لم تأتِ القمة الثلاثية حول سورية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني عبر تقنية الفيديو كونفرنس أمس الأربعاء بجديد، ولم تصدر عنها أي تفاهمات جديدة، باستثناء تكرار المكرر، على الرغم من أنّ هناك مَن أشار إلى أهميتها، في ظلّ التطورات الحالية، التي يكثر فيها الحديث عن سعي الدول الفاعلة إلى بلورة حل سياسي جدي في سورية، بالتزامن مع دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ، ومحاصرة النظام سياسياً واقتصادياً، فضلاً عن محاصرة حلفائه.
وقد ناقش الزعماء الثلاثة في قمتهم، أمس، الوضع الميداني الراهن في سورية، وأكدوا تعزيز التنسيق بينهم في هذا الشأن، مشددين على أن النزاع السوري لن يزول إلا بعملية سياسية يقودها السوريون بتسهيلات من الأمم المتحدة، وذلك بحسب البيان الختامي للقمة الثلاثية. وقد أكد البيان ضرورة إحلال التهدئة في محافظة إدلب، من خلال تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالمدينة، وتسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين السوريين وحماية حقوقهم، فضلاً عن تأكيد معارضة أي أجندة انفصالية تهدد الأمن القومي للدول المجاورة لسورية. وقرر الرؤساء الثلاثة عقد القمة المقبلة في طهران بناءً على دعوة روحاني.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّ أولوية بلاده في سورية، هي الحفاظ على وحدتها السياسية وسيادة أراضيها وإرساء الهدوء، تمهيداً لحل دائم للصراع فيها. وقال في كلمة له خلال القمة إنّ أنقرة ستواصل بذل الجهود من أجل إحلال الأمن والاستقرار والرخاء في سورية. بدوره، أبلغ بوتين نظيريه التركي والإيراني، بأنّ هناك حاجة إلى حوار سلمي بين الأطراف المتحاربة في سورية، مشيراً في كلمة له خلال القمة إلى أنّ “بؤراً للإرهاب لا تزال موجودة في إدلب ومناطق أخرى بسورية”. وأشاد بوتين، في الوقت نفسه، بتحسّن الأوضاع في مناطق خفض التصعيد بمنطقة إدلب، عقب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين أنقرة وموسكو، في مارس/ آذار الماضي. من جهة أخرى، ندد بوتين بالعقوبات الأميركية الجديدة على سورية، الهادفة بحسب قوله إلى “خنق” هذا البلد.
من جهته، اعتبر روحاني أنّ “لا حلّ عسكرياً” في سورية. وقال إن “الجمهورية الإسلامية تعتبر أن الحل الوحيد للأزمة سياسي”. وأضاف: “ما زلنا ندعم الحوار بين الأطراف السوريين، ونؤكد تصميمنا على مكافحة إرهاب داعش والقاعدة وجماعات أخرى مرتبطة بهما”. كذلك، قال روحاني إنّ “الوجود غير القانوني للقوات الأميركية في سورية يجب أن ينتهي فوراً”، وأضاف أنّ “إيران ستواصل دعمها للحكومة الشرعية في سورية”، مقللاً من أهمية قانون “قيصر” الأميركي، ومؤكداً أن العقوبات بموجب هذا القانون لن تحقق أهدافها.
وجاءت القمة بين الرؤساء الثلاثة، في الوقت الذي تكثف فيه موسكو من جهودها الدبلوماسية لبحث صيغة جديدة للحل في سورية، ولا سيما من خلال لقائها بشخصيات سياسية معارضة وشخصيات فاعلة ذات بعد سياسي واجتماعي ومذهبي، فيما تشير المعلومات إلى تحركٍ تركي في الإطار ذاته، للتنسيق مع روسيا بهدف الاتفاق على شخصيات يكون لها دور في المرحلة المقبلة، التي قد تشكل عنواناً أو مقدمة للمرحلة الانتقالية للبلاد.
وفي تصريح لـ”العربي الجديد”، أكد السياسي التركي، يوسف كاتب أغلو، عضو حزب “العدالة والتنمية” الحاكم والمقرب من الحكومة، أنّ “القمة ضرورية، ولا بدّ منها من أجل استكمال التفاهمات السياسية بخصوص الملف السوري”، مشيراً إلى أنّ “تركيا ترى ضرورة التزام تنفيذ ما جرى التوافق عليه في مباحثات أستانة وسوتشي وتأمين المناطق على حدودها، وعدم السماح لأي تغيير ديموغرافي في المنطقة، أو تأسيس أو تجزئة الأراضي السورية على أساس عرقي أو مذهبي، بالإضافة إلى تقييم مراقبة وقف إطلاق النار، ووضع خطة المرحلة المقبلة، لتأمين عودة المهجرين وتفعيل الحل السياسي للمرحلة القادمة”.
وتشير معلومات من مصادر إعلامية تركية، إلى أنّ الولايات المتحدة فوضت أو قد تزيد من صلاحيات تركيا في الملف السوري لجهة إيجاد صيغة مقبولة دولياً للحل، وذلك من خلال التباحث مع روسيا حول الملف. ولا شكّ في أنّ الخلافات بين أنقرة وموسكو ستظهر حول هذا الملف بالتحديد، مع تراكم الخلافات حول ملفات أخرى، إذ تتمسك تركيا بضرورة خلوّ المرحلة الانتقالية من أي وجود للنظام أو على الأقل للأشخاص الذين كان لهم دور كبير خلال سنوات الحرب التسع وتلطخت أيديهم في الدماء، فيما تسعى روسيا إلى إشراك النظام بجزء من المرحلة المقبلة، وهذا ما توضحه التسريبات التي خرجت عن لقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بالرئيس الأسبق للائتلاف السوري، معاذ الخطيب. وينتظر أن يتضح الموقف الحاسم لواشنطن تجاه النظام بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة، ولا سيما من خلال الحزمة الثانية من العقوبات على النظام السوري وداعميه بموجب “قانون قيصر”.
وكانت الأطراف المتصارعة على الأرض في إدلب قد استبقت القمة الثلاثية بمناوشات عسكرية على خطوط التماس. فقد استعادت فصائل المعارضة، فجر أمس الأربعاء، مواقع كانت قد تقدمت إليها قوات النظام ليل الثلاثاء بعد اشتباكات عنيفة وقصف مدفعي متبادل أوقع خسائر بشرية من الطرفين. وقالت مصادر من “الجبهة الوطنية للتحرير”، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الفصائل تمكنت من استعادة مواقعها في محور قرية الرويحة بريف إدلب الجنوبي، وذلك بعد هجوم معاكس وقصف مدفعي مكثف كبدت فيه قوات النظام خسائر بشرية وأجبرتها على الانسحاب.
وجددت قوات النظام عمليات القصف المدفعي والصاروخي على بلدات وقرى سفوهن والزيادية وبينين وفليفل وكنصفرة وشنان في ريف إدلب الجنوبي، والزيارة والعنكاوي في سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي. فيما قصفت قوات المعارضة تجمعات للنظام في محور بلدة الدانا شمال مدينة معرة النعمان.
إلى ذلك، سيّر الجيشان الروسي والتركي أمس الأربعاء، الدورية المشتركة رقم 19 على طريق حلب-اللاذقية “أم 4” المار من إدلب، بحسب الاتفاق الموقع بين موسكو وأنقرة في الخامس من مارس الماضي. ووصلت الدورية إلى بلدة الغسانية في ريف جسر الشغور غربي إدلب، حيث انطلقت من بلدة الترنبة قرب مدينة سراقب وسط إدلب.
المصدر: العربي الجديد