إيران “هجوم النحل”

مالك داغستاني

بينما بدأت مجموعات من عشرات الأشخاص من أنصار الولي الفقيه، احتفالاتها في شوارع بعض المدن الإيرانية، إثر إعلان الحكومة إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ التي ستصل إلى إسرائيل بعد ساعات قليلة، فإن آلاف المواطنين هرعوا ليصطفوا في طوابير طويلة من العربات أمام محطات الوقود في معظم أرجاء الجمهورية. دافعهم الشعور بالقلق إزاء العواقب الاقتصادية المترتبة على مزيد من التصعيد، واحتمال نشوب حرب واسعة.

في إسرائيل حيث كان الوقت مبكراً على الإحساس بالنصر. سيطر الخوف، فانطلق الناس ليحتموا في الملاجئ. الخبر لا يبدو مزاحاً، فقرابة 200 طائرة انتحارية مسيرة، تقطع مئات الكيلومترات باتجاه أهدافها، إضافة إلى أكثر من مئة صاروخ باليستي وعشرات صواريخ كروز، ستنطلق لاحقاً لتصل بشكل متزامن مع الطائرات. إنه مشهد مرعب، يستدعي للذهن صور أسراب مئات الطائرات وهي تتوجه لتدمير المدن في الحرب العالمية الثانية.

بدا الأمر وكأنه محاولة عرض للقوة الإيرانية في سماء إسرائيل والضفة الغربية، وأكثر من ذلك، كان عرضاً جوياً نارياً في أجواء الإقليم. فيما بعد سوف يُجمع المحللون العسكريون على أنه مشهدٌ تم تصميمه بدقة عالية، استغرق التخطيط له أسبوعين، كي لا يتمكن سوى عدد قليل من الصواريخ من العثور على الأهداف المقصودة والمنتقاة بعناية. الأمر بدا مُتعمّداً من الجانب الإيراني المهاجم، الذي لم يستخدم سوى عدد محدود من الصواريخ الدقيقة المتطورة، فيما كانت بقية عدَّة الهجوم من أجيال قديمة.

قبل الهجوم الذي حمل طبيعة غير مسبوقة، كانت هناك إشارات دبلوماسية سمحت للجانبين إمكانية ادّعاء الانتصار قبل ختام المشهد. في صباح اليوم التالي للهجوم احتفلت إسرائيل بصدّ الهجوم، حيث تمكنت من إظهار براعة عسكرية، بالتنسيق مع الحلفاء طبعاً، في إسقاط الطائرات الانتحارية والصواريخ، وحمت مواطنيها من “الهجوم الإيراني الشرير”.

حكومة نتنياهو أنقذت نفسها من انتقادات كالتي طالتها بسبب مقتل مئات الإسرائيليين يوم هجوم حماس في السابع من أكتوبر. حيث لم تُسجل في الهجوم الإيراني أي إصابة، باستثناء طفلة من بدو صحراء النقب “آمنة الحسوني”، أصيبت بجروح خطيرة، وهكذا إصابة، كما يمكنكم التخمين، لن تعني للرأي العام الإسرائيلي شيئاً.

كان على الهجوم الإيراني، كما تم الإعداد له، أن يفشل عسكرياً في إسرائيل، كي لا تترتب عليه تبعات أكبر، لا يرغب الطرفان بها، وأن ينجح في إيران، لتحتفل إيران الرسمية بالنصر الكبير، وقد فعلت. رغم أن المعارضة الإيرانية حاولت التشويش على هذا (النصر)، فرأت أن “استراتيجية هجوم النحل”، التعبير الذي ثابر المسؤولون الإيرانيون عل ترداده، وهم يتحدثون عن تدمير إسرائيل طوال السنوات الماضية، قد باءت بالفشل ولم تحقق أي شيء.

صباح يوم الإثنين خرجت الصحف الإيرانية الموالية للمرشد الأعلى بعناوين مثيرة، ستغدو طوال النهار مجال تندر الإيرانيين، بعد أن سخروا من الهجوم ذاته في اليوم السابق. “إيران تفتح أبواب جهنم على إسرائيل”، “ليلة ميلاد شرق أوسط جديد”، “إرساء معادلة دولية جديدة”، كانت تلك بعضاً من عناوين الصحف الموالية لخامنئي والحرس الثوري، التي صدرت صباح 15نيسان/أبريل، وهي تغطّي الهجوم الإيراني على إسرائيل.

الطريف أن صحف الإصلاحيين، وكانت قبل يوم، تحذر من مثل تلك الخطوة، اضطرت هي أيضاً لمجاراة الإعلام الموالي، وإن على نحوٍ خجول وغير متبجّح. سيطر الرعب على عموم الشارع، بعد بيان من المخابرات الإيرانية طلبت فيه من المواطنين الإبلاغ عمن يروّج للرواية الإسرائيلية عن الهجوم، على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها. وفعلاً أعلن مكتب المدعي العام في طهران عن تقديم شكوى ضد صحيفة “اعتماد”، كما استدعى الصحفيين عباس عبدي ويشار سلطاني ومخرج الأفلام الوثائقية المعروف حسين دهباشي للنيابة العامة، على خلفية الكتابة بما يتعارض مع رواية النصر الإيرانية.

