أظهر الطرفان في المفاوضات حول صفقة التبادل في الأسبوع الأخير مرونة معينة. بعد أن تم إبعاد قطر عن قيادة المفاوضات، وطرحت مصر اقتراحات وساطة جديدة، قدمت حماس وإسرائيل، كل بطريقتها، رداً أكثر إيجابية. رئيس الحكومة، نتنياهو، مستعد الآن لفحص أفكار هو نفسه رفضها قبل حوالي ثلاثة أشهر فقط. ولكنه يواصل تحفظه من عقد صفقة بالشروط الحالية، وهو كما يبدو في موقف أقلية في مجلس الحرب.
معظم أصدقائه يفضلون الآن عقد صفقة على حساب اقتحام رفح. ولكن في الكابنيت الأمني – السياسي، الجسم الكبير، بدت نسبة القوى مختلفة؛ يحيط بنتنياهو شركاؤه في اليمين المتطرف ووزراء الليكود الذين يطالبون باحتلال رفح حتى بثمن إضاعة الصفقة.
منذ فترة طويلة كان التهديد باحتلال رفح يعتبر كلاماً فارغاً. الاستعدادات العسكرية تقدمت ببطء، ونتنياهو لم يحث الجيش على العمل، والتصريحات حول عملية قريبة في رفح لم تصدقها سوى حفنة من أتباعه المهووسين، الذين صدقوا أيضاً وعد النصر المطلق. تغير شيء ما في الأسابيع الأخيرة؛ فقد أصبحت العمليات العسكرية ملموسة أكثر، وبدأت حماس أيضاً تشعر بخطر ما. ربما هي خلفية الإشارات عن مرونة حماس، حتى لو ما تزال ضئيلة جداً. مع ذلك، هناك تحفظات أمريكية بارزة من احتلال رفح، ومثلها أيضاً طلبات واشنطن من إسرائيل لضمان إخلاء آمن من المدينة شرطاً لبدء العملية العسكرية. أول أمس، قتل جنديان من الاحتياط في حادثة في وسط قطاع غزة.
الجيش الإسرائيلي أيضاً غير متحمس لدخول رفح. يكفي الاستماع لأقوال الجنرال احتياط إسرائيل زيف، المحلل المطلع على مواقف هيئة الأركان في “أخبار 12″، الذي قال عشية العيد بأن “أي صفقة تبادل تسبق العملية هي أهم من العملية في رفح، التي يفضل ألا تحدث أبداً. رفح غير مهمة من أجل تدمير حماس، والشرك الاستراتيجي الذي ينتظرنا هناك قد يؤدي إلى نتائج صعبة. ونتنياهو يتفاخر بالتوجيه، لكنه لا يرى الحفرة التي قد يقع فيها هو وإسرائيل”. رئيس الأركان هرتسي هليفي لم يكن ليصوغ ذلك بشكل أفضل.
الصعوبة الأساسية في المفاوضات تكمن في مطالبة حماس بوقف كامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب، وهو الطلب الذي لم يستوعبه نتنياهو. وإذا لم يكن هذا كافياً، أن حكومة إسرائيل لا استراتيجية لها بل وتعمل بصعوبة، فإن جميع الخلافات فيها تحدث بشكل علني. وقد نشر الوزيران بن غفير وسموتريتش أول أمس دعوات لنتنياهو لرفض الصفقة والإسراع لاحتلال رفح. والأبواق والدمى التي تعمل في محيط نتنياهو وفي وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، تجندت ضد الصفقة. في المقابل، نشر الوزير غانتس بياناً جاء فيه بأن “الدخول إلى رفح مهم في نضال طويل مع حماس. إعادة المخطوفين الذين تخلت عنهم الحكومة في 7 أكتوبر، أمر ملح وأهم.
يبدو هذا كمحاولة نصف ناضجة لإرضاء شريك غانتس، الوزير آيزنكوت، الذي يميل إلى الانسحاب من الحكومة إذا أحس بأن نتنياهو مستمر في المماطلة. وإذا لم تحدث في القريب انعطافة في المفاوضات، فمن المرجح أن يستقيل. في هذه الأثناء، كسر غانتس قدمه عندما ركب الدراجة في غلاف غزة؛ وتأمل عائلات المخطوفين بألا تؤثر هذه الحادثة على وتيرة اتخاذ قراره.
