ثمة اعتقاد أن مرحلة ما بعد الرد الإيراني المنسق على إسرائيل مختلفة عما قبلها في المنطقة، فقد سمح الرد بجلاء بعض النقاط الغامضة في الصراع، وفتح الباب على تفسيرات جديدة لبعض المفاهيم، سياسياً وعسكرياً، فعندما استهدف الإسرائيليون مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، خارقين الخطوط الحمر، أجبروا النظام الإيراني على القيام بخطوة تُعيد إليهم الهيبة التي جرى ضرب صورتها بشكل فاقع دون حساب نتائج محتملة لهذه الضربة.
فبعد الهجوم الإيراني غير المسبوق على إسرائيل، دخل النزاع الدائر في الإقليم مرحلة جديدة بالتزامن مع تلويح إيران بمعادلة ردع جديدة قائمة على الرد، وبذلك تتذرع إسرائيل بأنها ملزمة بالرد على الرد لكي لا تتكرس المعادلة التي أوجدتها طهران.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية الحالية حققت نقاطاً قوية لمصلحتها في طريقة إدارة إحباط الهجوم الإيراني وفي طليعتها إبراز تفوقها التكنولوجي المزود بأنظمة ذكاءات اصطناعية، إلا أن ذلك لا يعني منح رئيس حكومة الحرب اليمينية الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضوءاً أخضر لأخذ المنطقة إلى حرب مجهولة العواقب، وخاصة أن الأخير يسعى منذ الضربة الإيرانية للاستفادة من حالة البرودة بينه وبين قادة العالم الغربي نتيجة المجازر الوحشية وتحويلها لفرصة لتدجين الموقف وذلك على أبواب انتخابات رئاسية صعبة، بعدما كان من المفروض أن يكون هو مَن يعمل على وقف جنون نتنياهو.
وإسرائيل التي أبلغت الإدارة الأميركية أنها لا تريد أن تكون لإيران الكلمة النهائية في هذه المعركة، أي أن تكون فيها إيران قادرة على القيام بهجوم مباشر عليها رداً على استهدافها في سوريا، لذا خرجت بعض الأصوات في الإدارة الأميركية والتي دعت إلى الرد على اندفاعة إيران من خلال ضرب المنشآت النووية الإيرانية، لكن السياسة الأميركية المتعارف عليها منذ إنشاء جمهورية ولاية الفقيه الإيرانية تقوم على حرص الإدارات الأميركية على اختلافها على عدم تحويل إيران من خصم إلى عدو، وهنا تكمن أسباب التوتر الإسرائيلي.
لكن في الوقت نفسه فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المتساهلة مع إيران حد السماح بالتحايل على عقوبات صادرات النفط والتي زادت إيرادات نقدية لطهران، باتت واشنطن مقتنعة بضرورة حصول رد إسرائيلي وذلك بهدف إبقاء معادلات الردع السابقة هي السائدة، شريطة أن تكون الضربة استراتيجية ومحدودة في آن معاً، والابتعاد عن الضربات العشوائية، لذا فقد يتأخر الرد الإسرائيلي إلى ما بعد إقرار الكونغرس الأميركي المساعدات المالية لحكومة الحرب قبل نهاية هذا الأسبوع.
من هذا المنطلق يمكن التركيز ملياً في جوانب تأخر نتنياهو في الهجوم على رفح، باعتبار أن إسرائيل لا يمكنها في الوقت الحالي الجمع بين جبهة غزة ولبنان والرد على الضربة الإيرانية في آن واحد، نتيجة الواقع السياسي والشعبي الملتهب في الشرق الأوسط، من هنا يمكن تسجيل مجموعة ملاحظات لها سياقاتها ودلالاتها:
أولاً: فإن الرد الإيراني والذي قد يترتب عليه رد مباغت إسرائيلي قد يستهدف بديلاً عن العمق الإيراني مواقع محددة للحرس الثوري وحزب الله في سوريا، من هنا يبرز التخوف لدى النظام السوري، في ظل ما تسرب منذ أيام عن رئيس النظام بشار الأسد عن خوفه من أن تطول الردود الإسرائيلية مرافق للنظام، ويمعن الأسد في سرد خوفه الشديد من أن يجري تركه في هذه اللحظة الفارقة إما للاغتيال السياسي أو النفي باتجاه الساحل السوري في إطار الرغبة الإسرائيلية والعربية بقطع طرق الإمداد الإيراني إلى لبنان والبحر المتوسط، لذا ينشط الأسد ومدير مخابراته على إرسال إشارات إلى دول عدة حليفة لإسرائيل في ظل الانشغال الروسي عن النظام في الحرب الأوكرانية.
