تكشف وثائق عن اجتماعات سرية بين نائب الرئيس السوري وطالباني وبارزاني وزيارة وفد من “سي آي أي” إلى كردستان
وثائق جديدة تكشف عن محاضر الاجتماعات السرية والتحركات الأميركية داخل العراق ودول جواره في سوريا وإيران وتركيا قبل إسقاط صدام.
ساعات معدودات ويستعيد العراقيون والعالم الذكرى الـ21 لغزو بلادهم في حرب ضروس دقت ساعة صفرها بحلول ليل الـ19 – 20 من مارس (آذار) الجاري، لكن تلك الفترة كانت حبلى بتفاصيل مثيرة تكشفها وثائق ومحاضر لاجتماعات قياديين عراقيين وعرب وإقليميين وإيرانيين وأميركيين مع مسؤولين سوريين.
أزاحت “المجلة” الستار فترة ما بعد سقوط صدام حسين وتأثيرات موجة التغيير هذه على المثلث العراقي -السوري- الإيراني، خصوصاً مع قرار إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش “بالتخلص من صدام” في 2003، ثم محضر لقاء الرئيس جو بايدن (عندما كان قيادياً في الكونغرس نهاية 2002) مع بشار الأسد عشية الغزو وقوله “إذا لم نسقط صدام، سيمتلك سلاحاً نووياً”.
وتقدم الوثائق مجموعات من محاضر الاجتماعات السرية بين نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام ومسؤولين وقادة عرب، وقطبين أساسيين في المعارضة العراقية، هما رئيس “الاتحاد الوطني الكردستاني” جلال طالباني ورئيس “الحزب الديمقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني، وأسرار زيارة وفد من “سي آي أي” إقليم كردستان العراق في فبراير (شباط) 2002، قبل زيارة طالباني وبارزاني إلى مقر الوكالة الأميركية، ثم إسراع طالباني بزيارة دمشق لإبلاغها بـ”السر الكبير”.
خيط واشنطن- طهران
وسط هذه الأجواء سعت الإدارة الأميركية إلى تأمين الجبهة الإيرانية عبر الوسيط الكردي، إذ تنقل الوثائق تأكيدات واشنطن لـ”طالباني”، “نحن لسنا ضد طهران، ولنا معها مصلحة مشتركة، وهي إسقاط صدام، كما كانت مصلحتنا مشتركة في إسقاط (طالبان)، بشرط ألا تتدخل إيران في العراق. لا مانع أن يتدخلوا من طريق أصدقاء لهم أو من طريقكم”. طالباني أشار إلى تزويد طهران للمعارضة العراقية بالتدريب والسلاح الثقيل.
وفي التاسع من يوليو (تموز) 2000، استقبل خدام طالباني، لدى عودته من واشنطن ولقائه ألبرت أرنولد آل غور نائب الرئيس الأميركي (بيل كلينتون)، بـ”حفاوة”، إذ “قال لي إنه سيقدم لنا مفتاح بغداد، وإن أميركا ستناضل معنا لإسقاط صدام حسين وتخليص العراق منه”، بحسب محضر لقاء طالباني- خدام. ومن الصدف، أن طالباني أصبح رئيساً للعراق بعد التغيير في 2003.
ومع اقتراب عام 2002 من نهايته، وخلال زيارة آل غور إلى كردستان العراق شملت لقاءات مع زعيمي “الحزب الديمقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني و”الاتحاد الوطني الكردستاني” جلال طالباني، قال الأخير أكثر من مرة إنه لا يريد أن يكون رئيساً لإقليم كردستان “بل رئيساً للعراق”، وهذا ما حصل بعد التغيير في بغداد.
بالعودة إلى لقاء خدام وطالباني، قال الأخير إن “آل غور قال نحن نريد إزاحته ونحن مع الشعب العراقي، وهذا الشعب عظيم وإنه حالما يتخلص من صدام سنسعى إلى تخليصه من القيود ومن الحصار والعقوبات. وبالنسبة لحماية المنطقة الكردية، أضاف غور: ستستمر هذه الحماية وستبقى، ثم أكد أن هناك ضغطاً واقعاً بالفعل في موضوع (رفع) الحصار”.
