ليس لبنان سوى بلد في قائمة عالمية، تشمل بلدانًا تضيق باللاجئين. ففي القائمة بلدان عربية بينها العراق، وضمنه إقليم كردستان، وليبيا وتونس، وبلدان إسلامية بينها تركيا، وغالبية الدول الأوروبية، بما فيها فرنسا وبريطانيا والقائمة تطول.
أسباب الضيق باللاجئين متعددة ومختلفة. غالبية الدول تعيد ضيقها باللاجئين لأسباب اقتصادية تتعلق بقلة الموارد والإمكانيات، والتي بالكاد تغطي احتياجات المواطنين، وبعض الدول تستند في موقفها إلى أسباب اجتماعية وثقافية أبرزها الفوارق بين مجتمعاتها ومجتمعات اللاجئين في العادات والتقاليد والقيم، وثمة دول تغطي موقفها بما يتركه اللاجئون من اختلالات في البنية السكانية المحلية ولا سيما في التوازنات القومية، الدينية والطائفية والعشائرية، وكل الاسباب تتخفى وراء هواجس ومخاوف سياسية وأمنية، تحيط باللاجئين، وتشكل أساس ضيق الدول وحكوماتها باللاجئين، وهي التي تضع القوانين، وتنفذ السياسات والتعليمات الخاصة باللاجئين.
اللاجئون في غالبيتهم خرجوا من وسط معاناة إنسانية عميقة وواسعة، تعيشها بلدانهم بسبب الحرب الداخلية كما يحدث في اليمن والسودان، أو الحرب الخارجية كما في الحرب الروسية على أوكرانيا، ومعاناة بعض اللاجئين ناتجة عن سياسات وممارسات سلطات مستبدة تحكم بلدانها بالقوة والإرهاب دون رادع، حيث تلاحق وتعتقل وتقتل وتهجّر، والأمثلة العربية كثيرة، وتزيد على ما سبق عندما يعترض الضحايا كما في الحالة السورية، فتذهب إلى عقوبات جماعية واسعة، تشمل تدمير القدرات والموارد الفردية والاجتماعية، وفرض الحصار والتجويع، وممارسة القصف والدمار بكل الأسلحة بما فيها المحرّمة، وعمليات الترحيل بين المناطق والتهجير، وحين تعجز السلطات عن القيام بهذه الجرائم، تستدعي حلفاء لها من دول ومليشيات ليشاركوا جرائمها، وتفسح المجال لمجيء ونمو مليشيات متطرّفة للمساهمة بنصيبها من الجرائم تحت شعارات ضالة ومضلّلة.
والحديث عن اللاجئين يستدعي بالضرورة حديثًا عن الفلسطينيين منهم. ليس فقط بسبب تفرّد لجوئهم الناتج عن استعمار استيطاني، أحلّ وافدين من أنحاء العالم مكان السكان الأصليين، وصادر ممتلكاتهم، ورحّلهم، بل في استمرار تلك السياسة، كما تجسّدها الحرب الإسرائيلية الجارية على غزّة، التي تقتل وتجرح وتدمّر، وتطارد الفلسطينيين من مكان لآخر، وتمنع وصول المساعدات للضحايا.
مشكلة اللاجئين تكمن في أنّ العالم لا يهتم بجذر المشكلة مثل الحروب وأنظمة الاستبداد والدكتاتورية والعنصرية
وكما هو معروف، فإنّ اللاجئين ضحايا، وكان من الطبيعي، أن يهتم العالم بقضيّتهم عشية خروجه من الحرب العالمية الثانية وما لحق بضحاياها من دمار إنساني ومادي، دفعًا إلى إصدار قوانين دولية ووطنية، تعطي اللاجئين حقوقًا، تساعدهم على تطبيع حياتهم على أمل حل مشاكلهم وإعادتهم بكرامة إلى بلادهم وممتلكاتهم.
طوال عقود مضت، وفي ظل الحديث عن حقوق الإنسان والعدالة والمساواة في عالم ما بعد الحرب الثانية، جرى اهتمام والتزام متفاوت بقضية اللاجئين، وكان الأساس في التفاوت تمييز سياسي أو عنصري أو اختلال في المعايير، وقد يكون في اختلاطات كل ما سبق، وكلّها سلوكيات تفاقمت في سياسات دول العالم حول اللاجئين، ولا سيما في العقود الثلاثة الماضية تزامنًا مع التحوّلات السياسية، والأزمات الاقتصادية في العالم.
غير أنّ تردي التعامل، سار في سياقين، أولهما سياق مُقَونَن سارت فيه دول الديمقراطيات الغربية عمومًا، خفضت فيه اهتماماتها العملية بقضية اللاجئين وكل القضايا الإنسانية على نحو عام، واتجهت نحو إصدار قوانين وتطبيق سياسات، تخفف من مسؤولياتها والتزاماتها في القضية، وتندرج بلدان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في مقدمة هذه الدول.
ويضم السياق الثاني من التعامل مع قضية اللاجئين أغلب دول العالم، التي يمكن وصف سياساتها في القضية بـ”الفوضى” و”الانتقائية” وصولًا إلى حد رفض التعامل معها، وغالبًا فإنّ التبريرات والحجج حاضرة، وقد تترافق مع وجود قوانين محلية، وتصريحات سياسية تخصّ اللاجئين، لا تجد لها تعبيرات على أرض الواقع، إنما هي موظفة في أهداف بينها ابتزاز الرأي العام والحصول على مساعدات ومنح، وتحسين صورتها إزاء انتهاكها حقوق الإنسان بما فيها حقوق اللاجئين، وأغلب الدول العربية والإسلامية موجودة في سياق هذه الدول، وأغلب الدول التي خرج منها اللاجئون في العقود الأربعة الأخيرة في العالم دول عربية وإسلامية، بينها سوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا والصومال.
