تبدو الأمم المتحدة، مع تعدد الأزمات من حول العالم، سواء كان الأمر يتعلق بالحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا أو التصعيد في الشرق الأوسط وحرب غزة والتصعيد في جنوب لبنان أو في اليمن وغيرها، عاجزة عن إنهاء أي موجات للعنف والدمار وقتل للأبرياء.
ويأتي ذلك بالرغم من أن تأسيس المنظمة الأممية في عام 1945، ارتكز على ثلاثة أسس، هي التنمية والسلام والأمن وحقوق الإنسان. فهل يمكن للإصلاحات أن تفك الحصار المستمر الذي تفرضه الدول الخمس الدائمة العضوية وصاحبة حق النقض عن الأمم المتحدة، خاصة في ظل “الفيتو” الذي كثيراً ما يشل قراراتها ويعرضها للانتقادات.
تمثيل أكثر عدالة للأقطاب
وبينت قراءات وانتقادات مثارة أن مجلس الأمن لم يعد يمثل مختلف مناطق العالم كما كان عند تأسيسه، مع استذكار لمواقف الخارجية الألمانية تظهر قبل عامين أنه بدون تكيف مجلس الأمن مع الحقائق الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين، فإن الأخير سيواجه فقدان الشرعية والسلطة، حتى أن البوندستاغ شدد أخيراً على أنه ينبغي أن يكون الهدف تحقيق تمثيل أكثر عدالة لجميع الأقطاب في العالم داخل المؤسسة الأممية.
وإزاء ذلك أيضاً، اعتبر مراقبون أنه لا ينبغي أن يكون للهند، على سبيل المثال، والتي يبلغ عدد سكانها 1,4 مليار نسمة، وزن أقل من بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة التي تراجع نفوذها وتأثيرها، ناهيك عن أن عدد سكانها لا يتعدى 60 مليون نسمة. ومن ناحية أخرى، يجب عدم غض النظر أيضاً عن ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي استطاعت في العديد من الأزمات لعب دور دبلوماسي مفصلي فاعل، فضلاً عن دعمها السخي للمؤسسات التابعة للأمم المتحدة.
إلى ذلك، يجب الأخذ في الحسبان أن الدول الدائمة العضوية وصاحبة حق الفيتو، ترفض بانتظام الضرورات الأساسية للسلام، وهي تمتلك أسلحة نووية ووقعت على معاهدة منع الانتشار لهذا النوع من الأسلحة، ولم تف بعد بالالتزام بنزعها وبعالم خال منها، رغم أنها تهدد وجود كل أشكال الحياة على الكوكب.
وبخصوص اعتماد مجلس الأمن يوم 25 آذار (مارس) الماضي قراراً بوقف فوري لإطلاق النار في غزة حتى 9 نيسان (أبريل) الجاري، والذي وصفته الولايات المتحدة التي امتنعت عن التصويت بـ”غير الملزم”، قال الباحث في مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية بيتر لنتل مع مجموعة “فونكه الإعلامية”: “الحقيقة أن الولايات المتحدة – القوة الحامية لإسرائيل – لم تستخدم حق النقض ضد القرار، لتشكل بذلك إشارة سياسية واضحة لتل أبيب بأنها لا تزال توافق على استراتيجيتها في غزة”. وأضاف أن الامتناع عن التصويت يجعل من غير المرجح أن يتم فرض عقوبات على اسرائيل لأن هذه العقوبات غير تلقائية، ويجب أن يقررها مجلس الأمن لتكون إلزامية.
واعتبر قانونيون أن القرار 2728 معقد واستخدم كلمة “تحذير” ولم يرد ذكر كلمة “قرار”، وأوصى باتخاذ “تدابير”، وهذا لا ينتج منه أي إلزام قانوني.
وفي ما يتعلق بحرب أوكرانيا، فإن روسيا قادرة على عرقلة كل القرارات الحاسمة في مجلس الأمن، مع العلم أنه تم رفض الغزو الروسي لأوكرانيا بشدة في الجمعية العامة في آذار 2022 بأغلبية كبيرة بلغت نحو 80%.
وفي المقابل، يقول السفير الألماني الأسبق لدى الأمم المتحدة بيتر فيتينغ: “على الرغم من كل المشكلات، لولا وجود الأمم المتحدة وحضورها، لكان العالم سيكون بالفعل أقل أماناً مما هو عليه اليوم”.
مقترحات لمدى الإصلاح وكيفيته
تفيد المعلومات بأن سفيري ألمانيا وناميبيا يتوليان إلى حد كبير مسؤولية التخطيط لقمة في أيلول (سبتمبر) 2024، ويسعيان جاهدين مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتقديم اقتراحات من أجل إصلاح المنظمة الدولية بعدما تم تقييم مجموعة من التقارير اعتمدت كمسودة لمشروع ميثاق الأمم المتحدة من أجل المستقبل في إيجاد عالم ينعم بالسلام.
وحيال ذلك، أشارت “تيليبوليس أونلاين ماغازين” إلى الإصلاحات المحتملة التي تمثل أولوية في القمة المقبلة، وهناك سعي لتمثيل أكبر للدول الأعضاء من جنوب الكرة الأرضية، أي أميركا اللاتينية وأفريقيا.
