مضت تسعة أشهر على آخر مرة تحدث فيها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن عودة اللاجئين إلى سوريا، ومنذ ذلك الوقت تراجعت هذه المطالب، ما أثار تساؤلات حول أسباب غياب ملف اللاجئين في الخطاب الرسمي.
الأسد تحدث لآخر مرة عن قضية عودة اللاجئين، خلال الحوار الذي أجراه مع قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، في 9 من آب 2023، وقال حينها إن “السنوات الماضية شهدت عودة أقل من نصف مليون لاجئ إلى سوريا ولم يسجن أي شخص من بينهم”.
وعند سؤاله عن سبب توقف عودة اللاجئين قال، “توقفت بسبب واقع الأحوال المعيشية، فكيف يمكن للاجئ أن يعود من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج، هذه أساسيات الحياة”.
وأضاف الأسد، “لوجستيًا، البنى التحتية مدمرة بسبب الإرهاب وهذا ما يقوله معظم اللاجئين الذين نتواصل معهم، يرغبون بالعودة ولكن يقولون كيف نحيا كيف نعيش”.
صوت غائب
بعد تصريحاته لقناة “سكاي نيوز” قبل تسعة أشهر، غاب صوت الأسد المطالب بعودة اللاجئين، رغم ظهوره الإعلامي في عدة مناسبات، لكنه تحاشى الحديث عن ملف عودة اللاجئين.
ويرى المحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، أن الأسد لطالما كان غائبًا وغير مهتم أبدًا بعودة اللاجئين السوريين الذين يعتبرهم حواضن للمعارضة ومن الفئات التي كان غيابها راحة له، بل إنه في المقابل يسعى إلى “تطفيش” من بقي في سوريا، ولا سيما أن النظام عاجز عن تأمين غذاء ودواء السوريين الباقين في مناطق سيطرته، فكيف يعيد إلى سوريا من تم تهجيرهم قسرًا وارتاح كليًا منهم.
وأضاف سعدو، لعنب بلدي، أن “الأسد ذهب إلى مؤتمر القمة العربية في البحرين خالي الوفاض، وغير محقق لأي من الوعود التي قطعها على نفسه للجنة الخماسية العربية وخاصة موضوع اللاجئين وعودتهم، وأيضًا مسألة الكبتاجون الذي يستمر تصديره إلى دول الخليج العربي عبر حدود الأردن”.
ويعيش النظام السوري راحة آنية بعد توقيف قانون مناهضة التطبيع مع النظام من قبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بحسب سعدو، الذي اعتبر ذلك مكافأة على موقفه الصامت لما يجري في غزة.
ويعتقد أن عدم التزام الأسد بالوعود التي قطعها كإعادة اللاجئين ووقف إنتاج الكبتاجون، سبب في تأجيل اجتماع لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا، الذي كان مقررًا في 8 من أيار، في العاصمة العراقية بغداد.
وقالت صحيفة “الوطن” المحلية، إن الجهود الدبلوماسية المكثفة الأخيرة من أجل عقد الاجتماع الثاني للجنة الاتصال العربية، لم تتمكن من تحديد موعد جديد بعدما تأجل الموعد المقرر في بغداد، بسبب رغبة أحد الأطراف المشاركة لإجراء المزيد من التشاور، من دون أن تسمّه.
لكن موقع “المدن” ذكر نقًلا من مصدر مطلع، أن الأردن يقف وراء تأجيل لجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا، مشيرًا إلى أن اللجنة العربية ممتعضة من النظام السوري لعدم استجابته للمتطلبات المقترحة من قبل الجانب الأردني.
وأشار الموقع إلى أن الاجتماع الجديد للجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا، متوقف على نتائج المشاورات خلال اجتماع وزرائها مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب في القمة العربية بالمنامة.
هل يريد الأسد أصلًا عودة اللاجئين؟
غياب صوت الأسد المطالب بعودة اللاجئين، يطرح تساؤلًا فيما إذا كان الأسد أصلًا يريد عودة اللاجئين، أم يتحدث عن عودتهم شكليًا لابتزاز الدول الأخرى وتحقيق بعض المكاسب.
