أعادت أحداث البحر الأحمر التعريف بالقدرات المسلحة للجماعة التي تسيطر على أجزاء من الممر الملاحي الدولي
“اندبندنت عربية” تتبع طرق ومسارات الأسلحة من مصانع إيران إلى أيدي الحوثيين لتهدد الملاحة الدولية والمنطقة .
أعادت أحداث البحر الأحمر الأخيرة التعريف بالقدرات المسلحة لجماعة الحوثي التي تسيطر على جزئه الشمالي من ضمن 2200 كيلومتر مجموع الشريط الساحلي اليمني الذي يتوزع ثلثه على البحر الأحمر، وثلثاه الآخران على خليج عدن.
فضلاً عن استمرار سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات المجاورة لها خصوصاً بعد هجماتهم التي تتجاوز الـ 58 حادثة مدرجة أبلغت عنها منظمات الأمن البحري، استهدفت بصواريخ بحرية تتهم بأنها إيرانية، السفن المارة في البحر الأحمر وخليج عدن، بادعاء “مناصرة الفلسطينيين ضد إسرائيل” في الحرب التي يشهدها قطاع غزة، ما أجبر العديد من شركات الشحن إلى تغيير خطوط مرورها إلى رأس الرجاء الصالح بدلاً عن قناة السويس المصرية.
ومع هذا التوتر أعلنت الولايات المتحدة إلى إطلاق تحالف من قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات لدعم حرية الملاحة في البحر الأحمر تحمل اسم “حارس الازدهار”، يضم أكثر من 12 دولة وافقت على المشاركة في جهد عسكري ولوجستي سيشمل دوريات مشتركة في مياه البحر الأحمر بالقرب من السواحل اليمن.
من “الروبيج” التقليدي إلى “الكروز” الذكي
منذ انقلابهم على السلطة في اليمن في سبتمبر (أيلول) 2014، تطورت العلاقة بين النظام الإيراني وحلفائهم الحوثيين وتطورت معها القدرات العسكرية للأخيرة، حتى أصبحت تهدد الإقليم فضلاً عن وجود الحكومة اليمنية.
ويتهم الحرس الثوري بتزويد سلطة صنعاء بترسانة متزايدة من الأسلحة المتطورة من الصواريخ الباليستية، والموجهة وصواريخ كروز قصيرة ومتوسطة المدى، بما في ذلك أنواع مختلفة مضادة للسفن، وطائرات من دون طيار والتدريبات التي استخدموها لمهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر والموانئ المدنية والبنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء المنطقة، وبما تنطوي عليه من تهديد للسيادة الإقليمية والاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي.
بسرد تاريخي، يروي العميد في الجيش اليمني محمد الكميم مراحل امتلاك الحوثيين للصواريخ بدءاً من الطور التقليدي إلى الذكي وفقاً لما يتوافر لديهم من معلومات اعتبرها مؤكدة.
ويقول إنها بدأت عندما استولوا على صواريخ الجيش اليمني من نوع “روبيج” الروسية أرض – بحر، مداها 80 كيلومتراً، إضافة لصواريخ صينية c801 بحر – بحر.
الدعم مقابل النفوذ
عندما بدأ التسليح الإيراني للجماعة كان تركيزهم على البحر كمشروع سعت من خلاله، وفقاً للكميم، إلى “تثبيت نفوذها الإقليمي في المنطقة خاصرة الملاحة البحرية كأهم إمدادات العالم.
وإضافة إلى الزوارق المفخخة، ظهرت أخيراً صواريخ الكروز الإيرانية الحديثة التي يستخدمها الحوثي في هجماته الأخيرة في البحر الأحمر، موضحاً أن هذه الصواريخ تتميز بقدرات متطورة وتعمل بتقنيات ذكية وفاعلية عالية، فبعد إطلاقها تصل بالقرب من الهدف البحري وتنخفض لتصيب جسد السفينة لتضمن إغراقها.
في 11 مارس (آذار) 2021 ظهرت قيادات الصف الأول للجماعة المسلحة يتقدمهم “رئيس المجلس السياسي” مهدي المشاط، يفتتحون معرض “الشهيد القائد للصناعات العسكرية”، الذي يحتوي على عدة أجنحة للصواريخ البرية والبحرية.
ووفقاً لصحيفة “المسيرة” الناطقة باسم الجماعة، فإنه “بالتوازي مع تكثيف القدرات الدفاعية والهجومية في البر والجو، فإن القوات المسلحة اليمنية أولت البحر اهتماماً بالغاً من خلال الكشف عن أسلحة دفاعية وهجومية جديدة”.