ومضى نائب كلينتون بقوله، “هذه خطة أميركية وقومية، وهي سياسة أميركية وإذا ذهبت هذه الإدارة ستبقى (هذه الخطة) أيضاً، حتى إذا نجح جورج بوش تبقى أيضاً”. وأضاف “يجب أن تتحد المعارضة بشكل أكثر من ذلك. هي معارضة جيدة، لكن يجب أن تتوحد وأن هناك قوى أساسية أيضاً داخل العراق يجب أن تنضم، فيجب أن تتوحدوا جميعاً ونحن مستعدون لدعم المعارضة في الداخل”.
التغيير من الداخل
أمام هذا العرض شكر طالباني آل غور. وقال له “نحن نقدر لك حسن الاستقبال لنا ولما تفضلت بذكره لنا، لكننا نريد تغييراً ديمقراطياً شعبياً في العراق، بحيث إنه لا يحل ديكتاتور محل ديكتاتور آخر، وإنما يكون هناك نظام ديمقراطي، أي أن يتغير (العراق)… بلا شك تريدون تغييراً في بلادنا، لكن إلى الآن ليست لديكم خطة معينة حول كيفية هذا التغيير حتى إن الأمر وصل في هذا الشأن إلى حد أن الشعب العراقي أخذ يشك في صدقية أو جدية مثل هذا العمل. فإن ثماني سنوات مرت في إدارتكم من دون حدوث تغيير في العراق أي من دون تغيير الشخص الذي نشكو جميعاً منه، ثم إن الظرف الدولي قد أخذ شيئاً فشيئاً يزداد وطأة عليكم بسبب استمرار بقاء صدام حسين في السلطة طوال هذه السنوات وللآن”.
رد نائب الرئيس الأميركي، “نحن نعتمد على الشعب العراقي. التغيير يجب أن يكون من الداخل”. وقال “نحن نريد نظاماً ديمقراطياً في العراق، ولا نريد أن نضع ديكتاتوراً محل ديكتاتور آخر”. وأردف طالباني قائلاً “جيد، ولكننا نريد في المجتمع العراقي أن نسمع هذا الكلام بصوت أميركي واحد”.
وأبلغ طالباني خدام أنه بعد لقاءاته مع مسؤولين كثر في أميركا انتهى إلى خلاصة أن “وكالة الاستخبارات المركزية تعتقد بإزاحة صدام حسين، وأن هذه الإطاحة تتم بإيقاع الأذى به والضغط عليه اقتصادياً إلى أن يسقط، ولكن المشكلة الأساسية عندهم هي البديل وهم يخافون من أي تغيير يحدث في العراق ولا يعرفون من سيكون البديل”.
وعندما سأل خدام طالباني عن المعارضة العراقية، أجابه “أحب أن أعطيك صورة عن المعارضة العراقية الآن: المؤتمر الوطني العراقي، لم يعد فيه غير الأحزاب الكردية الموجودة. حركة الوفاق الوطني. أحمد الشلبي جمع عدداً من المستقلين ومن العشائر الفارين، وبعض الضباط ممن لم يعد لهم أي مصدر للرزق”.
وأضاف “الكونغرس يوفر الدعم لأحمد الشلبي، وكذلك توفر له الدعم جماعة الجمهوريين بصورة خاصة، وليس مستبعداً أيضاً أن تكون وراء هذا الدعم جماعة الليكود (الإسرائيلي). وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تدعم حركة الوفاق، أعني الدكتور إياد علاوي وجماعته، ويقدمون كذلك مساعدات مالية ولديهم في الأردن مكتب. أثناء اجتماعاتي والمعارضة الأخيرة مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن، كانوا يقولون لنا إن أحمد الشلبي يجب أن يبقى هو المسيطر وأنهم يتمنون أن تتبدل قيادة المؤتمر الوطني. أما نحن فقد قلنا لهم أنتم من جاء بأحمد الشلبي بالضغط وقد فرضتموه. وحدث أنهم قبل فترة دفعوا بصورة موقتة بوسيلة ضغط على الشلبي”.
