الشرخ بين إسرائيل ومصر آخذ في الاتساع، وهو يهدد العلاقات بين الدولتين. وفي الأسبوع الماضي تسرب من الغرف المغلقة إلى العلن. ومن أجل ازالة الشك، فإن الحديث لم يكن يدور عن “تسريب” أو اقتباس تحليلي. الإعلان عن رفض مصر التنسيق مع إسرائيل في موضوع إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، نشرته قناة الأخبار المصرية.
من الآن موقف مصر، الذي طوال أيام عدة، تم الحفاظ على سريته لمنع تدهور العلاقات إلى درجة المس باتفاق كامب ديفيد، أصبح الموقف الرسمي والعلني. غضب مصر لم يفاجئ الولايات المتحدة وما كان يجب أن يفاجئ إسرائيل. خلال أسابيع أرسلت القاهرة التحذيرات التي طلبت فيها بشكل حازم، ولا سيما من واشنطن، كبح نية إسرائيل اقتحام رفح واحتلال المعبر.
خوف مصر من اختراق الحدود من قبل مئات آلاف الفلسطينيين الغزيين ليس جديدا. فمصر حذرت من ذلك في الأيام الأولى من الحرب، لكن رغم ذلك استمرت في التعاون مع إسرائيل في كل ما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية. وخلافا لتركيا، فإن مصر لم تقم بإعادة السفير من تل أبيب والمخابرات المصرية حافظت على علاقة وثيقة مع رؤساء الاستخبارات والجيش في إسرائيل، حتى عندما تم إغلاق قناة الاتصال المباشرة مع مكتب رئيس الحكومة. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوضح منذ بداية الحرب، أن اتفاق السلام ليس محل اختبار أو نقاش. وتم أيضا توجيه أجهزة الاعلام في الدولة.
في الأسبوع الماضي حدثت انعطافة. جهات مصرية رفيعة سابقة بدأت تتحدث عن “إمكانية حدوث مواجهة عسكرية مع إسرائيل”، إذا اجتاز الجيش الإسرائيلي الحدود نحو شبه جزيرة سيناء، وأن مصر لا يمكنها المرور مرور الكرام على المس بسيادتها من قبل إسرائيل. قرار وقف التعاون مع إسرائيل، بالذات في قضية المساعدات الإنسانية، لا يعتبر سابقة. فهو يدل على استعداد القاهرة لاتخاذ خطوات حازمة يمكن أن تحدث نزاعا سياسيا. في الحقيقة، إعلان أول من أمس عن الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي هو فقط خطوة إعلانية. ولكن موقف مصر الذي اتخذته بعد ثمانية أشهر يكشف عمق الأزمة.
منذ اللحظة الأولى، تمسكت مصر بالتنسيق الكامل مع إسرائيل، رغم أنه كان يمكنها فتح معبر رفح والسماح بدخول قوافل المساعدات الإنسانية من دون أي قيود إلى قطاع غزة. المطار في العريش أصبح مركزا لتجمع المساعدات من دول كثيرة، وإجراءات الفحص والنقل التي قامت إسرائيل بإملائها تم الحفاظ عليها بحرص كبير. سيطرة مصر على معبر رفح، اعتبرت دائما وسيلة الضغط الرئيسية على حماس، وحتى أنها أكثر أهمية من المساعدات التي حصلت عليها حماس من قطر، حيث تم استخدامه كشريان رئيسي لخدمة حماس كأداة إدارة رئيسية للحياة المدنية في القطاع. ولكن منذ سيطرت إسرائيل عليه، فإنه فقد أهميته وغير الاتجاه. معبر رفح هو الآن الوسيلة التي تستخدمها مصر للضغط على إسرائيل، وليس على حماس، من أجل وقف استمرار العملية في رفح وإعادة المعبر إلى ما كان عليه في السابق.
العملية أدت إلى أن عدد الشاحنات التي تدخل إلى القطاع انخفض بشكل دراماتيكي، وافتراض مصر هو أن الضغط الدولي، ولا سيما الأميركي، الذي سيكون بعد ذلك سيضطر إسرائيل إلى إعادة تقييم احتلال رفح. نظريا، إسرائيل يمكنها فتح كل المعابر بينها وبين القطاع كي لا تصبح هناك أي أهمية لمعبر رفح. ولكن عندها يمكن أن تجد نفسها أمام جبهة موحدة لجميع الدول التي تتعاون معها، الغربية والعربية، التي سترفض التعاون مع هذه الخطوة.