وقال الخبر إن امتلاك هذه الصواريخ “ودخولها في خط المعركة يمثل تحولاً جديداً في مسار العمليات العسكرية البحرية”.
ومنذ 2014 شكلت الجماعة مجلساً سياسياً وحكومة غير معترف بها لإدارة مناطقها، وعقب هجوم “طوفان الأقصى” في غزة أعلنت دعمها للفصائل الفلسطينية في القطاع.
تغذية “المحور”
يجدر الأخذ في الاعتبار أهمية المعلومات الاستخباراتية والبحثية المتوافرة لدى الجهات المعنية الغربية بشأن هذه الترسانة ونوعيتها والطرق التي تسلكها.
في هذا الشأن يشير كبير الباحثين في معهد واشنطن، المتخصص في شؤون الأمن والدفاع في إيران ومنطقة الخليج العربي، فرزين نديمي، إلى إن لدى الصناعات الدفاعية في إيران والحرس الثوري أقساماً ذات مهمة محددة تتمثل في تطوير أنظمة أسلحة مصممة خصيصاً لتلبية حاجات أصدقائهم من “محور المقاومة”.
يؤكد نديمي خلال حديثه إلى “اندبندنت عربية”، أن بعض أطراف المحور يتمتعون بوصول أفضل إلى الخبرات والمواد التقنية الإيرانية، مثل “حزب الله” في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، بينما يصعب الوصول إلى البعض الآخر مثل “حماس” و”الجهاد” في فلسطين.
في حالة الحوثيين، “تمكنوا أيضاً من الوصول إلى مخزون الجيش اليمني القديم وبعض الكوادر الفنية التي تسمح لهم بتجديدها وتعديلها لتلبية متطلباتهم الجديدة بمساعدة إيران”، بحسب المتحدث.
بناءً على التشابه العام في التصميم والقدرات، يؤكد غالبية المراقبين أن إيران قامت بتزويد الجماعة بهذه الصواريخ مع إحداث تغييرات في الشكل الخارجي والاسم فقط.
ولطبيعة الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن، تسعى إيران إلى دعم ذراعها عسكرياً لمساعدتها على التواجد في الممرات الدولية الهامة كالبحر الأحمر عبر باب المندب، وفقاً لسردية الحكومة، ولذلك تقوم كما يقول نديمي “بتدريب الحوثيين في إيران ومناطق سيطرتهم (أجزاء من اليمن التي تسيطر عليها الجماعة) لتشغيل وصيانة أنظمة الأسلحة المتقدمة، ويرسلون أسلحة وذخائر كاملة إليهم باستخدام مراكب شراعية صغيرة وسفن صيد عبر الصومال أو (سابقاً) عن طريق البر عبر عمان”.
وتضمنت هذه الشحنات صواريخ كاملة أصغر، ومكونات للصواريخ الأكبر حجماً، والوقود الدافع والمتفجرات، ومعرفة كيفية إنشاء ورش الإنتاج.
تطابق ومعلومات
ونظراً للدور البارز الذي يمارسه الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية سواء من خلال إعلانه المتكرر عن “ضبط شحنات أسلحة” أو عناصر تعمل ضمن هذه الخلايا، زودتنا القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” بعد مراسلتها، ببيانات استخباراتية ضمن تقرير أعدته وكالة الدعم القتالية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية DIA، يؤكد في مجمله أن الحوثيين يستخدمون الصواريخ الإيرانية والدرونز لشن هجمات عبر الشرق الأوسط، وأن من “يستهدف التجارة الدولية هي أسلحة إيرانية عبر الحوثي”.
ففي الصفحة الثالثة قال إنه منذ 2014 زودت إيران حلفاءها بترسانة متنامية من الأسلحة المتطورة والتدريب الذي استخدم لمهاجمة الشحن التجاري في البحر الأحمر والبنى التحتية المدنية والطاقة في جميع أنحاء المنطقة.
على سبيل الاستشهاد بالنماذج، بيّن التقرير حجم التطابق الكبير بين صاروخ “بركان 3/ ذو الفقار” والصاروخ الإيراني “قيام/ رضوان” MRBM.
ويقول إنه في 2019، أطلق الحوثيون على السعودية صاروخ “بركان 3” الباليستي متوسط المدى MRBM للمرة الأولى، وفي 2021، عرضت الميليشيات نظاماً مطابقاً باسم جديد “ذو الفقار”.