وتابع طالباني قوله لخدام، “قلنا للأميركيين، نحن نؤمن بأنه يجب أن تقوم حركات معارضة تعمل في الداخل، ونحن موجودون في كل المنظمات والأحزاب العراقية. نحن موجودون في حزب الدعوة وغيره، وفي الحزب الناصري، وفي الحزب الشيوعي، والحركة العربية، وفي عدد من الأحزاب، وقلت لهم: نحن سبق وأن عقدنا اجتماعاً في السليمانية (معقل حزب طالباني في كردستان العراق) بحضور 14 منظمة من غير تلك المشاركة في المؤتمر. وقلت لهم، إنهم إذا كانوا جادين في دعم المعارضة، فهذه هي المعارضة التي تنبثق من الداخل والموجودة على الأرض”.
بحلول الـ22 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، استقبل خدام رئيس “الحزب الديمقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني بعد جولة في بريطانيا وفرنسا والأردن. وقال بارزاني “إنه أبلغ كل الذين اجتمع معهم حرصه على وحدة العراق وأنه عراقي أولاً وأخيراً، وأن مشكلة الأكراد مع النظام وليس مع العراق إلى جانب أن مشكلة العراق كله مع النظام”، بحسب محضر اللقاء.
وتابع “كانت وجهات نظرنا متفقة، بأن وحدة العراق خط أحمر لا يجوز العبث به، النظام في العراق أضاع الفرصة لتحقيق المعالجة الوطنية، ويتحمل مسؤولية معاناة الشعب ويعطي فرصة لأعداء بغداد لإلحاق الأضرار بالشعب. وحدة المعارضة العراقية يجب أن تقوم على أساس وطني وليس على أساس عرقي أو مذهبي، وأن يكون نضالها للتغيير وبناء نظام ديمقراطي وطني يحقق العدالة والمساواة ويأخذ في الاعتبار حاجات الشعب بكل شرائحه ومكوناته، وأن مسؤولية إنقاذ العراق هي مسؤولية وطنية وليست أي جهة خارجية”.
تعاون أميركي- إيراني
بين عامي 2000 و2003، تغير الكثير في العالم، ولا شك أن وطأة هجمات الـ11 سبتمبر (أيلول) 2001 والحرب على الإرهاب والهجوم على أفغانستان تركت صداها في المنطقة العربية.
آنذاك، شهدت حرب أفغانستان، تعاوناً ضمنياً بين طهران وواشنطن، في وقت تراكمت فيه الأسباب الأميركية لغزو العراق. وتواصلت الاجتماعات بين خدام، وقطبين أساسيين في المعارضة العراقية، هما طالباني وبارزاني. وتكشف هذه المحاضر والوثائق الاختلاف بين المعلومات التي كان يقدمها كل منهما إلى دمشق.
وفي الـ13 من مارس 2002، استقبل نائب الرئيس السوري طالباني بمكتبه في دمشق، لاطلاعه على زيارة سرية لوفد أميركا إلى كردستان العراق في الـ17 من فبراير (شباط) 2002، إذ تحدث رئيس “الاتحاد الوطني” عن “مخطط الولايات المتحدة تجاه العراق” قائلاً “الوفد الأميركي الذي جاء إلى منطقتنا كان معه ضابط تركي، وكان الوفد يتألف من ممثلين عن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) والخارجية، ووكالة الاستخبارات المركزية، ورئيس الوفد هو جون ماك وارد، الذي نعرفه جيداً لأنه كان في منطقتنا عام 1995”.
وبحسب المحضر الرسمي السوري للاجتماع، فإن طالباني أفاد “قالوا: نتكلم أمام الوفد التركي بالعموميات. فقالوا أمام الوفد التركي: (نحن جئنا لإتمام المصالحة التي بدأت في واشنطن بينكم وبين بارزاني (بعد معارك في إقليم كردستان)، ونؤكد لكم أننا ملتزمون بحمايتكم إذا تعرضتم لأي هجوم، وملتزمون بضمان حصتكم من النفط مقابل الغذاء (اتفاق الأمم المتحدة مع بغداد خلال الحصار)”.
