قراءة في رواية قمر على سمرقند

أحمد العربي

محمد المنسي قنديل روائي مصري متميز وله اصدارات روائية كثيرة…

تبدأ رواية قمر على سمرقند مع بطلها الشاب علي من مصر الذي يبحث عن واسطة نقل تأخذه من مدينة طشقند إلى مدينة سمرقند في افغانستان.. علي الذي يريد الوصول الى صديق والده الضابط السابق رشيدوف رفيق والده ايام كان ضابطا من بعثة ضباط الاتحاد السوفييتي في الجيش المصري ولا يملك إلا صورة باهتة بالابيض والاسود للضابط يحتفظ بها ، مر عليها سنين .كدليل طريق يأخذه إلى مجاهيل كثيرة..
.نور الله اسم السائق الذي يتلقفه ليأخذه إلى هناك.. رجل متميز يتقن العربية. واثق من نفسه . يثير الريبة ويظهر أن وراءه الكثير الذي يخفيه ويحتاج لوضوح.. في طريق وعر وموحش . وفي بلاد تعطي انطباعا انها ذاهلة عن نفسها . موغلة بالفقر والفاقة والفساد… دول خارجة باكرا من عباءة الاتحاد السوفيتي . ولكنها لم تخرج بعد من سطوته ومن وجود وكلاء على شكل حكام مستبدين وتابعين له. الناس موغلين بفقرهم و بحثهم المضني عن لقمة عيشهم.. طول الطريق ومفاجآته تفتح ثغرة في جدار نور الله النفسي ويبدأ بالكلام . مجيبا عن إتقانه العربية وعن سر عمق فكره ومنطقه الذي يتجاوز مجرد سائق حافلة عادي…

في الطريق سيحضرون عرسا و سيكتشف علي كم ان نور الله نهم للحياة والفرح. وكيف يصبح جزء من الحفل. وكيف يصيب قلب الحفل بمقتل. عندما يصل لقلب ام العريس ويكاد يجامعها تحت ضوء القمر وسحر الليل والخمر المتوقد في الدماغ.. سيخوضون معركة مهزومون بها.. و ينجون بأعجوبة.. ويجدون اطارات السيارات وقد فجرت. ويجد نفسه وقد ارتبط مصيرة بنور الله . ويرفض أن يتركه ويكمل طريقه دونه .. يعملوا لفك الاطارات وللبحث عن من يبدلها لهم. سيصلون الى الغجر الذين اصبحوا ملوك التهريب والعلاقات الغامضة. والقادرين أن يصنعوا أي شيء وفي اي وقت .. انهم جزء من شبكة المافيا والمخدرات وكل شيء.. وسيلتقي بالقوم التائهين.. آلاف من البشر المتنقلين يحملون جوعهم وعريهم ومرضهم. تاركين وراءهم بلدانهم التي أصابتها الملوحة ولا ملجأ ولا حل؟!!..زولا يلقون إلا الصد ، ان كل من يلتقون به يقبعون في بيوتهم وقريتهم لا يكاد يجدون ما يسد الرمق فكيف يستقبلوا آلاف المشردين.. مسدودة كل الطرق أمامهم يذوون كأغصان مقطوعة عن أمهاتها. الأطفال والعجائز للموت.. يتلقفهم نور الله يهدئ روعهم يجلس معهم يدعو معهم الله المنجي .. قدم لهم راحة النفس ولم يقدم لهم الخلاص من الواقع.. الغجر يؤمنوا لهم الاطارات الاربعة ومعها خامس مليء بالمخدرات لينقلوه إلى سمرقند بناء على طلب الغجر.كثمن.. وتعود السيارة تلتهم الطريق ويزداد نور الله غموضا.. يسأله علي من انت.. ويجيب نور الله على دفعات.. هو ذلك الطفل الذي نشأ في وادي فرغانة في بلاد الأوزبك.. يمتلئ بحب العلم وطلبه يتوجه الى مرقد “مير عرب” حيث المدرسة الدينية الوحيدة التي تقدم العلم الديني والعربية ايضا.. سيتعرف على قرين روحة .لطف الله الطفل الآخر من نسل عربي جاء أيضا ليتعلم في مير عرب . ذلك الصرح الذي بناه أمير عربي من اليمن وتقادمت عليه الأيام وبقي منارة للعلم الشرعي في هذه البلاد..الحياة قاسية في المعهد. علي اعتزل العالم حتى حفظ القرآن وفك مغالق العربية وأدرك بقلبه وعقله ما بين يديه من كتاب الله.. سيعتصم وقتا طويلا حتى يمتلك ناصية اللغة العربية ويحفظ شطرا من القرآن.. وسيخرج إلى البلدة ويتقاطع مع قدره. فتاة يهودية تسلب لبه في نهر البلدة الكبير. والبلاد هناك كلها انهار تتقاطع كما أوردة وشرايين الجسم.. ستغويه و سيكتشف أن جسده عطش للحياة . كما روحة للفهم والإيمان.. ويعود للمعهد محملا بشعور الإشباع والخطيئة ايضا.؟!!. سيكشف أمره للطف الله . يحذره أن ذلك يجعله ضحية اليهود فلها أهل .. والطرد من المعهد فهذا مروق وخطيئة. ويحتاج لردع وعقاب.. لكنه وكلما أوغل في نفسه وجدها تواقة لنهر الحياة ينهل منه.. وعاد ثانية وثالثة . وهناك كاد يخسر حياته ورجولته. انقذه لطف الله. ومع ذلك كان المعهد كله في مهب الريح.. فقد قرر ستالين (رئيس الاتحاد السوفييتي الجبار) ان يغلق المعهد. وأن يمنع تدريس العربية وتداولها… وحاولوا المقاومة وفشلوا حوصر المركز مات فيه من مات قهرا وجوعا ومرضا وانسحب الباقون.. عاد لطف الله إلى اهلة رجل دين بين اهلة وناسة.. نور الله رفض العودة مهزوما لاهلة لا يحمل لهم غير الخيبة وفقرا يزيد فقرهم . استمر حيث هو في بخارى . يعمل في كل أصناف الاعمال المهم أن يؤمن قوت يومه. وتسوقه الأقدار مجددا لفتاة روسية وسريرها.. ليجد نفسه في مواجهة الأمن السوفييتي.. واجهوه بحقيقته.