كان لافتاً في كامل المشهد، الانحياز الصريح والواضح لمجموعة من المعارضة الإيرانية، خصوصاً المؤيدة لعودة الملكية، إلى الجانب الإسرائيلي. بعضهم نشر صوراً لكتابات على الجدران باللغتين الإنكليزية والفارسية، إحداها تدعو إسرائيل لضرب إيران ردّاً على الهجوم، وأخرى تَعِد إسرائيل بالقيام باحتجاجات شعبية لإسقاط النظام، فيما لو قامت الأخيرة بالانتقام لهجوم يوم السبت.

في المنطقة العربية، وباستثناء الموالين للمحور الإيراني، كانت السخرية من الهجوم هي الغالبة. وهذا مفهوم على المستوى الشعبي الذي ضاق من مرارة التدخل الإيراني خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكن للحقيقة وبعيداً عن تلك السخرية، فإن شيئاً أساسياً في قواعد اللعبة قد تغيّر مع هذا الهجوم غير المسبوق، حيث اضطرت إيران للانتقال من حرب الظلّ مع إسرائيل عبر الأذرع والوكلاء في المنطقة، إلى نوع من المواجهة المباشرة التي تجنبتها خلال عقود.

على مدى أسبوعين، كان قادة النظام الإيراني يبحثون عن إجماع داخلي حول الرد على العملية الإسرائيلية التي استهدفت قنصليتهم في دمشق. ردٌّ يمكن أن يقنع الرأي العام داخل البلاد، ويكون بمنزلة الرادع لإسرائيل، ولا يؤدي في الوقت نفسه، إلى انتقام إسرائيلي موسَّع.

كانت تريد القول، وقد نجحت بذلك، أنها لا تشبه أنظمة المنطقة التي بلا حَوْل، وبصورة أوضح كانت تريد أن تبدو وكأنها “عملاق في وادي الأقزام”. وقد وصلت الرسالة، فقد احتاجت إسرائيل إلى أسبوعين من التحضيرات للرد على هجومٍ أُعلن عنه سلفاً، مستعينة بأقوى الحلفاء.

لكن هل كانت إيران تستطيع أن تحدث دماراً وتوقع ضحايا في إسرائيل؟ الجواب هو نعم بالتأكيد من الناحية العسكرية، لو لم تحصل تلك الترتيبات الدبلوماسية المسبقة التي جرى العمل عليها. لكن إيران التي تستطيع ذلك لا تريده في واقع الحال. فمهاجمة إسرائيل ستعني تعرضها لهجوم دولي غير مسبوق، ما قد ينهي مشروعها في المنطقة، والأهم أنه قد يودي إلى سقوط النظام، وهو ما تخشاه إيران أكثر من أي أضرار اقتصادية أو في الأرواح قد تلحق بالشعب الإيراني، فالبشر لا يعنون كثيرا في حسابات نظام طهران، وهو من هذا الجانب لا يختلف عن أي نظام ديكتاتوري آخر.

من جهته، بعد هدأة الهجوم، تابع الشعب الإيراني المقموع والمُجوَّع، مراقبة أسعار السلع في بلاده التي أفقرتها مشاريع النظام الخارجية وفساده الداخلي، وهو اليوم يتساءل عن معنى زيادة الضرائب بمقدار 50 بالمئة، رغم الغلاء الذي تعاني منه الجمهورية. وعن معنى زيادة ميزانية الحرس الثوري بمبلغ 15 ألف مليار تومان عام 2024، لتصبح أكثر من 124 ألف مليار تومان (ليس هناك خطأ في كتابة الأرقام كم يمكن أن يخطر لكم). وفي الوقت نفسه، ينتظر نوع الرد الإسرائيلي الذي سيكون كالهجوم الإيراني محسوب ودقيق، ودون أخطاء قد تجر البلدين، عبر سوء التقدير، إلى مواجهة أوسع.

مثل كل الشعوب المحكومة بالديكتاتوريات التي تقمع حريّة التعبير، يتعكّز الشعب الإيراني على النكتة. مئات النكات انطلقت مع بدء الهجوم، ففي إشارة إلى سوء الصناعة الإيرانية ومنها صناعة السيارات تداول الإيرانيون: “لو تبرعت إيران بسيارات (برايد) لإسرائيل بدلاً من هذه الطائرات والصواريخ، لكانت الكلفة أقل ولتسببت في مزيد من الضرر”. وفي طرفة أخرى تغمز من الأعمار الكبيرة للملالي الذين يحكمون طهران توجّه الإيرانيون إليهم بالقول “لو ألقيتم عليها حفاضاتكم، لكانت إسرائيل على الأقل مشغولة بالتنظيف”.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مسرحية سيئة الإخراج لرد نظام ملالي طهران على قصف مبنى لقنصليتها بدمشق، وليس من أجل تحرير القدس، أو وحدة الساحات لـ #حلف_المقاولة_والمماتعة، مسرحية تم الإعداد لها أكثر من اسبوع بمسيرات لم تصل لفلسطين المحتلة، وصواريخ بعضها بدون حشوة تفجيرية وصل منها خمسة، الجميع سخر لضعف الإخراج، إلا المحنبكجية لـ #حلف_المقاولة_والمماتعة.

زر الذهاب إلى الأعلى