ثانياً: تتحدث أطراف إقليمية وعربية عن تخوفها من انفجار الأوضاع الشعبية عبر توظيف تداعيات حرب غزة في العواصم العربية والساحات ذات الطابع السني، من هنا تعزز دول عربية تشاوراتها مع محيطها وتنسيقها، من هنا أتت زيارة رئيس الإمارات إلى مصر والتي تبعها زيارات بين مصر والأردن والبحرين والاتصالات المفتوحة مع تونس والمغرب، وخاصة أن بوادر “ربيع عربي” بدأت تظهر في الأردن في ظل التحالف الحاصل بين جماعة الإخوان المسلمين وايران مؤخراً، ما يعني أن ما يجري في غزة ولبنان قد يشعل ويحفز دولاً أخرى للتحرك، لذا تنشط الإمارات ومصر لإدارة الأزمة في ظل انكفاء سعودي.
ثالثاً: يبدو اليوم أن أولوية إيران هي حماية نظامها السياسي الديني، وبالتالي ثمة ضرورة لعدم الانزلاق في حروب مباشرة تؤدي إلى استنزاف إيران، كما حصل سابقاً مع عراق صدام حسين، من هنا يتبدى التركيز الإيراني بعد الرد على إسرائيل، في المضي بكل ما من شأنه تخفيف الحصار الذي تتعرض له ورفع العقوبات عن استثماراتها الحيوية وتحديداً قطاع النفط والذي لا تزال إيران مضطرة لبيعه عبر أساليب التهريب والشركات الوهمية، وبأسعار منخفضة.
هذا المسار يستلزم عقد تفاهمات جزئية مع واشنطن وتحديداً من خلال الحرص الإيراني على عودة الديمقراطيين إلى سدة الرئاسة الأميركية في ظل التسابق المحموم بين دونالد ترامب وجو بايدن، من هنا تظهر خلفيات الخوف الإسرائيلي وتحديداً لدى تحالف اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو عبر بحثه المستمر عن ثغرة تطيح بكل اللقاءات السرية بين واشنطن وطهران برعاية سلطنة عمان وقطر.
رابعاً: على المستوى الخليجي فإن السعودية التي أجرت مفاوضات شاقة مع الإدارة الأميركية حول ما يمكن أن تحصله الرياض من جراء التطبيع مع إسرائيل، وما أشيع عن مكاسب كبيرة تضمنت برنامجاً نووياً سلمياً ورفع مستوى تسليحها ومعاهدة حماية استراتيجية من أي اعتداءات خارجية، لذا فإن السعودية اليوم باتت تخشى من توسع رقعة النزاع ما سيقوض حصولها على هذه المكاسب المشروطة باعتراف إسرائيل بحل الدولتين والتي باتت شبه مستحيلة اليوم بعد طوفان الأقصى، من هنا فإن الأطراف العربية تلحظ انكفاء سعودياً لافتاً عن الفعل السياسي وخاصة أن حزب الله فتح خطوط التحالف مع الإخوان المسلمين في لبنان والأردن والعراق وقد يطاول الأمر إخوان سوريا ودول المغرب العربي إذا استمرت الفرملة العربية والخليجية والتردد التركي.
في النهاية فإن مرحلة ما بعد الرد الإيراني هو ظهور مفهوم السلاح، سواء كقوة حاسمة في الهجوم أو كقوة رادعة في الدفاع. لكن الوقائع تشير أنه لم يستخدم الإيرانيون مسيراتهم المتطورة وصواريخهم الباليستية بطريقة تقليدية، أي من أجل إصابة أهداف في إسرائيل وإيقاع خسائر بشرية ومادية في البنى العسكرية أو الاقتصادية. فقط، أرادوا استخدام وهج السلاح لِثَني الإسرائيليين عن المضي في تجاوز الخطوط الحمر ضد قادتهم ومواقعهم العسكرية، إنها معادلة صعبة ومعقدة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
نظام طاغية الشام تحت وصاية ملالي طهران وسورية بسلطة الطاغية تحت إحتلال ملالي طهران وأذرعته الطائفية الإرهابية، ما يجري ويقرره نظام ملالي طهران يسري عليه، فهل سيكون هناك رد من ملالي طهران على قصف قوات الإحتلال الصهيوني لأصفهان؟ ونظام ملالي طهران تحكمه #الصبر_الاستراتيجي و #التصعيد_المنضبط ، ولا يسعها إزعاج المايسترو الأمريكي.