مشكوك فيه إذا كان انسحاب “المعسكر الرسمي” سيحدث بالضرورة الهزة الجماهيرية التي سترجح الكفة لصالح المصادقة على الصفقة. في هذه المرحلة، ما زال الاحتجاج ضد الحكومة ضعيفاً جداً. فقد نجح نتنياهو بدرجة كبيرة، في تثبيت موضوع الصفقة في الوعي كخلاف بين اليمين واليسار. هذه نتيجة غير محتملة إزاء الواقع الواضح. فالدولة والحكومة وجهاز الأمن فشلوا عندما تخلوا عن المخطوفين وأبناء عائلاتهم، الذين في معظمهم من المدنيين. ولم يفعلوا المطلوب وقت هجوم حماس. والآن، يصعب القول بأنه يتم بذل كل الجهود المطلوبة لإعادتهم.
قرار نتنياهو سيتأثر أيضاً بالضغط الذي تستخدمه الإدارة الأمريكية. فثمة أهمية للأنباء التي بحسبها يفحص فيها كريم خان، إصدار أوامر اعتقال ضد شخصيات رفيعة في إسرائيل وفي حماس بسبب الحرب في غزة، وذلك يقلق نتنياهو بشكل كبير، ويتم طرح القضية باستمرار في المشاورات الداخلية برئاسته وفي الاتصالات مع الأمريكيين. أمس، نشر أيضاً في “نيويورك أمس” بوجود احتمالية كهذه. مع ذلك، يبدو أن “لاهاي” لم تتخذ أي قرار بعد.
رزمة طموحة
وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قال أمس في الرياض بأن الولايات المتحدة والسعودية قريبتان من استكمال المفاوضات قبل بلورة اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية. يحاول الأمريكيون إضافة خطة طموحة لصفقة تبادل المخطوفين، تعيد تحريك جهود التطبيع التي قطعت في أعقاب الهجوم واندلاع الحرب. ولكن هنا أيضاً يكمن العائق الذي يحول دون تسليم نتنياهو طوعاً لشركائه في اليمين المتطرف – رفضهم لأي خطوة تشمل الاعتراف بحل الدولتين وبدور السلطة الفلسطينية في ترتيبات اليوم التالي في قطاع غزة.
في غضون ذلك، عشية العيد، نشرت وسائل إعلامية، منها “هآرتس” وهيئة “كان”، مقابلات مع مصدر قطري رفيع، مستشار رئيس الحكومة في الدوحة، تم فيها توجيه انتقاد لإسرائيل وحماس، اللتين حسب رأي قطر أعاقتا الصفقة. هاجمت أبواق نتنياهو هذا النشر. وتم اتهام وسائل الإعلام في إسرائيل بمساعدة العدو أثناء الحرب بذريعة أن قطر تمول نشاطات حماس في قطاع غزة.
أصبحت “هآرتس” معتادة على هذه الاتهامات التي لا أساس لها، لكن طرح ضد الهيئة أيضاً ادعاء بأن هذه العملية ممولة من دافع أموال الضرائب في إسرائيل. هذا الرد لا أساس له من الصحة، مع ذلك هو نموذجي لأنه يعكس ما يعتبر بالنسبة لرئيس الحكومة الآن موضوعاً عاماً حساساً. ماجد الأنصاري، الشخصية القطرية الرفيعة، قال إن نتنياهو هو الذي طلب من الإمارة الخليجية في 2018 إرسال الأموال لحماس، ونتنياهو وقع على هذه السياسة. ومن يؤيدونه يشعرون بالغضب إزاء ذكر ذلك، بالضبط مثل سماعهم تحميله مسؤولية التقصير في 7 أكتوبر وإسهامه في تأخير صفقة المخطوفين الآن، كل ذلك يدفع بهم إلى الجنون.
ثلاث ملاحظات في الختام
منظومة الاحتياط: في “أخبار 12” نشر عن فصيل في الاحتياط تابع للواء المظليين، الذي أبلغ عشرات من الجنود فيه القائد بأنهم لا ينوون الامتثال للخدمة قريباً عقب إصدار الأمر 8 الذي أرسل إليهم قبل العملية المحتملة في رفح. الرد غير سياسي، فهو يعكس التعب والتآكل في وحدات الاحتياط التي خدم الجنود فيها 3 أو 4 وأحياناً 5 أشهر متواصلة في بداية الحرب. العبء على رجال الاحتياط وأبناء عائلاتهم كبير، وكثيرون يعتقدون أنهم لن يتمكنوا من تحمل ذلك مرة أخرى.
