وسائل الإعلام الأمريكية التي تعتمد على مصادر من البنتاغون ومن دولة إسرائيل المتحررة من الرقابة العسكرية، تمكن من فهم تدريجي بشأن طبيعة الموقع العسكري الإيراني الذي هوجم في أصفهان. كان راداراً للدفاع الجوي، وهو جزء من منظومة الصواريخ الأرض – جو الروسية “اس300” التي ساعدت وظيفتها في حماية عدد من المواقع المهمة في المشروع النووي الإيراني. سبقت العملية أيام من التردد داخل المستوى السياسي والأمني في إسرائيل. اعتقد بعض الوزراء أن الهجوم تأجل بلا حاجة، وأنه كان يجب الرد بصورة أشد. إن تعلق الأمر بهجوم مركز ومحدود يسمح لنظام طهران أن يتظاهر بعدم حدوث شيء.
هذا أسلوب جيد لإنهاء جولة اللكمات الخطيرة وغير المسبوقة بين إسرائيل وإيران، لكنها تبقي ميزان الردع بينهما مفتوحاً تحت علامات استفهام ثقيلة: ما الذي سيحدث في المرة المقبلة؟ هل ستمتنع إسرائيل عن عملية اغتيال شخصيات إيرانية رفيعة أخرى أو مهاجمة قواعد حرس الثورة الإيراني في سوريا خوفاً من رد إيراني بآلاف الصواريخ والمسيرات نحو أراضيها؟ هل حصلت إيران على رسالة كافية تقول إن مثل هذا الهجوم على أراضي إسرائيل هو تجاوز مطلق لخط أحمر لإسرائيل؟ الدولتان تجاوزتا قواعد اللعب السابقة مع دفع ثمن محدود من ناحيتهما. التطورات لا تبشر بالخير بخصوص المتوقع لاحقاً.
الرادار المهاجم ينتمي لمنظومة الدفاع بمنشأة “نطنز” النووية، ويبعد عنها وعن منشأة قريبة لتخصيب اليورانيوم في أصفهان نفسها 120 كيلومتراً. نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” بأنه تم استخدام صواريخ أطلقتها طائرات قتالية، ولم يجتز الطيارون الإسرائيليون مجال إيران الجوي. في المقابل، تم قصف قاعدة دفاع جوي إيرانية في جنوب سوريا. أما المنشورات الأخرى عن الهجمات التي وجهت ضد مواقع عسكرية أخرى في إيران، فتبين أنها خاطئة.
لم تنشر إسرائيل أي بيان رسمي تتحمل فيه مسؤوليتها عن الهجوم. ونشرت وسائل الإعلام الأمريكية اقتباسات عن مصادر إسرائيلية مجهولة، أكدت أن الأمر يتعلق بهجوم لإسرائيل. هذه الأمور تظهر بشكل غير مباشر أيضاً في الرد الاستنكاري الذي نشره المؤشر اليميني في الحكومة، الوزير بن غفير، في حسابه بتويتر (“مسخرة”). ينشغل بن غفير بالأساس بتصفية الحسابات السياسية مع رئيس الحكومة، نتنياهو، لكنها تغريدة اعتبرها الخارج تحملاً غير مباشر للمسؤولية. قلصت إسرائيل حتى الآن العمل من الجو في أراضي إيران. قبل سنتين تقريباً، نشر عن تدمير مصنع في إيران لإنتاج المسيرات، بهجوم من مسيرات إسرائيلية في مدينة كرامانشاه. خلال سنوات، حدثت عمليات اغتيال نسبت لإسرائيل في الأراضي الإيرانية، وجهت لشخصيات رفيعة في المشروع النووي.
لكن الهجوم الأخير لا يمكن فصله عن الـ 15 سنة من التقارير عن استعداد إسرائيل لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. هذه عملية إسرائيلية مركزة وناجحة في وقت تم إحباط هجوم إيران، بمساعدة دول غربية ودول في المنطقة. وقد أثبتت قدرة على اختراق منظومات الدفاع الجوية في إيران والمس بهدف محدد بدقة كبيرة.
يبدو هذا مثل محاولة لإرسال رسالة مزدوجة. أولاً، الرد على هجوم الصواريخ والمسيرات الاستثنائي من إيران. ثانياً، التذكير بأن إسرائيل إذا قررت، فإنها تستطيع المس بالمشروع النووي. ومن غير المؤكد أن إيران ستفسر الأمور في الاتجاه المرغوب لإسرائيل. وأشارت جهات رفيعة في حرس الثورة الأسبوع الماضي إلى أن بلادها تفحص انعطافة نحو القدرة النووية الكاملة وبشكل علني بعد سنة ظهر فيها تقدم جديد نحو هذا الهدف. وحسب “نيويورك تايمز”، قد يسرع هجوم إسرائيل اتخاذ قرار إيراني للدفاع عن المنشآت النووية من خلال تحسين منظومة الدفاع الجوية، ونقل قدرات نووية أخرى إلى عمق الأرض وإلى وضع قيود أخرى أمام الرقابة الخارجية للوكالة الدولية للطاقة النووية.