يوم اغوى اليهودية.. وكذلك الروسية . ويوم تظاهر ولطف الله وطلاب مير عرب ضد السوفييت يوم اعدام قادري شاعر بخارى.. وقالوا له امامك خياران اما نأخذك الى سيبيريا سجن ومنفى . أو تعود  الى مير عرب التي ستفتحها (بعد موت ستالين) وتكون رجلنا ولك المستقبل.؟!.. أمران مران لا حلو فيهما. ويدخل في ازدواجية الحياة والسلوك. رجل دين محترم ظاهرا. و مخبر حقير في العمق .لن ارضى عن ذاتي وتنشطر شخصيته… ويرتفع في المناصب وفي المهام.. يذهب لمصر في وفد لمسلمي السوفييت مرتين. يلتقي بعبد الناصر.. وسيلتقي ب (سيد قطب) ملهما للحركات الإسلامية في العالم. سيحمل كتابة (معالم في الطريق). سيوصله (للطف الله). وليكون نواة لمجموعة تعمل للخلاص الإنساني. عبر فكرة إعادة إحياء الدولة الإسلامية.؟!!. ولكن تعتقل المجموعة فتلقى مصير السجن والإعدام . ويقعون ضحية استحالة حلمهم. وغلبة الحكام وجبروتهم… ويتدرج نور الله في المناصب ليصبح مفتي البلاد التي خرجت من حكم السوفييت الظاهر. لتستمر تحت هيمنة الروس.. وأجهزة الأمن والدولة التابعة لها. وعندما يرفض توقيع امر اعدام لطف الله وأنصاره.. يجرد من كل مكتسباته و مناصبه. ويعود رجلا مغضوبا عليه وليس له الا سيارته التي يتعيش منها.. وبعض مريدن يجدهم بانتظاره دوما . في أغلب المدن في بخارى وعند مقام البخاري.. وهو بين سجن ونفي وحياة ممتلئة بحث دؤوب عن لقمة عيش ومعنى وطلب غفران قد لا يأتي…
.يصل. علي الى سمرقند المدينة المتوجة على هامة التاريخ.. من هنا مر الاسكندر . وهنا بنى مجده تيمورلنك.. من هنا انطلقت الغزوات لأقطاب الأرض .. هنا كل حجر له تاريخ . وكل مسجد ومعلم يتكلم ويقول الكثير.. هذا قصر بيبي خاتون الغير مكتمل وحكايته الأقرب للاسطورة.. بناء لكسب ود وجسد فتاة اصبح قلبها عصي على تيمورلنك الذي فرض طاعته على الدنيا ولم يمتلك قلب وجسد هذه الفتاة التي تفتح قلبها وجسدها للبنّاء الذي صنع لها القصر الرائع.. وعندما عاد تيمورلنك وعلم اين اصبح قلب حبيبته. هدم القصر وقتل البناء.. وخسر احساسه بمجده وعلم بنقصه واستسلم  الى بداية نهايته… في هذه المدينة الممتلئة بالتاريخ سمرقند العراقة.. يسكنها احساس الشيخوخة المذلة فهي ماخور في الليل للدعارة ..الاولاد مسروقين من اهلهم وضائعين.. بين فقر وفاقة وشبكات المافيا وتهريب المخدرات والدعارة.. يصل للجنرال رشيدوف ليجده وزوجته مستكينا مكسورا لحالة كئيبة كالموت.. ابنتهم الوحيدة غادرتهم دون عودة للالتحاق بعالم الليل والكحول والمخدرات والدعارة.. يحاول مساعدتهم . ليشهد ضياع الشباب وسهولة تورطهم ورخصهم ورخص حياتهم أمام مصالح المافيا.. التي تحميها الدولة وأجهزتها لأنها تدفع اكثر.؟!!. و ليكتشف أن هذه البلاد المحملة بكل هذا التاريخ هي الآن ضحية مقيتة بأعز ما تملك أولادها وهم مستقبلها. فقر وجهل ودعارة ومخدرات وضياع.. تعرف علي على (طيف) الفتاة التي تلقفته انسانيا وساعدته . والتي كانت له في غربته وضياعه ملجأ وتحابا وتواصل معها وعاشا تجربة الجسد وتوقه. ووجد أن في الدنيا متسع للحب وإشباع الجسد والروح والنفس… ولكن لم يكتمل فرحة .فيحضر نور الله ويعنفه ويطرده .؟!!. وعندما أراد أن يرحل الى مصر يعود له نور الله.. ويأخذه ليعيده من حيث اتى ولكن طالبه ان يقول له من هو…