النتيجة في هذه الأثناء هي، أن خطوة مصر وتهديد أميركا بتأخير إرساليات السلاح الهجومي، جعلت هاتين الدولتين هما اللتان يمكنهما رسم الحرب في قطاع غزة -على فرض- أن إسرائيل لن تتبنى أقوال الهراءات لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، التي قررت “المحاربة بالأظافر” حتى ضد مصر. خطوة مصر تعيد إلى رأس الأولويات الحاجة الاستراتيجية لاتخاذ قرار بشأن منظومة الإدارة الفلسطينية التي ستبدأ بالعمل منذ الآن، من دون انتظار تطبيق “الشعار السحري” الذي يسمى “اليوم التالي”.
صيغة نتنياهو التي بحسبها، “نحن سنضطر إلى أن تكون هناك حكومة مدنية في يد فلسطينيين لا يلتزمون بإبادتنا. والأمل في أن يحدث هذا الأمر بمساعدة دول عربية، تريد رؤية السلام والاستقرار، تلاشى في مهده”، حسب أقواله في المقابلة التي أجراها معه دكتور بيل. وزير خارجية اتحاد الإمارات، محمد بن زايد، تخلى عن قاموس الدبلوماسية المهذب وقال: “نحن ندين تصريحات بنيامين نتنياهو، حول طلبه منا المشاركة في الإدارة المدنية في قطاع غزة، الذي يوجد تحت احتلال إسرائيل”.
دولة الإمارات أكدت، أن “رئيس الحكومة الإسرائيلية لا توجد لديه أي قدرة قانونية على اتخاذ مثل هذه الخطوة”. أيضا الدولة رفضت الانجرار وراء أي خطة تهدف إلى توفير غطاء لوجود إسرائيل في القطاع”. لا يمكن أن تكون هناك أقوالا واضحة وحادة أكثر من ذلك. وبالطريقة نفسها كان رد قطر ومصر. السحر المزيف الذي يقوم بتسويقه المسؤولون الكبار في إسرائيل حول إمكانية تشكيل تحالف عربي للحكم في غزة لا يصمد أمام اختبار الواقع. والتحالف العربي الوحيد الموجود هو الذي يطلب من إسرائيل إنهاء الحرب وعدم احتلال رفح.
السلطة الفلسطينية أيضا، لا تسارع إلى تحمل المسؤولية عن القطاع، بالتأكيد ليس بالبنية التي تظهر فيها كخاضعة لتعليمات الجيش الإسرائيلي ومن دون أدوات للسيطرة والإدارة تكون مناسبة، والتي يمكن أن ترسخ سيطرتها. محمود عباس ابن الـ88، الذي أجرى أول من أمس فحوصات في المستشفى، وضع شرطا رئيسيا لاستعداده لإدارة غزة، الذي بحسبه هذه الخطوة يجب أن تكون مركبا في صفقة سياسية واسعة تضمن الحل السياسي للقضية الفلسطينية.
قرار الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي، تعزيز مكانة فلسطين في المؤسسة وتوصية مجلس الأمن بإعادة فحص طلب فلسطين الانضمام عضو كامل في الأمم المتحدة، حتى الآن لا يلبي طلب محمود عباس، وإذا اعترفت أيضا بعض الدول في الأسابيع القريبة المقبلة بفلسطين فلن يكون لذلك أي معنى، طالما أن الولايات المتحدة تتمسك بالموقف الذي يقول: “الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن لن يساعد في الدفع قدما بحل الدولتين”. من هنا فإنه على كل مشروع قرار كهذا يوجد فيتو أميركي مضمون. ولكن واشنطن نفسها لا توجد لديها خطة سياسية أخرى باستثناء، إجراء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، في الوقت الذي تدرك فيه بشكل جيد أن هذه المفاوضات لا توجد لها أي احتمالية في هذه الأثناء.