ويكشف التقرير أنهم بدأوا باستخدام طائرة من دون طيار تدعى “صماد” والتي تشترك في عناصر تتفق مع الدرون الإيراني “سيد”، التي يطلق عليها KSA-04 عدا عن اختلافات طفيفة مع الحفاظ على التصميم العام لـ “سيد” الإيراني، تتمتع كلتا الطائرتين من دون طيار بميزات ملحوظة ومتطابقة تقريباً، وتم عرض “سيد” الإيراني في 2023، واستخدم الحوثيون “صماد” المطابق له في هجوم يوليو (تموز) 2018 ضد السعودية.
تعليقاً على ما ورد في تقرير الاستخبارات الأميركية يقول الخبير العسكري اليمني، عبدالعزيز الهداشي، إن اليمن لم يكن يمتلك الصواريخ الجوالة الكروز ولا أي نوع من الطائرات المسيرة إطلاقاً.
ويوضح أن الحركة أظهرت في عرض عسكري في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي بصاروخ اسمه “طوفان” وهو نموذج من “شهاب3″ الإيراني، تبين أنه نفس النوع الذي استخدموه في قصف شمال البحر الأحمر واستخدمه بشكل كثيف أخيراً”.
الهروب ليس مستحيلاً
يذكر الهداشي أن “أسماء الصواريخ تتعدد ولكن بمراجعة الصور والفيديوهات في العرض العسكري في إيران مع العرض العسكري في اليمن نجد أن هناك تطابقاً بينها، وهذا يدل بنسبة كبيرة على أن هذه الصواريخ هربت (للحوثي) كقطع وتم تركيبها في اليمن لأن الصاروخ يُركب على عدة مراحل ومن السهل تهريبها”.
سبق وأعلنت الوكالة الروسية “ريا نوفوستي” عن قائمة بالصواريخ التي تمتلكها سلطة الأمر الواقع بصنعاء.
هنا يجدر الانتباه إلى أهمية المعلومات الصادرة عن الجهات الروسية لاستنادها إلى علاقات التعاون العسكري المشترك بين موسكو وطهران.
بحسب نوفوستي، تضم ترسانة الحوثيين صواريخ مجنحة وأخرى باليستية من أبرز أنواعها:
“روبيج” صواريخ تحمل اسم “بي-21/22” وهي سوفياتية مضادة للسفن كانت ضمن مخزون الجيش اليمني وموجهة بالرادار والأشعة تحت الحمراء بمدى يصل إلى 80 كيلومتراً.
“سياد” باسم “بافي-351” وهي إيرانية مجنحة “أرض – أرض” موجهة بالرادار، وتم تطوير نسخة بحرية منها بمدى يصل إلى 800 كيلومتر.
“قدس” بتوجيه إلكتروني وأشعة تحت الحمراء، وهي إيرانية مجنحة “أرض – أرض” تم تطوير نسخة بحرية منها بمدى يصل إلى 800 كيلومتر، وتحمل اسم “بافي-351”.
“سجيل” والذي يعد صاروخاً إيرانياً مداه 180 كيلومتراً.
أما الصواريخ الباليستية التي تمتلكها الحركة فهي موزعة كالتالي:
“محيط” نسخة من “سام-2” الروسية تم تعديله بأنظمة توجيه إيرانية وتستخدم نظام رؤية إلكتروني والأشعة تحت الحمراء.
“عاصف” نسخة من الصاروخ الإيراني المضاد للسفن “فاتح-313” بمدى 450 كيلومتراً ويعمل برؤية إلكترونية والأشعة تحت الحمراء.
“تنكيل” نسخة “رعد-500” الإيراني بمدى 500 كيلومتر ونظام توجيه إلكتروني والأشعة تحت الحمراء، وغيرها.
الماضي مخزون نضبت رؤسه
بحسب الخبير الهداشي فمنذ 2017 بدأت إيران ترسل للجماعة قطعاً للصواريخ الصغيرة الجوالة أو ذات الحجم الأصغر ويتم تركيبها في اليمن، حيث اقتصرت القوات الصاروخية لدى الجيش اليمني على “مجموعة من الصواريخ الباليستية روسية الصنع وسكود كورية وكان يمتلك صواريخ توشكا ولم يمتلك اليمن أي نوع آخر”.
