النظام السوري يخرق الالتزام بتنفيذ “التدابير المؤقتة” لـ”العدل الدولية”

براءة خطاب

ركّز النظام السوري خلال السنوات الـ13 الماضية على إخفاء أي دليل أو برهان قد يثبت الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق الشعب السوري، لا سيما من تعرضوا للاعتقال على يد الفروع الأمنية وقوات النظام خلال الثورة.

أحدث الأدلة التي يحاول النظام السوري إتلافها، مقبرة جماعية قرب مدينة القطيفة في محافظة ريف دمشق، إذ نشرت “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا“، في 30 من كانون الثاني الماضي، صورًا التقطت بالأقمار الصناعية، كشفت فيها عن عمليات تجريف وتسوية في موقع المقبرة.

تقع المقبرة على بعد حوالي 45 كيلومترًا شمال العاصمة دمشق، قرب قيادة “الفرقة الثالثة” في جيش النظام، ويرجح أن آلاف المعتقلين السياسيين الذين أعدموا أو ماتوا تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز، دُفنت جثثهم في المنطقة التي جرى تجريفها.

وأظهرت الصور التي يعود تاريخها إلى بداية عام 2023، أعمال حفر واسعة النطاق وتسوية للأرض مع انقلاب التربة في الموقع، ويبدو أن عمليات التجريف بدأت نهاية صيف 2022، وانتهت في كانون الثاني 2023.

تثير صور الأقمار الصناعية الأخيرة للمقبرة تساؤلات حول تسهيل النظام تدمير المقابر الجماعية، في سبيل طمس أي أدلة على التعذيب أو الاختفاء القسري المتواصل منذ 2011، ولم يعد الموقع مرئيًا بالخارج أو ظاهرًا في صور الأقمار الصناعية.

هذه الصور ظهرت للعلن بالتزامن مع القضية التي رفعتها كل من هولندا وكندا ضد سوريا في محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، في حزيران 2022.

وفي 16 من تشرين الثاني 2023، أصدرت المحكمة قرارها بشأن “التدابير المؤقتة” ونص على أن تقوم الحكومة السورية، وفقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية “مناهضة التعذيب” (صدقت عليها في 2004)، باتخاذ جميع التدابير لمنع أعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وضمان عدم ارتكاب مسؤوليها أو المنظمات أو الأشخاص الخاضعين لسيطرتها للتعذيب.

المحكمة أكدت في الوقت نفسه مقتل عشرات الآلاف خلال الثورة السورية، وأمرت النظام السوري أن “يتخذ إجراءات فعالة لمنع إتلاف الأدلة المتعلقة بأعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وضمان الحفاظ عليها”.

النظام يماطل

في 9 من شباط الحالي، حددت محكمة العدل الدولية موعد تقديم كندا وهولندا المذكرتين القانونيتين المتعلقتين بانتهاكات سوريا لاتفاقية مناهضة التعذيب في 3 من شباط 2025، وموعد تسليم النظام السوري لمذكرته المضادة للشكوى في 3 من شباط 2026.

المحامي المختص في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني، قال لعنب بلدي، إن النظام يحاول المماطلة بطريقة “فظة وغليظة” في إجراءات ومُهل محكمة العدل، ويعمل على الاستفادة من تلك المهلة في محاولات طمس أو إتلاف الأدلة التي تدل على ارتكابه جرائم حرب من تعذيب وقتل للمعتقلين في سجونه.

وطالما أن النظام السوري يقوم بخرق “الإجراءات المؤقتة” العاجلة التي طُلبت منه في المحكمة والتي كان أحد بنودها الأساسية حفظ الأدلة المتعلقة بالتعذيب، يحق لقضاة محكمة العدل وفقًا للمادة “42.2” من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، تقديم التماس لمجلس الأمن وإحاطته بهذا الخرق.

 “وعندها نكون قد انتقلنا لمرحلة جديدة، إذ من المحتمل أن يفرض مجلس الأمن الإجراءات المؤقتة بشكل عاجل من جديد”، وفق الكيلاني.

أما الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري فقال عبر حسابه في منصة “إكس“، في 13 من شباط الحالي، إن الإطار الزمني المحدد بسنتين من العدل الدولية، هو أكثر من كافٍ لكي يتمكن النظام السوري من مسح جميع الأدلة التي يمكنه الوصول إليها، بما في ذلك إبادة المعتقلين ويشمل ذلك تكثيف عمليات الإعدام، بالإضافة إلى التلاعب بالأدلة أو إتلافها، وإخفاء المقابر الجماعية، والتلاعب أو التغيير أو إتلاف التقارير الطبية والسجلات المدنية وأرشيفات المحاكم.

