أنتَ نائم والدنيا قائمة قاعدة؟ – كم الساعة؟ – الخامسة صباحًا. – ماذا هناك؟ – قُتلَ عمر، وخالدٌ طارَ ربعُ رأسه مع عينه اليمنى، لكنه ما زال حيًا، ولا نستطيعُ نقله إلى المستشفى، وهناك مَنْ تبرع بوضع قطع من القماش، وإيقاف النزف. – يا الله. كيف ذلك؟ – كانا يساعدان في سحب الأطفال والنساء من تحت الأنقاض عندما سقطت بالقرب منهما قذيفة (هاون). – قذيفة هاون من مدفع بعيد المدى؟ – نعم. هيّا استيقظْ. أغلقتُ السماعة، ودفنتُ رأسي في المخدة. الهاون؛ الهاون كلمة ساكنة في ذاكرتي، ولها وقع محبب، ما هو؟ أغمضتُ عينيَّ، وتصورتُ مشاهد الخراب والمشردين المذعورين في الطرقات والأطفال الباكين الذين يهربون من موت إلى موت، ودخان يمنع الرؤيا، وغبار جعل العصافير تطير وهي لا تعرف أين تختبئ. فجأة تذكرت (الهاون)، نعم الهاون. كان عندنا (هاون) نحاسيٌّ؛ تقيم فيه يد نحاسية أسطوانية ممشوقة القوام، تعتز جدتي به، وتقول: إنه خرج معها في زفافها، تطحن في جوفه ما يلزم، وكنا نجلس حولها كحلقة ذكر صوفية، عندما تطحن لنا القضامة بالسكر، وهي تحذرنا من حمله. لمْ أستطع حمل الهاون في طفولتي، وحملتُ يده المخروطية في السادسة من عمري، وذات صباحٍ مشرق، استيقظتُ قبل الجميع، وأنا أحلم بحمل الهاون ويده، فذهبت إلى المطبخ عابرًا أرض الدار، وعدت مترنحًا فرحًا بالهاون، لكنه سقط من يدي فوق قدم جدي الذي ينام في أرض الدار، فهبَّ من نومه ملسوعًا صارخًا متألمًا، فوقفتُ جامدًا في مكاني، مرتعشًا من شدة خوفي وحزني. وقد مرَّتْ الحادثة بسلام، على الرغم من معاناة جدي في علاج قدمه شهرًا كاملًا، وإحساسٌ بالذنب يأكلني. نهضتُ مهرولًا من فراشي على صوت انفجار هزَّ المبنى، مع تطاير زجاج النوافذ وأثاث الغرفة، نعم إنه الهاون، لكنه ليس (الهاون) النحاسي الذي كانت جدتي تطحن في جوفه القضامة مع السكر.
288 دقيقة واحدة