وتعزيزاً لفرضية وجود خبراء من إيران و”حزب الله” يشرفون على تشغيل وإطلاق المنظومات الصاروخية الحوثية، يقول إن “اليمن حتى الآن عاجزة عن صناعة قطعة بلاستيكية لكن بدأ إرسال النماذج الصاروخية التي بدأت تقصف مناطق متعددة في السعودية”.
يشير الخبير الهداشي إلى أن “الجيش كان يمتلك عدداً محدوداً من الصواريخ أرض سطح يعني بر بحر، لأن الجيش اليمني لم يتوقع أنه سيدخل في زمن علي عبدالله صالح في مواجهة بحرية مع أي دولة، واليمن كان ضعيفاً بحرياً”.
يتطرق إلى المخزون الذي بات تحت يد الجماعة بالتأكيد على أن “الحوثي استولى على مخزون الجيش اليمني السابق ولكن بعدد محدود ليس بالعدد الذي كل يوم يقصف سفينة أو اثنتين وصلته نماذج مختلفة من إيران يتم تركيبها في اليمن وهذا مؤكد”.
يفند حديثه بعدم وجود “بنية تحتية للصناعات المتطورة في اليمن إطلاقاً بطوله وعرضه”، ولكنه يحتمل إمكانية “صناعة الهياكل الخارجية في اليمن فقط ولكن المحرك والمستشعرات والوقود مستحيل أن يصنع في اليمن ولكنها هربت عبر سنوات إلى اليمن ويتم إعادة تركيبها وتسميتها”.
رأس عيسى والصليف
إزاء هذه الاتهامات يبرز من بين الركام والدخان سؤال ملح عن كيفية وصول كل هذه الكميات من الصواريخ المتطورة في ظل الحظر المفترض تطبيقه على الجماعة بحسب قرار الأمم المتحدة الذي أقر حظراً على تزويد المتمردين الحوثيين بأسلحة في عام 2015.
يرجع العميد الكميم الأسباب إلى صعوبة هذه المهمة على السلطات الأمنية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً في ظل ساحل مترامي. ولهذا “نؤكد أن الإمدادات الإيرانية للميليشيات مستمرة وهي أشبه بالجسر البحري المستمر منذ 2005”.
يستدل بالسفينة “جيهان1” المحملة بالأسلحة التي تم ضبطها في عام 2011 وتبعها الكثير من الشحنات المضبوطة، وهي كميات “لا تعادل خمسة في المئة مما يتم إيصاله للحوثي الذي تعبر إليه بطرق مختلفة إما عن طريق الخطوط البحرية عبر الموانئ الإيرانية مروراً بمضيق هرمز أو عبر ميناء بندر عباس الإيراني والموانئ الأفريقية مثل جيبوتي والصومال، وأخيراً اتضح أن هناك تعاوناً مع قراصنة صوماليين عبر مناطق إنزال سمكي ثم يتم نقلها عبر زوارق صيادين”.
يوضح أن هناك طريقة أخرى لإيصال الصواريخ الإيرانية لحلفائهم تتم عبر سفن شحن على مسافات بعيدة جداً عرض البحر ويجري تفريغ السفن الكبيرة إلى زوارق صغيرة ويتم تفريغها في الموانئ الواقعة تحت سيطرة الميليشيات مثل ميناء الحديدة أو الصليف أو رأس عيسى وأحياناً تفرغ في مناطق إنزال سمكية ميتة.
وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره بريطانيا، فإن الحوثي يستخدم 12 نوعاً من الصواريخ المجنحة والباليستية المضادة للسفن التي تؤدي مهامها بكفاءة عالية.
عن مدى دقة المعلومات التي تتحدث عن وجود خبراء إيرانيين ومن “حزب الله” يصف الكميم هذه المعلومات بالمؤكدة والمفروغ منها، لأن “الحوثي لا يستطيع أن يصنع لعبة أطفال فكيف بصواريخ متطورة لم يكن ليمتلكها لولا إيران”.
“نور” وكوادر التشغيل
ولطالما اتهمت الحكومة الشرعية “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني بإدارة العمليات العسكرية من البر اليمني إلى البحر من خلال تعطيل حركة الملاحة واستهداف السفن.
وتتهم إيران و”حزب الله” بالإشراف على “القوة الصاروخية والجوية”، وتدعي الجماعة امتلاكها بينما تقول الحكومة الشرعية إن إيران تمكنت من تهريبها إلى الميليشيات وجرى تركيبها في الداخل على يد الخبراء الأجانب الإيرانيين و”حزب الله” الموجودين في الحديدة وعدد من الموانئ.