ويضاف إلى ذلك حقيقة أن العملية في رفح لا تحصل على إجماع نسبي. إن دعم خطوات الحكومة والجيش كان ساحقاً بعيد 7 أكتوبر، ووافق جنود الاحتياط طوعاً على وقف حياتهم المدنية للتجند للمعركة. لكن الأمور الآن حساسة أكثر، ومع ازدياد الاعتقاد بأن الحكومة تفضل احتلال رفح على إعادة المخطوفين، فهذه الظواهر قد تتسع. أمس، أرسلت 400 عائلة لجنود نظاميين رسالة إلى غانتس وآيزنكوت، حثوا فيها على العمل على وقف العملية في رفح، بزعم أنها ستكون شرك موت للجنود.
المنافسة على رئاسة “أمان”: استقالة الجنرال أهارون حاليفا من منصبه في رئاسة “أمان” فتحت نقاشاً صاخباً حول هوية وريثه. بعد إعلان رئيس الأركان نية تعيين رئيس لواء العمليات، العميد شلومي بندر، في هذا المنصب، نشر أمس في “أخبار 12” بأن نتنياهو يدفع نحو تعيين الجنرال اليعيزر توليدانو. مكتب رئيس الحكومة نفى ذلك في الرد على سؤال “صوت الجيش”، وأعلن بأنه “لم يتقرر شيء حول الأمر”. عملياً، نتنياهو ليس الشخص المخول باتخاذ القرار، بل سيكون القرار لوزير الدفاع ورئيس الأركان، بمصادقة من رئيس الحكومة. وحتى لو كان هناك من سيقولون إنهم هم أنفسهم شركاء في التقصير، فمن الأفضل أن يبقوا النقاش حول التعيين لمن سيأتون بعدهم. بالمناسبة، هذا ادعاء مهم أيضاً بالنسبة للمرشحين المذكورين اللذين كانا في قيادة الجيش في 7 أكتوبر، وقبل ذلك أيضاً.
شرطة بن غفير: أحداث الفترة الأخيرة بينت إلى أي درجة كانت سيطرة وزير الأمن القومي على الشرطة سريعة وسهلة وكارثية. بصورة لم تكن غير متوقعة، تسببت قافلة الوزير الجمعة بحادثة طرق عندما قطع السائق الإشارة الضوئية الحمراء في مدينة الرملة. وحسب التقارير، فإن حراس بن غفير سارعوا لإنقاذه من السيارة التي انقلبت، ولكنهم لم يهتموا بمساعدة السائق الذي اصطدم بسيارته. بالعكس، صوبوا سلاحهم نحوه، وقال السائق إنه لو إنه لم يظهر لهم سلسلة عليها نجمة داود كان يتقلد بها، لأطلق رجال الشرطة النار عليه.
في اليوم التالي، في المظاهرة الأسبوعية في شارع كابلان، انقض رجال الشرطة على فتاة هتفت في مكبر الصوت “بن غفير مجرم” واعتقلوها. هذه مشاهد غير مقبولة في دولة ديمقراطية.
كانت الشرطة في وضع فظيع حتى قبل أن يترأسها هذا الوزير. ومخالفات السير الكثيرة المسجلة بحقه مشكلة صغيرة في سجل إداناته المكتظة. ولكن نتعلم من ذلك ما يمكن أن يحدث في جهاز لا يقل عنه أهمية، وهو جهاز “الشاباك”. لا يوجد أي خلاف بأن رئيس الجهاز رونين بار يتقاسم مع الجيش ورئيس هيئة الأركان المسؤولية عن الإخفاقات التي سبقت المذبحة. ولكن اليمين يريد تسريع مغادرته لاستكمال السيطرة على قيادة هذا الجهاز، كما يحدث في جهاز الشرطة. وهذا بدأ ينذر بخطر واضح وفوري على الديمقراطية.
المصدر: هآرتس /القدس العربي
قراءة موضوعية لطبيعة المفاوضات إجتياح رفح وموازين القوى داخل مجلس الحرب “الكابينت” الصهيوني، هل إجتياح رفح شرك استراتيجي ينتظر قوات الإحتلال نصبته المقاومة الوطنية الفلسطينية؟ ليغطص به كما يغطس الآن بأوحال غزة؟ لتؤدي إلى نتائج صعبة. ونتنياهو يتفاخر بالتوجيه فقط ولا يرى الحقيقة.