ومن بين المقترحات أيضاً زيادة عدد الأعضاء بمجلس الأمن من 15 إلى 25 دولة، ورفع عدد المقاعد الدائمة إلى 10 والمؤقتة إلى 15 دولة. وسيكون الهدف تقديم قاعدة تصويت جديدة مع احتمالية أقل للعرقلة. إلى ذلك، فإنه وفقاً للمادة 109 من ميثاق الأمم المتحدة، من الممكن التوصية بتبني مقترحات الإصلاح في ما يسمى “المؤتمر العام” بأغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العامة… علماً أنه لا يمكن للأعضاء الخمسة الدائمي العضوية أن يمنعوا قبول المقترحات من قبل الجمعية العامة.
وفي هذا الصدد، هناك مسعى لإقناع الدول التي تتمتع بحق النقض بتغيير الميثاق من خلال ضغوط معتدلة من جانب الدول الأعضاء الراغبة في الإصلاح، والتي تتمتع بالمهارات الدبلوماسية، إلا أن نجاح الطروحات غير مؤكد. وستستمر التحضيرات للقمة المقبلة بمؤتمر مجتمع مدني يضم منظمات دولية وغير حكومية وجمعيات، وسينعقد في نيروبي يومي 9 و10 أيار (مايو) المقبل.
تشكيك بخطط الإصلاح
شكك خبراء وباحثون تمت دعوتهم للمشاركة في اجتماع للجنة الشؤون الخارجية انعقد أخيراً في البوندستاغ، بخطط إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا أنهم تقدموا ببعض المقترحات حول كيفية أن تصبح المؤسسة الأممية أكثر قدرة على العمل من أجل حفظ السلام وحل النزاعات، بصرف النظر عن مثل هذه الخطط وما هو التأثير الذي يمكن لألمانيا أن تفعله. وحيال ذلك، أفاد يكهارد غريب من الجمعية الألمانية للأمم المتحدة، بأنه يتعين التحول عن التركيز على الإصلاحات في مجلس الأمن، ومبيناً أن نجاحات بعثات السلام وحقوق الإنسان واتفاق باريس للمناخ أو خطط الاستدامة لعام 2030 كانت ممكنة في الإطار الحالي، ودون عقبة التغييرات في ميثاق الأمم المتحدة، قبل أن يعلن تأييده لمصلحة البحث عن تحالفات في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولافتاً إلى أنه على النقيض من مجلس الأمن، تمكن المجتمع الدولي من استصدار قرارات ضد الحرب العدوانية التي شنتها روسيا على أوكرانيا بأغلبية كبيرة.
بدوره، أشار نيكول ديتلهوف من معهد أبحاث السلام في فرانكفورت، إلى أن إصلاح مجلس الأمن أمر غير واقعي، ومع ذلك يمكن إبطال حق النقض إلى حد ما إذا ما تم تعزيز دور الجمعية العامة، وذلك من خلال قرارات منتظمة بشأن السلام والأمن، وبشأن نزع السلاح وتحديد ضوابط للتسلح، لكنه عارض رأي الخبير غريب بخصوص حرب أوكرانيا، ومبرزاً أنه على الرغم من إمكانية حشد أغلبية واضحة في الجمعية العامة لإدانة العدوان الروسي، إلا أن معظم هذه الدول لم تشارك في العقوبات على المعتدي.
وبخصوص تنشيط عمل الجمعية العمومية، اعتبرت ماريان بايسهايم، من مؤسسة العلوم والسياسة، أنه يجب تزخيم دور الجمعية العامة كمكان للتواصل، وحيث يمكن للقوى المتوسطة والدول الصغيرة عرض مواقفها.
وفي هذا السياق، تفيد التقاريرل بأن الدول الأفريقية ستواصل الضغط من أجل إدراج إصلاح مجلس الأمن على جدول الأعمال، لأنه ببساطة من غير المقبول ألا يكون لها تمثيل دائم هناك. أما الباحث السياسي في جامعة ريغنسبورغ شتيفان بيرلينغ فدعا إلى المزيد من الفطنة والواقعية، لأن المجلس غير قابل للإصلاح، ولن تتخلى أي دولة من الأعضاء الخمسة الدائمين عن حق النقض أو تمنح دولاً أخرى مثل هذا الحق.
ومن ناحية أخرى، فإن أي شخص يعتمد على رفع مستوى الجمعية العامة، ربما سيعطي مساحة أكبر للقوى الموالية للصين والمناهضة لإسرائيل، ومعلناً تأييده تعزيز المنظمات الفرعية للأمم المتحدة… وربما يكون ذلك صعباً من منطلق أن الدول الغربية هي أكبر الجهات المانحة وتتمتع بالنفوذ والتأثير على سياسة شؤون الموظفين، ومواجهة الأمور غير المرغوب فيها في نظام الأمم المتحدة.
المصدر: النهار العربي
هل تحتاج المنظمة الأممية الى تطوير أدائها وتغيير بإسلوب عملها؟ الموقف من الحرب الأوكرانية وحرب غزة أثبتت عجز المنظمة الأممية عن أداء الدوزر المناط بها، وسعي سفيري ألمانيا وناميبيا اللذين يتوليان التخطيط لقمة في أيلول (سبتمبر) 2024، ويسعيان مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتقديم اقتراحات من أجل إصلاح المنظمة الدولية، فهل ستعطي البديل؟.