المعهد الدولي ذكر في تقريره أن إيران “تمثل مصدراً مهماً لحصول الحوثي على تكنولوجيا تصنيع الصواريخ المضادة للسفن”، كما سبق وكرر التحالف العربي الداعم للحكومة اليمنية اتهامه لإيران بتزويد ذراعها في اليمن بالأسلحة.
وفي إيجاز صحافي لناطق التحالف تركي المالكي في التاسع من يناير (كانون الثاني) 2022 لفت إلى أن الحوثيين يواصلون تهديدهم للملاحة باستخدامهم لزوارق مفخخة وألغام بحرية وصواريخ، إضافة إلى امتلاكهم “قوة خاصة مختصة بعمليات القرصنة واقتياد السفن بالقوة”.
وشدد على أن جميع الأسلحة المستخدمة في عمليات القرصنة هي إيرانية الصنع، وتشمل طائرات مسيّرة وصواريخ الدفاع الساحلي “نور”.
المرافئ والنخيل
وتقع في الحديدة عدد من المباني التابعة لقوات الدفاع الساحلي والقوات البحرية الرسمية، غير أن الكميم يشير إلى حرص المتمردين على إخفاء هذه القوات في مواقع مجهولة مثل المزارع والمساجد والمدارس والمدن والقرى والأشجار الكثيفة وتحت الأرض.
وتسيطر الجماعة على شريط ساحلي يقدر بنحو 270 كيلومتراً من شواطئ الحديدة، بما فيها 100 كيلومتر التي انسحبت منها القوات المشتركة، بعد أن كانت القوات المشتركة تطوق مدينة الحديدة من ثلاث جهات.
يقول الصحافي المستقل المنتمي لمحافظة الحديدة وديع عطا إن الحوثيين وعلى مدى تسع سنوات من عمر الحرب استغلوا الشريط الساحلي الممتد من اللُّحيّة شمالاً إلى التُحيتا جنوباً لاستيراد حمولات السلاح الذي يصلهم غالباً من إيران وأحياناً عبر وسطاء من بعض دول القرن الأفريقي عبر البحر الأحمر، “وهذه حقيقة يعرفها أغلب سكان الساحل التهامي”.
وطوال سنوات الحرب استخدمت الميليشيات، بحسب عطا “الموانئ الطبيعية والمرافئ التقليدية التي لا تقل عن 12 موقعاً نقاط استقبال لشحنات السلاح، كما استغلت في بعض الأحيان غابات النخيل والأحراش الواقعة في عدد من مناطق الشريط الساحلي الغربي مخازن موقتة للسلاح والذخيرة ومنصات لنصب الرادارات والصواريخ، وهي في الغالب غير ثابتة لأنها تخضع لطبيعة الاحتياج الحربي، وكانت الذروة في 2015 إلى 2018 خصوصاً في حربهم ضد قبيلة الزرانيق في أغسطس 2015 وبعدها الحرب نحو المخا وتعز وعدن”.
“صمبوق” الإمداد والمال
طالبنا السماح لنا بتصوير عناصر حوثية محتجزة “من قبل الأجهزة الأمنية في الساحل الغربي بالتنسيق مع شعبة الاستخبارات العامة في المقاومة الوطنية” التي يقودها عضو مجلس القيادة الرئاسي، طارق محمد عبدالله صالح، (نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح) متهمون بتهريب صواريخ وأسلحة متطورة من إيران إلى اليمن عبر ميناء بندر عباس الإيراني مروراً بميناء بربرة الصومالي من بينها صواريخ كروز مضادة للسفن، وبعد محاولاتنا زودتنا المقاومة الوطنية بمقاطع فيديو قالت إنها لعناصر الخلية التي قبض عليها في أغسطس (آب) قبالة “مضيق باب المندب وبحوزتهم جوازات سفر وهواتف ثريا وجهاز تحديد الموقع”، تضمنت وفقاً لإفادة المقاومة المرابطة في السواحل الغربية المطلة على البحر الأحمر، “معلومات عن طريقة التهريب بإشراف خبراء الحرس الثوري الإيراني”.
يروي المتهمون وسائل وطرق نقل الأسلحة التي تبدأ عادة من ميناء بندر عباس الإيراني مروراً بموانئ صيد صومالية حتى إيصالها لمسلحي الجماعة مقابل مبالغ مالية.
