لم يتعاطَ إعلام النظام السوري مع مذكرة التفاهم الموقعة بينه وبين روسيا في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، بالزخم المعتاد، كما هو الحال عادة بالتعاطي وتناول أخبار مثل هذه الاتفاقيات.
وربما أراد إعلام النظام السوري تمرير الخبر بشكل عابر، نظرا لكون الاتفاقية، وإن كانت تتضمن الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في المجالات الطبية، إلا أنها تتضمن كذلك توريد بعض النظائر المستخدمة في المجالات النفطية والطائرات، ما يعني احتمال خضوع تلك المواد للعقوبات الغربية، ومنها قانون قيصر الأميركي للعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على النظام.
وفي 26 من مارس/ آذار الحالي وقعت كل من “هيئة الطاقة الذرية” التابعة للنظام، وشركة روساتوم الروسية، مذكرة تفاهم في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وذلك ضمن منتدى “آتوم إكسبو 2024″، الذي انعقد في مدينة سوتشي الروسية.
ونقلت وكالة الأنباء التابعة للنظام (سانا)، عن إبراهيم عثمان مدير هيئة الطاقة الذرية، قوله إنه “بناء على اتفاقية التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية الموقعة بين سورية وروسيا، وعلى مذكرة التفاهم حول التطبيقات السلمية في المجالات غير الطاقيّة، جرى وضع خطة تنفيذية لهذا الاتفاق تشمل توريد بعض النظائر المشعة ذات الاستخدامات الطبية إلى سورية، وبعض النظائر المستخدمة في الاختبارات اللاإتلافية التي يجري إجراؤها لأنابيب النفط وخزانات الوقود والطائرات”.
وأضاف عثمان للوكالة أنه “جرى الاتفاق كذلك على تدريب عناصر من هيئة الطاقة الذرية، على أن تحصل الهيئة على ثلاث منح تغطي بعض الاختصاصات المتعلقة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، كما اتُّفق ضمن هذا البرنامج على التعاون في مجالات أخرى كفيزياء البلازما والتطبيقات الأخرى المتعلقة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية”، لافتاً إلى أن “هذا الاتفاق كان قيد التداول منذ فترة طويلة، وبالتوازي مع حضور سورية منتدى آتوم إكسبو جرى توقيعه”.
وقالت الشركة الروسية، في بيان، إن المذكرة تشمل “تطوير التعاون في مجال الطاقة والتكنولوجيات النووية السلمية”، كما أنها “تشمل العمليات والدراسات المرتبطة بعلم الذرة السلمية غير المتعلقة بالطاقة، وكل ما يتعلق بالتقنيات النووية والإشعاعية في الطب والصناعة وما إلى ذلك”.
و”روساتوم” هي شركة حكومية روسية، تعد المصدر الرئيسي للتكنولوجيا النووية في روسيا، حيث أنتجت عام 2023 خمس مجموعات من معدات المفاعلات، وجرى تسليم محطة الطاقة النووية البيلاروسية المبنية بالكامل إلى الجهة المتعاقدة.
وحول أبعاد هذه الاتفاقية، يرى المحلل السياسي، المقيم في موسكو، طه عبد الواحد، أن “النظام متهالك، وليس بإمكانه أن يكون طرفا ندا في اتفاقية بهذا المجال”، مشيرا إلى أن “الروس ربما يريدون الاستفادة من توقيع هذه الاتفاقيات على المدى البعيد، أي مع الدولة السورية المستقبلية، لا سيما أن كل الاتفاقات التي وقّعتها روسيا مع النظام السوري طويلة الأمد، وتلزم الحكومات السورية اللاحقة”.
ولا يعتقد عبد الواحد، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن يجري اعتراض أي تعاون بموجب المذكرة من قبل العقوبات الغربية، لا سيما في البنود التي تتعلق بالمجالات الطبية، منوها بأن أي تعاون آخر سيكون تحت المراقبة الدولية، لكنه شدد على أن روسيا تريد وضع يدها على التعاون المستقبلي في هذا المجال مع الدولة السورية، وهي بذلك تستبق أي دولة أو أي طرف للعمل في هذا المجال بسورية.
من جانبه، يقلل الخبير القانوني محمد صبرا من المذكرة، بغض النظر عن عنوانها الواسع بحسبه، مضيفا لـ”العربي الجديد” أن المذكرة “لا يوجد فيها أي شيء يخالف قوانين العقوبات، لا سيما أنها تتعلق بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية في المجالات غير الطاقيّة، وعادة ما يشمل ذلك توريد النظائر المشعة اللازمة لأجهزة الرنين المغناطيسي والأجهزة الطبية الأخرى، إضافة لتطبيقات صناعية أخرى”.
وأوضح أنه “في السابق، كانت سورية ستحصل على النظائر المشعة اللازمة للأجهزة الطبية من ألمانيا أو من كوريا الجنوبية”.
وحول وجود بنود ضمن المذكرة، تشمل “توريد بعض النظائر المستخدمة في المجالات النفطية والطائرات”، وهي مجالات تحظرها عقوبات قانون قيصر وبعض العقوبات الغربية، أشار صبرا إلى أن “العقوبات تشمل إنتاج الطاقة، وموضع أنابيب النفط، وإن كان يتعلق بالطاقة، لكنه لا يتعلق بالإنتاج، بل هو موضوع منفصل يتعلق بنقل وتوزيع الطاقة”.
ويعتقد صبرا بأن “الهدف من المذكرة هو إعادة تأهيل وتشغيل أنبوب نفط كركوك – بانياس، وهنا الأمر قد يمس العقوبات الأوروبية والأميركية، لكن ذلك يحتاج لتدقيق وتمحيص بتفسير قوانين العقوبات الغربية”.
وحول إمكانية ذهاب روسيا والنظام السوري، لاستغلال المذكرة، والتعاون في المجالات غير السلمية للطاقة النووية، أشار صبرا إلى أن “سورية بالأصل موقعة على اتفاقية عدم الانتشار النووي مع وكالة الطاقة الذرية، والمذكرة الحالية لا تتضمن بناء أي مفاعل أو توريد وقود نووي”، وبذلك يرى صبرا أن “هذه الفرضية صعبة التحقق إن لم تكن مستحيلة، لأن هذا الجانب مراقب بشكل حازم على المستوى الدولي”.
وتفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عقوبات على النظام السوري في العديد من المجالات الاقتصادية والدبلوماسية، لا سيما بموجب “قانون قيصر” للعقوبات، الذي صدر نهاية عام 2019، ما يضع قيوداً على استيراد العديد من المواد المستخدمة في الصناعات العسكرية والمجالات النفطية والطيران وغيرها.
لماذا توقيع مذكرة التفاهم في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية ؟، بين “هيئة الطاقة الذرية” لنظام دمشق، وشركة روساتوم الروسية، ضمن منتدى “آتوم إكسبو 2024″، الذي انعقد في مدينة سوتشي الروسية، أين عقوبات قيصر؟