قبل بضعة أشهر، اقترح محمود عباس أن ترتب الولايات المتحدة والدول الأوروبية لعقد مؤتمر دولي تتم فيه مناقشة تطبيق حل الدولتين بصورة عملية. وأوضح أن هذا المؤتمر يمكن أن يوفر على الأقل في المرحلة الأولى، الشرط السياسي الذي وضعه لتدخل السلطة الفلسطينية في قطاع غزة. ولكن هذا المؤتمر ايضا ما تزال الولايات المتحدة غير مستعدة للحديث عنه، ناهيك عن المبادرة. في المقابل، توقعات الإدارة الأميركية بإجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية، تلبي تعريف الرئيس الأميركي لـ”السلطة المحدثة” والتي يمكنها أن تحصل على الدعم الأميركي لإدارة القطاع، لا تتحقق بالفعل.
محمود عباس قام في شهر آذار (مارس)، بتعيين الاقتصادي محمد مصطفى في منصب رئيس الحكومة الفلسطينية. وقد مر منذ ذلك الحين شهران، لكن في هذه الأثناء خطط الإصلاحات توجد على الورق فقط. ربما على خلفية التطورات في قطاع غزة والانتقاد في الجيش الإسرائيلي بأن عدم وجود خطة سياسية يعرض حياة الجنود للخطر، والضغط الأميركي ضد العملية في رفح وإجراءات مصر التي تصعب المبالغة في خطورتها، فإنه لا مناص، على الأقل للولايات المتحدة، من إظهار “المرونة الاستراتيجية”، وهو التعبير الذي تم أخذه من قاموس المرشد الأعلى في ايران، علي خامنئي، والموافقة على إدخال السلطة إلى قطاع غزة حتى من دون إجراء إصلاحات حقيقية.
وحتى لو تمت إزالة هذا “اللغم السياسي”، في هذه الأثناء لا نعرف كيف سيكون ذلك، فإن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى أكثر بكثير من بضع سيارات مصفحة وسلاح خفيف كي يمكنها من القيام بمهماتها. في الواقع يوجد للسلطة بضعة آلاف من الموظفين الذين يحصلون على الرواتب في غزة، الذين يمكنهم البدء بإعادة ترميم على الأقل جزء من الأجهزة المدنية، لكن لا توجد لديهم قوة شرطة كافية، والقوة التي توجد هناك غير مزودة بما فيه الكفاية لمواجهة التحديات الفورية من أجل الحفاظ على النظام. قوات شرطة فلسطينية تقوم الآن بإجراء التدريبات العسكرية، لكنها بعيدة عن أن تلبي الاحتياجات القائمة في قطاع غزة.
السلطة الفلسطينية لن تتعين عليها إدارة المعارك ضد حماس. هذا سيكون مسؤولية الجيش الإسرائيلي، وقوة دولية توافق على التواجد إذا كانت السلطة هي صاحبة البيت. في الوقت نفسه، السلطة الفلسطينية ستحتاج إلى تمويل كبير بمليارات الدولارات، سواء لدفع الرواتب، وبالأساس لإعادة ترميم بنى تحتية مثل شبكة الكهرباء والمياه وجهاز الصحة. خلافا للوضع الآن، الذي فيه دول الخليج ترفض المساعدة طالما أن اسرائيل هي التي تحكم في القطاع، فإنه يمكن الافتراض أن هذه المساعدة ستأتي إذا تم ضمان أن الأموال ستذهب للسلطة الفلسطينية مباشرة، ليس من خلال إسرائيل.
هل إسرائيل ستوافق على مثل هذا الترتيب؟ هل ستحرر أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك أموال الشريحة الغزية التي حتى الآن هي مجمدة في حساب في النرويج؟ الإجابة عن ذلك توجد لدى وزير المالية سموتريتش، مثلما هي ميزانية السلطة الفلسطينية، أكثر مما توجد لدى نتنياهو. لا حاجة إلى تخمين موقف سموتريتش. فهو يقول: “إن أي خطة سياسية في قطاع غزة مرهونة في البداية بـ “خطة سياسية” ستسمح بها. وطالما أن البنية السياسية في إسرائيل تقف فوق حقل ألغام يهدد وجودها، فانه لا توجد أي أهمية لفحص مهني لقدرة السلطة الفلسطينية على إدارة قطاع غزة.
المصدر: – هآرتس/الغد الأردنية