كما يشمل تخويف أو عزل الموظفين الرئيسين، وقد يتضمن استهداف مسؤولين لهم صلات مباشرة بأعلى سلسلة في قيادة النظام السوري، من خلال الاعتقالات أو التهديدات أو حتى الاغتيالات.

كما سيعمل على إصدار قرارات عفو مضللة وقوانين غير قابلة للتنفيذ، بحسب العمري، منوهًا إلى أن المحكمة لم تطلب من الحكومة السورية تقديم تقرير عن تنفيذها لـ”التدابير المؤقتة”.

وختم العمري بأنه يمكن لمجموعات حقوق الإنسان السورية والدولية أن تلعب دورًا حيويًا في المراقبة الدقيقة للإجراءات ذات الصلة التي تتخذها الحكومة السورية وتوثيقها.

إلى ماذا تستند تحقيقات “الرابطة” في الكشف عن المقابر

في آذار 2022، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقًا بالتعاون مع “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” حول مواقع المقابر الجماعية في سوريا ودورها في إثبات وتوثيق جرائم الحرب التي يرتكبها النظام، ونجحت الصحيفة، بناء على معلومات وشهادات قدمتها “الرابطة”، في تحديد موقع مقبرتين جماعيتين من المتوقع أنهما تحتويان على آلاف جثث السوريين الذين قتلوا في المعتقلات.

وتستند تحقيقات “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” في الكشف عن المقابر الجماعية في سوريا بالدرجة الأولى إلى شهادات لعاملين سابقين بثلاثة أجهزة (المخابرات والشرطة العسكرية وجيش النظام، بحسب قرب المقبرة من القطعة العسكرية)، وفق ما قاله مؤسس “الرابطة”، دياب سرية، لعنب بلدي.

سرية قال إن معظم المقابر الجماعية المركزية لدى النظام كانت قرب النقاط العسكرية، وبناء على تحليل الرابطة لمواقع المقابر، وشهادات بعض الشهود، فإن النظام اتبع هذه الآلية لتوفير الحماية بشكل أكبر للمقابر.

وتحدث سرية عن خمس مقابر جماعية، هي “القطيفة” و”نجها” و”جسر بغداد” و”قطنا” ومقبرة في الضمير، لكن بعضها لم تتوفر أدلة قطعية عنها، والوصول إلى الشهادات لإثبات وجود عمليات الدفن كان ضعيفًا، لذلك لم تتوسع “الرابطة” لاحقًا بالتحقيقات حول بعضها، مشيرًا إلى أن العمل والاستماع إلى الشهادات ما زال مستمرًا.

سرية قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن الكشف عن المقابر دون توفر الأدلة الكافية يمكن أن يدفع النظام لنقل المقابر من مواقعها قبل توثيقها بشكل كامل.

وأحدث الكشف عن المقابر الجماعية وصور الأقمار الصناعية التي كشفت عن تجريف مقبرة “القطيفة”، تغطية إعلامية واهتمام هيئات دولية وأممية خاصة بعد الجلسة الأولى في محكمة العدل الدولية، لأن المقبرة أحد الأدلة على انتهاكات النظام وممارسة التعذيب في مراكز الاحتجاز، بحسب سرية.

كما أن المقبرة كان يدفن فيها رفات الأشخاص الذين توفوا تحت التعذيب في سجن “صيدنايا” أو الفروع الأمنية، بالإضافة إلى الأشخاص الذي جرى إعدامهم.

لا تجاوب من النظام

وبعد نحو ثلاثة أشهر من قرار المحكمة، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 22 من شباط الحالي، بيانًا وثقت فيه مقتل ما لا يقل عن 16 شخصًا بسبب التعذيب، إضافة إلى ما لا يقل عن 246 حالة اعتقال، بينها ستة أطفال و17 سيدة،  أفرج عن 29 منها، وتحول 217 منها إلى حالات اختفاء قسري، منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية في 16 من تشرين الثاني 2023 وحتى 21 من شباط الحالي.

وقالت “الشبكة”، إن محكمة العدل الدولية في لاهاي أصدرت قرارها بشأن طلب تحديد “التدابير المؤقتة” الذي قدمته كندا وهولندا في القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية “مناهضة التعذيب” وغيره من المعاملات أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ضد النظام.

كما ذكرت “الشبكة” أن النظام لم يأتِ بأي تغيير يذكر في “سياساته القمعية، ومنظومته الأمنية المتوحشة”، أو على صعيد إلغاء القوانين التي تشرعن التعذيب والإفلات من العقاب، كما لا يوجد أي مؤشر أنه توقف عن التعذيب، بل إنه مستمر في ارتكاب المزيد، وصولًا إلى القتل تحت التعذيب.

المصدر: عنب بلدي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى