تدل معطيات ميدانية متقاطعة على أن منطقة شرقي نهر الفرات السورية مقبلة على تصعيد عسكري جديد، مع مؤشرات إلى توجّه أنظار قوات النظام المدعومة من الجانب الروسي، للسيطرة على منطقة عين عيسى المهمة في قلب هذه المنطقة التي تضم أطراف النزاع السوري كافة، والتي تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على معظمها، فيما تتأهب فصائل المعارضة السورية المدعومة من الجانب التركي للتدخل في حال حصول أي تطور.
وتناقلت وسائل إعلام موالية للنظام السوري صوراً قالت إنها للعميد سهيل الحسن، قائد الفرقة 25 مهام خاصة في قوات النظام السوري، أثناء زيارة “مفاجئة” له إلى موقع عسكري تابع لهذه القوات من المرجح أنه في منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي. وقالت وكالة “سبوتنيك” الروسية إن الحسن توجّه على متن طائرة حوامة (هليكوبتر) باتجاه منطقة عسكرية سورية في ريف الرقة، مشيرة إلى أنه جال على عدة نقاط عسكرية في المنطقة، والتقى مع عدد من الضباط في قوات النظام المتمركزين في المنطقة.
وفي حال صح ما تناقلته هذه الوسائل، فإن هذه الزيارة هي الأولى المعلنة للحسن، الذي يعد رجل روسيا الأول في قوات النظام، إلى منطقة شرقي نهر الفرات التي تسيطر على معظمها “قسد”. وقاد الحسن معظم عمليات قوات النظام ضد المناطق التي خرجت عن سيطرة الأخير، ويُعتبر من أكثر ضباط النظام وحشية ودموية، واتّبع مع الروس سياسة الأرض المحروقة في الكثير من المناطق. ومن المعروف أن الحسن كان وراء جرائم جماعية أدت لتهجير ملايين السوريين، لا سيما من مدينة حلب وريفها ومن إدلب وريفها إضافة إلى ريف حماة.
وتدل معطيات ميدانية على أن النظام السوري يضع في خططه فرض سيطرة كاملة على المنطقة، فلا يمكن عزل زيارة الحسن عن مجمل التطورات في منطقة شرقي نهر الفرات في ظل سعي “قسد” التي يهيمن عليها الأكراد لترسيخ سلطتها في المنطقة الغنية بالثروات. وكان النظام قد أرسل منذ أيام تعزيزات عسكرية وُصفت بـ”الكبيرة” إلى عين عيسى مؤلفة من 30 سيارة دفع رباعي مزودة برشاشات ثقيلة دخلت مقر اللواء 93 آتية من مدينة الطبقة، إضافة إلى عربات عسكرية روسية مصفحة كانت تسير أمام هذه التعزيزات.
وكانت “قسد” قد أبرمت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، اتفاقاً عسكرياً مع موسكو خوّل الروس والنظام إدخال قوات إلى منطقة شرقي الفرات، في محاولة لمواجهة زحف الجيش التركي في المنطقة. ومنحت قيادة “قسد” الروس وقوات النظام جانباً من مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي لتحويله إلى نقطة تمركز لقوات تابعة للنظام ومن ثم يتم نقلها إلى نقطة تمركز أخرى في مقر اللواء 93 في منطقة عين عيسى والذي كان تابعاً لقوات النظام قبل أن يخرج عن سيطرتها في العام 2014.
وتقع بلدة عين عيسى إلى الشمال من مدينة الرقة بنحو 48 كيلومتراً، أي أنها في قلب منطقة شرقي نهر الفرات ما يمنحهاً موقعاً مهماً كونها تحوّلت إلى عقدة طرق تربط بين مدن وبلدات المنطقة. وانتزعت “قسد” منطقة عين عيسى من تنظيم “داعش” عام 2016، فحولتها إلى نقطة تمركز عسكرية لها، إضافة إلى مقر لبعض المكاتب في “الإدارة الذاتية” الكردية.
في المقابل، تتمركز فصائل المعارضة السورية التابعة لـ”الجيش الوطني” المرتبط بالجيش التركي إلى الشمال من بلدة عين عيسى، وتتابع عن كثب التطورات العسكرية التي تحدث في البلدة. وفي هذا الصدد، أكد المتحدث الرسمي باسم “الجيش الوطني” الرائد يوسف حمود لـ”العربي الجديد”، أن بلدة عين عيسى “لا تزال تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية”، مشيرا إلى أن الوقائع على الأرض لا تشير إلى أن قوات النظام تنوي القيام بعمل عسكري في المنطقة.
ولا تزال منطقة شرقي نهر الفرات محكومة بتفاهمات تركية أميركية من جهة، واتفاق تركي روسي أبرم في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي من جهة أخرى. ونصّ الاتفاق على إبعاد قوات “قسد” نحو 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، على أن يتم تسيير دوريات تركية روسية مشتركة على طول الحدود وبعمق نحو 5 كيلومترات.
وعن احتمالات بدء تركيا عملاً عسكرياً في منطقة عين عيسى، قالت مصادر تركية مطلعة في وزارة الخارجية التركية، لـ”العربي الجديد”، إن أنقرة تروّج وبشكل كبير للعمل العسكري في المنطقة بهدف طرد قيادات في حزب “العمال الكردستاني”، تعمل باسم “وحدات حماية الشعب” الكردية، أو ضمن قيادات في “قوات سورية الديمقراطية”، وتهدف من خلال هذه الحملة والحديث عن الاستعدادات، إلى ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة، من أجل طرد هذه القيادات، مع مواصلة الوحدات الكردية الخروقات في المنطقة التي لا تزال تشهد اشتباكات وعدم استقرار بين فترة وأخرى.
وفيما تحدثت المصادر التركية عن أنه يتم التحضير والاستعداد للعملية العسكرية على المدى المستقبلي، إلا أن مصادر ميدانية تركية أكدت لـ”العربي الجديد”، أن لا شيء على الأرض يشير إلى حصول عمل عسكري مباشر في وقت قريب، فأي عمل عسكري في المنطقة يتطلّب تحضيراً، يسبقه تصعيد إعلامي باتجاه فرض ضغوط على الأطراف الأخرى، قبيل اللجوء إلى آخر الخيارات وهي العسكرية، وهذه الاستراتيجية اعتمدتها أنقرة في العمليات السابقة التي جرت في منطقة عفرين باسم “غصن الزيتون”، وفي منطقة “نبع السلام”، إذ هددت بها قبل فترة، ولكن التنفيذ تأخر بعد وصول الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود، وهو ما يبدو أنه يجري حالياً في منطقة عين عيسى.
المصدر: العربي الجديد