من الجدير الانتباه أيضاً إلى تداعيات التصعيد الإقليمي على الأردن. فسلاح الجو الأردني شارك في اعتراض المسيرات التي أطلقت من إيران نحو إسرائيل بذريعة أنها تجاوزت المجال الجوي للمملكة. هذا الأمر يستدعي تهديد طهران، التي هي في الأصل تنقب فيما يحدث في الأردن وتعمل على تقويض النظام الملكي. ويضاف التوتر إلى تزايد مظاهرات الإخوان المسلمين ضد الملك عبد الله، التي تطالب بإلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل بسبب الحرب في غزة.
يبدو أن هجوم إسرائيل الأخير يؤكد الفجوة القائمة الآن في القدرة على المس الدقيق، بين إسرائيل وإيران. هذا لا يعني أن الإيرانيين مردوعون بالضرورة. فقد سبقت العملية أيام تردد في المستوى السياسي والأمني في إسرائيل. ومن المرجح الافتراض أن موقف نتنياهو هو الذي حسم، الذي يبدو أنه استمع في هذا الشأن لتوصيات أمريكا. فقد أرادت الإدارة الأمريكية بدون شك إنهاء جولة اللكمات والعودة إلى سياسة الاحتواء.
ستحاول إسرائيل جباية الثمن من الأمريكيين بالضغط من أجل فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية أكثر شدة على إيران. العقوبات على نظام إيران ضعفت جداً في الوقت الذي يعود فيه المضي بالمشروع النووي ويساعد الإرهاب في أرجاء الشرق الأوسط. يتم الكشف بين حين وآخر عن خطط إيرانية لعمليات إرهابية في الغرب، بالأساس المس بمعارضي النظام الذين وجدوا ملجأ لهم هناك.
حتى لو تحقق الاحتواء المأمول، يبدو أن ما سيبقى في الذاكرة الإقليمية من أحداث نيسان هو أن إيران تجاوزت استراتيجيتها التي استمرت سنوات كثيرة واختارت الهجوم على إسرائيل. من السابق لأوانه معرفة إذا كان هذا استثناء مؤقتاً أو دليلاً على انعطافة شمولية. الوضع في الشرق الأوسط ما زال خطيراً جداً. وأي تطور آخر، مثلما في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، يقرب إلى حرب إقليمية شاملة، النهاية لا تظهر للعيان حتى في المعارك الأخرى التي تتورط فيها إسرائيل في غزة ولبنان والضفة الغربية.
تدخل روسيا
في الأسبوع الماضي نشرت الصحيفة عن تقديرات بعض المصادر الغربية التي شجعت روسيا بشكل نشط هجوم إيران على إسرائيل كجزء من استراتيجية شاملة لموسكو، التي هدفت إلى التصعيب على الدول الغربية والزامها بتكريس الاهتمام والموارد لمناطق توتر أخرى، على حساب مساعدتها لأوكرانيا. في هذه الأثناء، نشرت “واشنطن بوست” وثيقة سرية، التي تم -حسب ما جاء فيها- تسلمها من جهاز مخابرات في أوروبا. الوثيقة التي صيغت في وزارة الخارجية الروسية ترسم خطة لإضعاف مكانة الولايات المتحدة واستغلال الحرب في أوكرانيا لترسيخ نظام عالمي جديد، يكون أكثر تحرراً من الهيمنة الأمريكية.
في الوثيقة، التي صيغت في نيسان 2023، دعت وزارة الخارجية إلى القيام بـ “حملة دعائية هجومية” إضافة إلى خطوات أخرى ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وحسب الصحيفة، فإن الوثيقة ترسخ تقديرات يسمعها مراقبون في موسكو منذ فترة طويلة: نظام الرئيس فلاديمير بوتين يدير “حرباً هجينة” ضد الغرب، تهدف إلى تخريب دعم أوكرانيا وتقويض الاستقرار الداخلي في الولايات المتحدة والدول الأوروبية باستخدام الدعاية وتشجيع النشطاء المتطرفين والانفصاليين في هذه الدول.
هذه العملية تندمج مع تعزيز العلاقات في الساحة الدولية بين روسيا والصين، وإيران وكوريا الشمالية، من خلال محاولة تغيير ميزان القوة أمام الغرب. إسرائيل في وضع متميز؛ لأنها مهددة من قبل هذا التحالف من جهة، ومن جهة أخرى، يتحفظ الغرب من خطواتها في غزة. وزارة الخارجية الروسية ردت على سؤال “واشنطن بوست” بأنها لا تتطرق إلى “وجود أو عدم وجود وثائق داخلية. يمكننا التأكيد أننا ننوي مواجهة الخطوات العنيفة التي اتخذها الغرب كجزء من الحرب الهجينة ضد روسيا”. في السنة الماضية منذ كتابة الوثيقة، تغير عامل أساسي في صورة الوضع الدولي، بصورة تشجع موسكو: احتمالية فوز ترامب الكبيرة بالرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني القادم.
المصدر: هآرتس/ القدس العربي
الكيان الصhيوني ونظام ملالي طهران الصراع بينهما صراع حول حدود النفوذ بالمنطقة كمياً ونوعياً، لذلك فإن الرد الإيراني ومن ثم الرد الصhيوني تحكمهما توجيهات المايسترو الأمريكي الراعي الأكبر للعمليات، لذلك حققت إSرائيل بتدميرها الرادار الكبير بأصفهان إنتصار يسمح لها مستقبلاً المناورة، بالرغم من عدم إعترافها بالعملية.