من علي .؟!!. انه شاب مصري نشأ في بيئة متميزة. فهو ابن ضابط أمن كبير يعمل في قلب دائرة الحكم قريبا من الرئيس (السادات) .الولد لا يجد من مجد ابيه الا القيود والحياة المراقبة ..وفقد أمه باكرا فقد غابت .لا يعرف لماذا ؟!.. أصبح الوالد جهاز أوامر.. هو احد الجنود المطيعين المحيطين بأبيه.. عندما اصبح في سن الجامعة قرر له ابوة ان يدخل السلك العسكري ليرث مجد أبيه ومجد الجيش.. سيدخل رغما عنه هذا السلك . ومع ذلك سيسجل في كلية الطب سرا… في الكلية الفنية العسكرية. سيكون المدلل هو محط الإعجاب والحسد والحظوة والعداء الدفين. فهو ابن للحكام.. سيحتك به طالب اقدم (طلال) . و يحاول أن يجذبه لمجموعته الدينية. ولكن لم يفلح ، يبادله طلال العداء.. يعامل على أنه من الحكام الظلام الذين يجب أن يحاربوا.وسيعلم كثيرا عن عالم الجيش الذي كان مهزوما ويمتص الشعب . سيخوض في حياتهم ويكتشف أن أغلب ضباطه لهم امراضهم النفسية والاجتماعية. أمه هربت ولم يعرف لماذا ؟! ولا أين هي ؟!. وكذلك ابنة الضابط تهامي فايزة التي دمرت حياتها فأمها دائما على علاقة سيئة مع الاب . والأب الذي على علاقة سفاح مع الابنة. والتي لم تتجاوز مشكلتها إلا بالزواج بأحد الضباط عند والدها  ولكنه استشهد في حرب 1973 . و تعود لسيرتها الأولى وتحاول التحرر من عارها مع علي من خلال التواصل الجسدي و معترفة له بكل شيئ وهو بين الحياة والموت. وسيكون هناك محاولة ساذجة  للانقلاب على الحكم من خلال السيطرة على الكلية الفنية تنتهي ببساطة. ويكون ضحيتها بعض الطلاب. وكاد يقتل فيها علي.. (وهذا حصل فعلا كتاريخ).. ويستفيد علي من ذلك ويعود الى الجامعة ويدرس الطب.. ويبحث عن زميلته سلمى التي ساعدته بالتسجيل بالجامعة . والتي وجد بها ذاتا اخرى له اكتشف انها توده وانه يحبها وانها عند خالتها التي تعرفت عليه. وحمّلته أمانة أن يصونها وان يعمل لتكون زوجة له… وهنا حصلت مستجدات: السادات قرر الصلح مع (إسرائيل)..  طرد الخبراء السوفييت. وطرد رشيدوف صديق الوالد الوحيد.. وسيحاول الطلاب التظاهر . وستكون سلمى ضحية الاعتقال .ويشاع عن علي انه مراقب وانه قد يكون مخبرا . وخسر احترامه لنفسه وحتى مشاعر حبيبته. والاب تصيبه نتائج علاقة السادات مع (إسرائيل) .. فيعزل من منصبه. ويخسر كل مجده ويدخل في متاهة نفسية. بأنه يمتلك حقائق عن أعداء هو وهم ام واقع .ويحاول الوصول للرئيس ويمنع اول مرة. وقتل في المحاولة الثانية ويرمى في النيل ويقال أنه غرق به؟!! . هنا اراد علي ان يعرف عن والده ماخفي. فذهب إلى سمرقند ليشاهد رشيدوف صديق والده ليجد أن لا أسرار عنده. ويتقاطع مع ذلك التاريخ ونور الله . و(طيف) الفتاة التي افتقدها.. ولنسأل بعد نهاية الرواية هل التقاها فعلا.. ولكي لا تكون رواية مأساة فقط…
.نحن أمام رواية بعدة روايات.. عوالم كاملة منفصلة.. ولكل عالم له عمق يمتد أحيانا لمئات السنين.. هي رواية الحياة بكل صخبها الفردي والجماعي والمجتمعي والتاريخي والسياسي أيضا . فيها من كل هذا ..
.فيها اعتراف ان الانسان بكونه باحث عن الحرية والعدالة والحياة الأفضل. دائما يقع ضحية المستعمر أو المستبد الظالم . الذي يستغل الشعب ويصالح العدو ويبني مجده على تخلف ونهب الشعب وتشريده في كل أقطاب الأرض…
.إنها رواية أخرى تقول أن كل الظروف التي يعيشها انساننا تدفع لربيعة الذي جاء.
.نحن أمام عمل فريد يستحق كل التقدير.
.شكرا محمد المنسي قنديل…

1.3.2014

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “قمر على سمرقند” للروائي المصري “محمد المنسي قنديل” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية عن الشاب المصري علي الذي يبحث من يوصله من مدينة طشقند إلى مدينة سمرقند في افغانستان وتروي حوادث مسيره ،لتكون سعي الشعوب نحو الحرية والعدالة والحياة الأفضل. تقع ضحية المستعمر أو المستبد الظالم وبالتالي لتكون سبباً للربيع والثورة.

زر الذهاب إلى الأعلى