السبت خرج آخر جنود الجيش الإسرائيلي من خان يونس. بعد حوالي أربعة أشهر، انتهت الآن العملية العسكرية في المدينة، التي كان الجيش الإسرائيلي يراها الثانية من حيث الحجم منذ بداية الحرب. ضابط وثلاثة جنود من لواء الكوماندوز، الذين قتلوا ظهر أمس في مواجهة مع خلية مسلحة، سيكونون آخر القتلى الإسرائيليين في هذه المرحلة من الحرب. عملياً، لم تبق أي قوات عاملة للجيش الإسرائيلي في جنوب القطاع. يحتفظ الجيش بطاقم حربي لوائي واحد من لواء “الناحل” في القطاع، في الممر الذي يفصل القطاع شمالاً وجنوباً. بعض الألوية الأخرى موجودة خارج القطاع، وستدخل إليه لتنفيذ اقتحامات لمواقع عسكرية لحماس حسب الحاجة.
الجيش الإسرائيلي، ومعه نتنياهو، يبرزان الآن إنجازات معركة خانيونس، بسحق جزء كبير من الكتائب اللوائية الأربعة لحماس في المدينة، وقتل آلاف الأعضاء فيها، والمس بالقادة. يحدث هذا قريباً من نشر بيانات عن ستة أشهر من القتال (الجيش، بتقدير غير مبالغ فيه، يعتقد أنه قتل حوالي 12 ألف مخرب في الحرب). ولكن تجدر الإشارة إلى أن هدفي العملية الرئيسين في خانيونس لم يتحققا. قائدا حماس البارزان في القطاع، يحيى السنوار ومحمد ضيف، ما زالا على قيد الحياة حرّين. حتى إنه لم يتم إحراز أي اختراقة في عمليات التمشيط للبحث عن المخطوفين الإسرائيليين باستثناء إنقاذ اثنين من المخطوفين في رفح قبل حوالي شهرين.
وصل الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” إلى الأنفاق التي يختبئ فيها السنوار طوال الحرب. وعثر فيها على غرف قيادة لحماس ووثائق شخصية وأدوات للسنوار، وغرف وأقفاص تم احتجاز المخطوفين فيها كـ “درع بشري”. منذ ذلك الحين، تحرك السنوار كما يبدو بين مواقع أخرى في منشأته التي تم حفرها تحت الأرض في خانيونس.
من المرجح الافتراض أن السنوار والضيف سيقتلان أو سيعتقلان في نهاية المطاف إزاء الجهود المستثمرة في ذلك. الرجل رقم 3 في المنظمة في القطاع، مروان عيسى، قتل إثر هجوم جوي الشهر الماضي، بعد أن تجاوز قواعد الأمان المشددة التي تبناها كبار قادة حماس. ربما ستكون هناك اختراقة أيضاً بشأن إنقاذ مخطوفين. ولكن يجدر قول الحقيقة للجمهور: القتل والدمار الهائلان اللذان تخلفهما قوات الجيش الإسرائيلي في القطاع مع خسائر غير قليلة في طرفنا، لا تقرب في هذه المرحلة تحقيق أهداف الحرب. يمكن ملاحظة التفكيك التدريجي لقدرات لحماس السلطوية والعسكرية، وليس هزيمة قريبة لها. لسنا على بعد خطوة من النصر، كما أكد أمس نتنياهو، بدون أي صلة بالواقع ورغم المعنويات العالية للقادة والجنود الذين بدون صلة بمواقفهم السياسية يشخصون التضليل.
إلى أين نحن ذاهبون؟ هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة: تصعيد آخر مع إيران وحزب الله عقب انتقام إيران على عملية اغتيال زاهدي، وتقدم مفاجئ في المفاوضات مع حماس حول صفقة تبادل أو عملية عسكرية جديدة في القطاع حيث التوجه الأساسي نحو اقتحام رفح (وثمة احتمالية بديلة، وهي مهاجمة بعض مخيمات اللاجئين في وسط القطاع). إضافة إلى النصر المطلق، يعد نتنياهو باحتلال رفح طوال الوقت. صحيح أنه جرت استعدادات عملياتية أولية لذلك، لكنها خطوة تحتاج لتركيز جديد للقوات في جنوب القطاع، وبالأساس استكمال خطة ضخمة لإخلاء 1.4 مليون شخص من المدنيين، يتجمعون الآن في المدينة.
أخلى الجيش الإسرائيلي معظم سكان شمال القطاع بالقوة في نصف السنة الأخير، وبعد ذلك سكان خان يونس نحو الجنوب. الانسحاب من خان يونس سيمكن انتقال المدنيين من رفح إلى الشمال نحو خان يونس بدون إزعاج. ولكن يبدو أن إسرائيل لا تتعامل بجدية كافية مع تغير مواقف الدول الغربية من إمكانية احتلال رفح. الإدارة الأمريكية لا تتردد في إعلان معارضتها لذلك. في الأسابيع الأخيرة، جرت محادثات بين جهات رفيعة أمريكية وإسرائيلية حول خطط الجيش الإسرائيلي في رفح. في محادثة مع وزير الدفاع غالنت، تمت مناقشة تفاهمات محتملة؛ يبدو أن محادثة “الزوم” مع مقربين من رئيس الحكومة، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، كانت متوترة أكثر.