وفي هذا السياق قال الصحفي المختص بقضايا اللاجئين صخر إدريس، إن عودة اللاجئين كانت أحد أهم المعايير في المنطقة في مسار إعادة العلاقات مع النظام السوري، وحاول الأخير استغلال ذلك في ابتزاز بعض الدول التي تبحث عن الاستقرار في المنطقة، لكنه لم يلتزم بالوعود، ما أدى الى فتور في جدية إعادة هذه العلاقات.
ولا يزال النظام يستخدم حق العودة كمسمار جحا لشرط الاستقرار الذي يعجز عنه، بحسب ما قاله إدريس لعنب بلدي.
وأضاف، “اللاجئون يعتبرون موردًا ماليًا كبيرًا للأسد، خاصة بسبب الحوالات المالية التي يرسلونها إلى بلدهم، حيث يرسل السوريون في أوروبا حوالي ثلاثة مليارات دولار سنويًا كمساعدات لذويهم في سوريا، إضافة إلى أن الأسد وكما صرح سابقًا يبحث عن سوريا المتجانسة، التي يخضع المواطنون فيها إلى سلطته دون اعتراض لما سيثيره اللاجئون من المشاكل، خاصة أن معظمهم من معارضيه”.
وكانت صحيفة “الوطن” المحلية ذكرت في تقرير لها، أن وسطي الحوالات الخارجية التي تم إرسالها من السوريين في أوروبا إلى ذويهم في سوريا خلال عام 2023 يتراوح بين 2.5 و3 مليارات دولار، رغم حالة التضخم الموجودة في أوروبا.
ويوجد سبب بنيوي، بحسب إدريس، وهو عجز الأسد عن استيعاب عودة عدد كبير من اللاجئين وتقديم الخدمات لهم، في حين بقاؤهم خارج سوريا يدر عليه المليارات سنويًا، وبكل الأحوال أصبح من الواضح أن القرار ليس بيده، بل ينتظر الأوامر الخارجية، وما يشغله هو كيف يقضي وقته في ألعاب مثل شد الحبل للإيحاء أن سوريا بخير”.
عدم رغبة الأسد بعودة اللاجئين باتت واضحة، إذ قال النائب اللبناني، إيهاب مطر قبل أيام، في تغريدة عبر حسابه في “إكس“، “ببساطة الرئيس السوري بشار الأسد لا يريد شعبه، ولو أراد عودة اللاجئين السوريين لكنا شاهدناه في السرايا الحكومية يطالب رئيس حكومتنا اللبنانية، نجيب ميقاتي، بفتح المعابر الحدودية لعودتهم إلى بلدهم، مقدمًا كل الضمانات المطلوبة”.
تحديات تمنع السوريين من العودة
في الوقت الذي لم يعد يطالب فيه الأسد بعودة اللاجئين، هناك تحديات عديدة تجعل اللاجئين يرفضون من جانبهم فكرة العودة إلى بلدهم.
وذكرت منظمة “العفو الدولية”، في 13 من أيار الحالي، عبر حسابها في منصة “إكس“، أن الأنباء التي تفيد بأن مديرية الأمن العام اللبناني ستستأنف العودة الطوعية للاجئين السوريين مثيرة للقلق، نظرًا للضغوط القاسية التي يواجهونها في لبنان، إضافة إلى أن سوريا لا تزال غير آمنة، وسبق أن وثّقنا ما واجهه اللاجئون السوريون من تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي على يد مخابرات الأسد بعد عودتهم.
عنب بلدي سألت ثلاث لاجئين سوريين عن سبب عدم رغبتهم بالعودة إلى سوريا، وقال يحيى أبو زكريا، اللاجئ في قونيا التركية، ويعمل في محل هواتف محمولة، “الظروف الاقتصادية والخدمية المتدهورة في سوريا لا تشجع اللاجئين على العودة، فليس هناك فرص عمل، والأسعار باهظة جدًا، والخدمات شبه معدومة من كهرباء وماء ومحروقات، فعن أي عودة يتحدثون؟”.
محمد الخطيب، لاجئ سوري في السويد من سكان حي الخالدية بحمص، له رأي آخر، فعدم رغبته حاليًا في العودة إلى سوريا ليست بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والخدمية.