يكشف متهم يحمل اسم، إبراهيم عمر عقد، ينتمي لمديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة، بدأ العمل مع الميليشيات في العام 2018 عن تفاصيل إحدى العمليات التي انطلق فيها على متن “صمبوق” (قارب صيد) رفقة أربعة آخرين من منطقة الشحر بمحافظة حضرموت ومنها إلى بحر عمان وهناك استقبلوا زورقاً على متنه ثلاثة أشخاص.
يوضح أنهم استلموا منهم الشحنة واتجهوا بها إلى سواحل بربرة الصومالية، وهناك جاء زورق آخر على متنه أشخاص لا يعرفون هوياتهم واستلموا الشحنة منهم.
في عملية أخرى يكشف أنه صحبة شخص آخر اسمه سامح، استقلوا قارباً ثانياً يقوده شخص اسمه عبدالله علي على متنه شحنة أسلحة جديدة، وفي الطريق أفرغوا الشحنة لقارب آخر قبل أن يأتي اتصال لعبدالله علي يأمره بالاتجاه إلى إيران.
يتابع “دخلنا إيران واستقبلنا شخصان أحدهما يتحدث باللغة العربية والآخر يتحدثها بشكل ضعيف”، ويسرد تفاصيل العملية التي بدأت باستضافتهم في بيت به يمنيان يزودانهم بالطعام من دون التحدث معهم وأخبراهم أن يدونوا أي شيء يحتاجونه.
يستطرد “تحركنا بشحنة السلاح إلى بحر عمان وهناك التقانا شخص اسمه يحيى سالم والبحارة الذين معه وسلمناهم السلاح فيما اتجهنا في حال سبيلنا نحو الغيضة”، وهي المركز الإداري لمحافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان.
وظهر في المقطع آخر يحمل اسم مصطفى قداد، ينتمي لمحافظة الحديدة، ذكر تفاصيل مشابهة لما ذكره المتهم الأول.
وللرد على هذه الادعاءات راسلنا الخارجية الإيرانية إلا أننا لم نتلق رداً، كما حاولنا، من دون جدوى، التواصل بمسؤولي السفارة الإيرانية بصنعاء الواقعة تحت سيطرة حلفائهم الذين يتبادلون البعثات الدبلوماسية مع طهران حصراً عن بقية دول العالم التي لا تعترف بسلطتهم.
إلا أن إيران نفت في الـ 20 من فبراير (شباط) الماضي عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني الاتهامات الأميركية بإرسال بلاده الأسلحة إلى اليمن.
وأكد بأن إيران “ترفض بحزم هذه التهم الفارغة وتعتبرها ذريعة أميركية لتبرير العدوان العسكري غير المشروع على اليمن”.
من مناطق الشرعية
عقب شهر ونصف تلقى عقد اتصالاً من عبدالله علي واتجها من المكلا المركز الإداري لمحافظة حضرموت إلى المهرة ومن بحر عمان استلموا شحنة أسلحة جديدة عبر زورق صيد وعادوا بها واستلمها منهم في البر أشخاص ينتمون لمحافظة حضرموت في المهرة.
بطرق متشابهة أوصل المتهم عقد وبقية الخلية سلسلة شحنات، وكما هو مبين في خط سير العمليات، يجري نقل كل شحنة من خلية إلى أخرى عبر البحر والبر وإيصالها للحوثيين.
إلا أن الغريب في الأمر وقوع هذه العمليات في مناطق مثل المهرة التي تقع في أقصى شرق البلاد في نطاق سيطرة الحكومة الشرعية.
بتتبع خط سير الشحنات من المهرة حتى محافظة الجوف كأقرب منطقة يسيطر عليها الميليشيات التي تبعد نحو 1200 كيلومتر، لا بد أن تمر الشحنات عبر نحو نصف مساحة محافظة المهرة وكامل محافظة حضرموت بمساحة إجمالية تبلغ نحو 275 ألف كيلو متر مربع في صحراء شاسعة وهي مساحة تقترب من نصف مساحة اليمن.
يقول العميد الكميم إن ضعف الإمكانات العسكرية واتساع المساحات المترامية في بقعة صحراوية إضافة إلى وجود شريط ساحلي طويل، عوامل أسهمت في أضعاف قدرة الحكومة على تأمين سواحلها وحدودها بالشكل المطلوب قبالة عمليات الضخ الإيرانية لميليشياتها.
خلايا الصحراء والجبال
يؤكد مصدر أمني في محافظة المهرة (شرق البلاد) أن قوات الأمن ضبطت بشكل متكرر شحنات أسلحة مهربة “تبين بعد التحقيق أنها تتبع خلايا تعمل لمصلحة الجماعة الحوثية”.