تحفظ الغرب لا يستند فقط إلى الخوف على سكان رفح. هناك انتقاد آخذ في الازدياد بشأن السياسة الإنسانية التي تتبعها إسرائيل والأضرار التي تتسبب بها لسكان القطاع. في الوقت الذي تنفذ فيه إسرائيل الرسمية سياسة تجويع في القطاع، تحول المجتمع الدولي إلى منتقد أكثر. قصف قافلة السيارات في الأسبوع الماضي الذي قتل فيه سبعة من عاملي منظمة إغاثة أجنبية بنار مسيرة إسرائيلية، سيؤدي الآن إلى مزيد من الضغط على إسرائيل لإزالة الاختناقات في نقل المساعدات. حين تستكمل إقامة الرصيف الأمريكي في جنوب مدينة غزة، فالهدف هو نقل 2 مليون وجبة في اليوم إلى القطاع عبر البحر.
تفويض للاستماع
المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس حول صفقة تبادل استؤنفت أمس عند ذهاب بعثة إسرائيلية أخرى للمحادثات في القاهرة مع ممثلي دول الوساطة، الولايات المتحدة ومصر وقطر. وقبل المحادثات، قدمت مصادر سياسية وأمنية إحاطة لوسائل الإعلام الإسرائيلية وكأن مجلس الحرب قرر إعطاء تفويض أوسع للبعثة بعد فترة طويلة قيد فيها نتنياهو طبيعة المفاوضات. والولايات المتحدة التي تستخدم ضغطاً كبيراً على الطرفين للتقدم نحو إنهاء الصفقة، تبث رسائل متفائلة.
هذه تسريبات من الجدير أن تؤخذ بدرجة من التشكك. عملياً، تعلمنا التجربة أن البعثات الإسرائيلية الأخيرة أرسلت بالأساس مع تفويض للاستماع. وإذا كان بحق هذا هو التفويض، فسيكون من الصعب جداً التقدم. يصعب التحرر من الانطباع بأن نتنياهو لم ينحرف عن موقفه. فهو غير متحمس لعقد الصفقة، لكن له مصلحة كبيرة أن يبث للجمهور الإسرائيلي بأنه قد بذل كل الجهود، وأن حماس هي التي أفشلت المفاوضات. في هذه الحالة، قد تهب حماس لمساعدته. يلاحظ السنوار الآن الشرخ الآخذ في الاتساع بين إسرائيل وأمريكا، الأمر الذي قد يحثه على التصلب في مواقفه.
تريد حماس حلاً لثلاث نقاط كجزء من مفاوضات على صفقة بنبضتين، التي سيتم فيها في البداية إطلاق سراح 40 مخطوفاً، نساء وكبار سن ومصابين. وتطالب حماس بوقف إطلاق النار وانسحاباً شاملاً للجيش من القطاع (حتى لو كان لدى إسرائيل والولايات المتحدة نية بحدوث هذا الأمر بشكل مواز للنبضة الثانية التي سيتم فيها إعادة باقي المخطوفين) وإنهاء تقسيم القطاع بواسطة الممر. وتطلب إسرائيل -هذا موقف يؤيده وزير الدفاع ورئيس الأركان- عدم السماح لرجال حماس بالعودة من جنوب القطاع إلى شماله من خلال اجتياز الممر. ولكن حماس صممت على ذلك، وحتى إنها رفضت مناقشة النسبة العددية لإطلاق سراح السجناء حتى تسوية هذا الخلاف.
قد يؤدي هذا إلى فشل وتفجير آخر في المحادثات، إلا إذا صمم المفاوضون مع نتنياهو على توسيع التفويض. هذه الخطوة قد تحث الوزير غادي آيزنكوت، عضو مجلس الحرب، على اتخاذ خطوة علنية خاصة به أخيراً. الجمهور في إسرائيل ينتظر البشرى، وبالأساس ينتظر المخطوفين الذين يموتون في أنفاق حماس. نتنياهو، الذي بصعوبة قد ذكر المختطف العاد كتسير من “نير عوز” الذي أعيدت جثته إلى البلاد في نهاية الأسبوع الماضي، يظهر انغلاقاً لذلك، في حين أن مؤيديه المتطرفين في الشوارع يقومون بمضايقة مظاهرات أبناء عائلات المخطوفين. ولكن قد يحرك ضغط الجمهور المتزايد شيئاً ما لدى بعض أعضاء الكابينت.
المصدر: هآرتس /القدس العربي
قراءة من داخل الكيان الصhيوني عن مسيرة المفاوضات لتبادل الأسرى والهدنة، كُلٍ منهم يسعى لأجندته الخاصة من خلال هذه المسيرة، نتNياهو يسعى لإطالة الحرب لتحقيق إنتصار شخصي، وبايدن يسعى لتحقيق الهدنة وتبادل الأسرى مهما كانت متطلباتها، لأنه على أبواب الإنتخابات الرئاسية.والمقاومة تحمل متطلبات شعبنا، والجميع ينتظر.