وقال، “أي لاجئ سوري في داخله رغبة في العودة لبلده، لكن العودة مستحيلة في ظل وجود نظام الأسد المجرم الذي قتل اثنين من أخوتي في المعتقل كما فعل مع آلاف السوريين”.
“رغم أني حاصل على الجنسية السويدية، سأكون أول الراغبين بالعودة لبلدي في حال سقط هذا النظام”، أضاف محمد الخطيب، “حتى لو كانت الظروف الاقتصادية والخدمية سيئة”.
بدوره قال مؤيد (24 سنة)، لاجئ سوري في لبنان ويعمل في الإنشاءات، “نعيش حالة رعب دائم في ظل الحديث المستمر من قبل الحكومة اللبنانية عن إعادة اللاجئين”.
يقدر مؤيد الضغوط التي يمر بها لبنان كبلد يستضيف حوالي مليون لاجئ سوري، لكن العودة إلى سوريا “تعني الحكم علينا بالموت على يد مخابرات الأسد… لأن السوري يمكن أن يعود ويتحمل الجوع والعطش والبرد، لكن لن يتحمل تعذيب المعتقلات”.
دول الجوار تطالب بعودة اللاجئين
تواصل دول الجوار المستضيفة للاجئين السوريين المطالبة بعودتهم، حيث دعا وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بسام مولوي، إلى الحد من الوجود السوري في لبنان، مؤكدًا أن موضوع الوجود السوري بهذه الطريقة “غير مقبول” ولا يتحمله لبنان، وينبغي الحد منه بطريقة واضحة، وأن لبنان لن يقبل ببقاء السوريين على أراضيه مقابل مكاسب مالية، وفق ما نقلته وسائل إعلام لبنانية، منها قناة “MTV“.
وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2023، أكّد كل من الأردن ولبنان عجزهما عن استضافة المزيد من اللاجئين السوريين، مطالبين الأمم المتحدة بالعمل على إيجاد حل لهذه الأزمة.
وصرّح العاهل الأردني، الملك عبد الله أن الأردن “ليست لديه القدرة ولا الموارد” على استضافة مزيد من اللاجئين السوريين ورعايتهم، مضيفًا، “مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم، وليس في البلدان المستضيفة. ولكن وإلى أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، علينا جميعًا أن نفعل الصواب تجاههم”.
من جهته، أعرب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، عن قلق بلاده إزاء أعداد اللاجئين السوريين فيها قائلًا، “نحن قلقون من أعداد النازحين السوريين، وعدم قدرة لبنان على تحمل المزيد في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي نعاني منها”.
وفي السياق ذاته تواصل الحكومة التركية التضييق على اللاجئين السوريين لدفعهم إلى العودة إلى بلدهم، وكان آخر تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن ملف عودة اللاجئين في أيلول 2023 خلال حضوره قمة “كونكورديا” بنيويورك، حيث أكد حينها دعم بلاده لعودة المهاجرين السوريين بشكل آمن.
وأكد إعلان “قمة المنامة” الختامي ضرورة إنهاء الأزمة السورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن “2254”، وبما يحفظ أمن سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، ويحقق طموحات شعبها، ويخلصها من “الإرهاب”، ويوفر البيئة الكفيلة بالعودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين.
يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان 815 ألفًا بينما تقدر الحكومة عددهم بنحو 1.5 مليون، ويستضيف الأردن حوالي 670 ألف لاجئ، بينما يوجد حوالي ثلاثة ملايين لاجئ في تركيا.
المصدر: عنب بلدي
قراءة عن نظام طاغية الشام، نظام يعمل على اللعب على الحبال، كان الأسد الأب يتقنها لخبرته بذلك والأوراق التي كان يملكها، ولكن الوريث القاصر تخلى عن معظم الحرس القديم وفقد معظم الأوراق ليصبح ورقة بيد الآخرين، يحاول الإبتعاد عن #محور_المقاولة_والمماتعة، ليقوم بخطوات لتغيير جلده ليُقبل من الأنظمة العربية والغربية، أما اللاجئين فرغم محاولات دول الجور ترحيلهم ولكن الواقع منع ذلك.