يقول المصدر لـ “اندبندنت عربية” إن العمليات التي تتم عبر خلايا مكونة من سكان محليين سواء من المهرة أو حضرموت أو الجوف مهمتهم استلام الشحنات التي يكون أغلبها مواد تدخل في تركيب وصناعة الصواريخ والطائرات المسيرة وأجهزة الاتصال اللاسلكي وغيرها سواء عبر منافذ حدودية أو عبر السواحل المهجورة بواسطة قوارب صيد تقليدي يتم دسها في مواد غذائية أو أجهزة إلكترونية.
ومنها تُنقل براً عبر الصحراء إلى أقرب منطقة يسيطر عليها الحوثيون وهي محافظة الجوف (شمال)، وأحياناً تتخذ طرقاً جبلية عبر محافظتي مأرب والبيضاء (شرق).
عن الدور الأمني في هذه الحالة، يشير إلى أن “طول الساحل وتنوع التضاريس المقابلة له بين الجبل والصحراء يصعّب مهام الأجهزة الأمنية محدودة الإمكانات ومع ذلك “تمكننا من ضبط عدد كبير من الشحنات وعناصر الخلايا المتهمة عبر منافذ المحافظة أو السواحل والموانئ”.
ويتطرق إلى تطور التنسيق الأمني بينهم “والدول الشقيقة والصديقة” من دون المزيد من التفاصيل.
وعبر الهاتف تواصلنا بشخص مسؤول من أبناء المهرة عزز حديث المصدر الأمني، ولكنه قال إن بعض الجهات الأمنية تهمل مهامها أو تتراخى أمام عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين وليس فقط في المهرة ولكن في مناطق أخرى مثل عدن ومأرب والبيضاء وغيرها.
سبق وأعلن منفذ شحن الحدودي مع عمان، عن ضبط مواد تدخل في التصنيع العسكري كانت في طريقها للحوثيين.
يؤكد المصدر الأمني أن من بين المضبوطات أجهزة درون ومواد تدخل في صناعة الصواريخ تبين بعد التحقيق مع المتهمين أنها في طريقها للميليشيات.
وزودنا بوثائق لمحاضر ضبط جزء من هذه المواد، إضافة لشحنات أخرى تم تمويهها على هيئة أجهزة كهربائية.
وعقب تواتر أنباء تهريب أسلحة إلى اليمن عبر منافذ حدودية، نفت السلطات العمانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 التقارير التي تحدثت عن تهريب أسلحة إلى الحوثيين عبر حدودها الطويلة مع اليمن، مشيرة إلى أن المهربين يستخدمون سواحل غير خاضعة للمراقبة في اليمن لتهريب الأسلحة.
ثلاث طرق
كان فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات في مجلس الأمن الدولي في تقريره لعام 2020، كشف عن كيفية تهريب الأسلحة والمعدات القتالية إلى جماعة الحوثي.
وأوضح أنه استناداً إلى عمليات الضبط البحري التي تمت عام 2018 وثق ثلاث طرق مختلفة لإمداد الأسلحة والمواد ذات الصلة إلى الحوثيين.
وقال إن شبكات التهريب تستخدم السفن التقليدية التي غالباً ما تعمل من دون أوراق تسجيل صحيحة، ومن دون إرسال إشارات النظام الآلي لتحديد الهوية، ويمكن لهذه السفن تفريغ الشحنات في موانئ صغيرة في المنطقة، أو القيام بالشحن العابر، ما يجعلها خياراً مثالياً لتهريب الأسلحة.
ويتطرق إلى سبب أتاح عبور هذه الشحنات ويتمثل في “الافتقار إلى القدرات وعدم وجود هيكل قيادة موحدة لخفر السواحل اليمني والفساد السائد الذي يعد من العوامل التي تسهم في اتساع نطاق التهريب”.
وأشار فريق الخبراء إلى أن مصادر أبلغته بأن مراكب شراعية يمنية أصغر حجماً تنقل الشحنات من الساحل الصومالي إلى موانئ في حضرموت والمهرة.
لم يتوقف
الدوائر المعنية في الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخبارات التابعة للحكومة الشرعية جميعها ترد بالإقرار على تزويد خصومهم بالأسلحة الإيرانية ولكنها تتجنب التصريح بشكل واضح ربما بسبب حالة الانقسام الذي تعاني منه أجهزتها ومن بينها هيئة الأركان وخفر السواحل والأمن السياسي (الاستخبارات) التابع للشرعية.