بعد ذلك طلب الوفد الأميركي زيارة الجبهة العسكرية (في كردستان العراق)، ليروا وضع الجيش العراقي، وذهب معهم الضابط التركي، وظل منهم (الأميركيون) اثنان قالا لنا، “نحن جئنا من أجل إبلاغكم بوجود قرار في واشنطن لتغيير النظام في العراق، ونحن جادون في هذا القرار، وهو متخذ من كل الجهات (الكونغرس والبنتاغون والخارجية)، ولكن لم يتقرر كيف، وحتى الآن يوجد اتجاهان، الأول، نضرب صدام ضربة قوية، فيحدث خلل في الجيش فيتدخل أحد الضباط ويتولى زمام الأمور ويقضي على صدام ويأتي حكم جديد. والثاني، التعاون مع المعارضة العراقية وبالتحديد معكم (يقصدان الحزبين الكرديين)”، وفقاً لما أكده المحضر.
وأضافا، “توجد لجنة رباعية مؤلفة من الاتحاد الوطني، و(الديمقراطي الكردستاني)، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحزب الوفاق. وفي هذا الاتجاه نريد الاعتماد على اللجنة الرباعية”. وبالنسبة إليهم يضعون أحمد شلبي في حساباتهم، بحسب قول طالباني.
وتابعا، “كل هذا ينقصه عنصر عربي سني، لأن الوفاق والمجلس شيعة، والكرد سنة، لكنهم غير محسوبين على السنة. وقالا في الوقت نفسه عندنا مقترحات لنناقشها معكم”.
وزاد المسؤولان الأميركيان في زيارتهما السرية إلى كردستان العراق، “في الاتجاه الثاني، قالوا نعتمد على قوى المعارضة، نزودهم بالسلاح والتدريب ويدعموننا جواً. وسألونا عن علاقتنا بـ(رئيس المجلس الإسلامي الأعلى محمد باقر) الحكيم، وحملونا رسالتين لإيران وللحكيم. والرسالة للحكيم كانت تحمل الرغبة الأميركية للقائه سواء في مناطقنا أو في الجنوب أو الكويت أو أي بلد عربي أو في سوريا أو يدعونه باسم الأمم المتحدة، فإذا ذهب سيقابل (نائب الرئيس ديك) تشيني حتماً، أما الرئيس (جورج) بوش فمن المحتمل أن يقابله ويمكن ألا يقابله”.
وتابع طالباني أن المسؤولين الأميركيين الاثنين، قالا “نرجو إبلاغه الرسالة وإقناعه بها، ووجوده بالنسبة إلى الجنوب مهم حتى لا يحصل بعد صدام، نزاع شيعي- سني أو حرب أهلية”.
بالنسبة لإيران، قال الأميركيون لطالباني: “لدينا مسائل دبلوماسية، لكننا قادمون للقيام بعمل ما في العراق، نحن لسنا ضد إيران، ولنا معها مصلحة مشتركة، وهي إسقاط صدام، كما كانت مصلحتنا مشتركة في إسقاط طالبان، بشرط ألا تتدخل إيران في العراق. لا مانع أن يتدخلوا من طريق الحكيم أو أصدقاء لهم أو من طريقكم”.
وأضافا: “لا يوجد عندنا شيء ضدها، ومصلحتنا مشتركة بإزاحة صدام، ولكن لا نريد أن يتدخلوا كما تدخلوا في أفغانستان. وقد أبلغناهم هذه الرسالة”.
وفي ما يتعلق بسوريا، قالا “لا مانع لدينا أن يكون أصدقاء لسوريا في الحكومة المقبلة، علاقتنا مع سوريا جيدة”. وقالا “لو رفضت تركيا مجيئنا يمكن أن نأتي من طريق سوريا، ولكن لا نريد تدخلاً سورياً مباشراً”.
المصدر: اندبندنت عربية
حقائق كشفت عنها الـ “المجلة” تظهر الدور التآمري لنظام ملالي طهران ونظام طاغية الشام وقيادة شمال العراق “كردستان” بشقيه الطالباني والبرزاني مع المايسترو الأمريكي لغزو العراق وإسقاط نظام “صدام حسين” 2003 التآمر الذي جاء بأحمد الجلبي والمعارضة العراقية المصطنعة وإحتلال العراق وسيطرة أذرع ملالي طهران، ونحن على أبواب الذكرى الـ 21 لغزو العراق .