ورغم القسوة التي تحيط باللاجئين وحياتهم في أغلب دول العالم، وسط نهج يذهب باتجاه الأسوأ، فإنّ مشكلة اللاجئين لا تكمن في القوانين والسياسات التي ترسم أشكال ومحتويات التعامل معهم فقط، فهذه يمكن أن تتغيّر وتتبدّل، أو تُجمّد، أو يتم تجاوزها على نحو ما يحصل الآن في الاتجاهين السلبي والايجابي طبقًا لما تقرره الحكومات، إنما المشكلة تكمن في أنّ العالم بدوله ومؤسساته، لا يهتم بجذر المشكلة الذي يعني منع ظاهرة اللجوء والحد منها على الأقل عبر التصدي لأسبابها وخاصة الأساسية منها، مثل الحروب وأنظمة الاستبداد والدكتاتورية والعنصرية، التي تُنتج العدد الأكبر من اللاجئين الذين يتحوّل أغلبهم إلى ضحايا في مواطن لجوئهم، ويفلت مرتكبو الجرائم بحقهم في بلدهم، ولاحقًا في أغلب بلدان اللجوء، من العقاب.
إنّ أمثلة الإفلات من عقاب إطلاق الحروب المختلفة وتصعيدها، ومثلها ممارسة الاستبداد والدكتاتورية والاضطهاد، أو الجمع بينها، تمثّل حالات كثيرة، تتشاركها دول كبرى وصغرى وبينها دول ذات مكانة إقليمية ومليشيات مسلحة ذات صلة وفق مثال المنطقة العربية، ولعل الأبرز في القائمة روسيا وإيران ونظام الأسد في سوريا، وتركيا وإسرائيل وميليشيات تنظيم “داعش” وأخواته، و”حزب الله” اللبناني، و”الحوثيون” في اليمن، والعسكريون المنقسمون في السودان، وعصابات شركة “فاغنر” الروسية التي تعيد ترتيب قواتها والمشاركة بحروب في بلدان موزعة على ثلاث قارات، وقد ساهمت مشاركة هذه الأطراف في الحروب في هجرة ولجوء عشرات الملايين في العقدين الأخيرين، ولم يحاسَب أي طرف من هؤلاء لهذا السبب، بل حصل العكس كما في مثال إفلات نظام الأسد من جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في غوطة دمشق عبر اتفاق روسي – أميركي، وجرى السكوت عن تدخلات إيران عبر قواتها والمليشيات التابعة لها في إثارة وتغذية حروب ونزاعات، في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وبدل أن تُدان حرب إسرائيل في غزّة التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفاقه المتطرّفين، فقد تمت مباركتها وتوسيعها على نطاق عالمي.
تحوّل الفاعلون في العالم عن مهماتهم حيث يتجاهلون المرتكبين ويعاقبون الضحايا
نعم مطلوب قوانيين وسياسات، وتطبيقات أفضل، إنسانية وعادلة من أجل اللاجئين للتخفيف من مأساتهم ومعاناتهم، ورفض ما خالف ذلك، وصولًا إلى تجريم الانتهاكات والنزعات العنصرية ومحاسبة المرتكبين، لكن الأهم هو الذهاب إلى منع وجود اللاجئين والحد من أعدادهم عبر منع الحروب والتوجه نحو السلام والتنمية ومواجهة الاستبداد والدكتاتوريات والاضطهاد، من خلال أنظمة ديمقراطية توفر الحرية والعدالة والمساواة للجميع.
أعرف أنّ الطموحات مثالية وكبيرة، وأعرف أنّ العالم يعاني وسوف يعاني أكثر بعد أن تحوّل الفاعلون فيه عن مهماتهم، حيث يتجاهلون المرتكبين ويعاقبون الضحايا.
المصدر: خاص “عروبة 22“
قد لا يعبر المقال عن رأي الموقع
مشكلة اللاجئين بكل انحاء العالم يجب ان تحل من خلال حل اسباب المشكلة كالحروب وأنظمة الاستبداد والدكتاتورية والعنصرية، لإنّ اللاجئين ضحايا، ومن الطبيعي، أن يهتم العالم بقضيّتهم منذ الحرب العالمية الثانية، فهل سيكون هناك قوانيين وسياسات، وتطبيقات أكثر إنسانية وعادلة من أجل اللاجئين للتخفيف من مأساتهم ومعاناتهم؟ ومعالجة اسباب لجوئهم ؟
مشكلة اللاجئين بكل انحاء العالم يجب ان تحل من خلال حل اسباب المشكلة كالحروب وأنظمة الاستبداد والدكتاتورية والعنصرية، لإنّ اللاجئين ضحايا، ومن الطبيعي، أن يهتم العالم بقضيّتهم منذ الحرب العالمية الثانية، فهل سيكون هناك قوانيين وسياسات، وتطبيقات أكثر إنسانية وعادلة من أجل اللاجئين للتخفيف من مأساتهم ومعاناتهم؟ ومعالجة اسباب لجوئهم ؟