وفي نهاية يناير (كانون الثاني) 2022، قالت لجنة خبراء الأمم المتحدة، إن الحوثيين يواصلون انتهاكاتهم للحظر الذي تفرضه المنظمة الدولية على الأسلحة.
وقالت في تقرير من 300 صفحة قُدّم لمجلس الأمن التابع للمنظمة، إن “الميليشيات المدعومة من إيران يستخدمون شبكة معقدة من الوسطاء الدوليين للحصول على مكونات أساسية لأنظمة الأسلحة الخاصة بهم”.
يكشف شريط الأحداث اللاحقة عن إصرار حوثي على الاستمرار في هجماتهم المعلنة في البحر التي بدأوها منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهو عامل يعزز فرضية تزويدهم المستمر بالأسلحة حتى وإن استنفدوا ما لديهم من مخزون أو تعرضه للقصف في إطار عمليات حارس الازدهار.
إذ أعلنت القيادة العسكرية المركزية الأميركية (سنتكوم)، في 15 فبراير الماضي، أن سفينة تابعة للبحرية الأميركية في بحر العرب، صادرت في يناير الماضي شحنة أسلحة من إيران متجهة إلى مناطق سيطرة الجماعة في اليمن.
وأوضحت “سنتكوم”، في بيان نشرته على موقع “إكس”، أنها صادرت “أسلحة تقليدية متطوّرة وغيرها من المساعدات الفتّاكة مصدرها إيران ومتجهة إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن من سفينة في بحر العرب في 28 يناير الماضي”.
وأضاف البيان أن الشحنة “تحتوي على أكثر من 200 حزمة تشمل مكونات صواريخ ومتفجرات وأجهزة أخرى”.
وحتى الآن شنت الجماعة المدعومة من إيران ما لا يقل عن 100 هجوم صاروخي وعشرات الطائرات المسيرة تجاه السفن في البحر الأحمر، وتكرر تهديداتها في استهداف أي سفينة إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل، بحسب تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي”.
معركة البحار
للرد على هذه الاتهامات، التقينا بالقيادي في جماعة الحوثي وعضو فريقها التفاوضي، حميد عاصم، الذي أجاب على سؤالنا عن تلقيهم أسلحة إيرانية بسؤال مفاده: لماذا لا يصورون هذه الصواريخ والطائرات والمعدات التي يقولون إنهم ألقوا القبض عليها؟ وبصيغة الإجابة يضيف “لأنها كلها هراء”.
يقول عاصم “نحن وإيران في محور المقاومة، وهي تساعدنا معنوياً وسياسياً وإعلامياً وهذا واجب عليها”.
ويتابع “قلتها في عدة مقابلات إني أدعو إيران أن تأتي إلينا لتقاتل إلى جانبنا لأننا نضرب بسببها بتهمة أننا مع إيران”.
يسهب عاصم في حديثه عن قدراتهم ويمتدحها، وينقل ما قاله له زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في 2019 “أبشركم أن لدينا من الأسلحة البحرية ما لا يعرفه الصديق ولا العدو والمعركة المقبلة ستكون معركة البحار”.
واستطرد “ما يقال عن إيران أولاً نحن في غنى وأسلحتنا موجودة وطهران ربما دعمتنا بالتكنولوجيا الموجودة مع العالم كله، لكن لدينا شباب مصنع وقادر على المقاومة ونكرر أنه من صنع أيدينا”.
ويضيف “حينما يقال إيران تدعمنا نقول لها إذا استطعت أن تدعمينا فعلى الرحب، لكني أقولها إننا من هذا الموقع سنبيع أسلحة لمن أراد أن نبيع له لأننا أصبحنا نصنع ما لم يتوقعه الأعداء”.
وما بين اتهام محلي ودولي للجماعة “بتنفيذ أجندة إيرانية في البلاد”، بحسب السردية الحكومية، وما يقابله من نفي وإصرار حوثي على الاستمرار في انتهاج القوة سبيلاً لفرض مشروع “الولاية على طريق القدس”، تتفاقم مكابدات ملايين اليمنيين الذين يعيشون أوضاعاً “إنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم” وفقاً لتصنيف الأمم المتحدة، ليشكل بقاء هذا الصراع ابتعاد إضافي عن فرص النجاة في المدى المنظور.
المصدر: اندبندنت عربية