعرفان أنّ طرح سيناريو بهذا الاتّجاه لا بدّ أن يأخذ أيضاً بعين الاعتبار البعد الإقليمي ولعبة التوازنات القائمة. رأي اللاعبين الأميركي والروسي مهمّ هنا. فهل يبحث إردوغان عن توفير الدعم والغطاء اللازمين في واشنطن وموسكو. مع أنّنا لم نشاهد أيّ تحوّل حقيقي في الموقف الأميركي حيال ما تقوله وتريده تركيا في سوريا؟

قد تكون العقبة التي نجح إردوغان وحزبه في إزالتها هي دعوة أوزال بشكل مفاجىء بعض البلديّات المحسوبة على حزبه إلى التعامل بأساليب مغايرة مع قضايا اللاجىء السوري. لكنّ أوزال ما زال يكرّر كلامه غير المشجّع للحزب الحاكم: “خطابنا حول الملفّ السوري لم يتغيّر”.

اللجوء شيء والبعد السياسي في ملفّ الأزمة السورية ومواقف إردوغان وحزبه شيء آخر

المصدر: أساس ميديا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى