بعد محاولات استمرت لأسبوع نجح سيف الدين محمد، أحد موظفي القطاع الحكومي داخل دمشق، في تأمين عبوتي دواء “الضغط” لوالدته، من خلال قرابة تربطه بأحد الصيادلة في مدينة الكسوة، التي تبعد حوالي 18 كم عن دمشق محل إقامة سيف الدين.
ويقول محمد ل”المدن”، إن “الأولويات باتت واضحة للجميع، وهي تأمين الخبز والدواء والغاز، والبحث عن الحاجيات الأقل سعراً، بينما الأحداث السياسية ما هي إلا ضياع للوقت وتلاعب بالمشاعر”.
بينما تحاصر الأزمات المتعددة المواطن السوري، ابتعد جزء كبير من سكان العاصمة دمشق عن متابعة التطورات السياسية والميدانية، كما غاب العديد من المصطلحات المتعلقة بالثورة والحرب والمعارك والفصائل والتسويات، لتتحول اهتمامات المواطن إلى معرفة أسعار المواد الغذائية والدوائية وغيرها من مقومات الحياة الأساسية.
وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، في تقرير لها عن الاحتياجات الإنسانية في سوريا لعام 2019، فإن 83 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
وكشفت دراسة نشرتها صحيفة “قاسيون” في 6 نيسان/أبريل 2020 أن ارتفاع تكاليف المعيشة الشهرية للأسرة السورية وصلت إلى 380 الف ليرة سورية، خلال الربع الأخير من العام 2019، فيما يبلغ راتب الموظف الحكومي في سوريا بعد الزيادة الأخيرة بين 57 ألف و80 ألف ليرة سورية للفئة الأولى.
توسُّع هامش الفقر مترافقاً مع عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتدهور سعر الليرة، خلق موجات قلق بين سكان العاصمة، ومنهم سيف الدين محمد، الذي خضع في نهاية 2019 لجلسات علاج نفسي، شخّص الطبيب خلالها حالته ب”الإكتئاب”، نتيجة الضغوط النفسية والقلق والتوتر الدائم الذي يعيشه. ويقول: “أصبحنا مبرمجين تماماً على أن نكون آلة لا تتوقف عن العمل، والبحث عن أساسيات الحياة وتأمين لقمة العيش لعائلاتنا”.
وتقول سمر الدمشقي، ناشطة إعلامية في دمشق، إن التطورات السياسية والعسكرية لم تعد تهم المواطن السوري، “كل ما يهم المواطن اليوم هو متابعة سعر الليرة وأسعار المواد التموينية الأساسية”، حتى تطورات كورونا أصبحت خارج دائرة اهتماماته.
قيصر لم يأتِ بالجديد
وترى الدمشقي أن قانون “قيصر” لم يأتِ بالجديد على المواطن السوري، ف”الخناق الإقتصادي ليس وليد المرحلة الراهنة ولم يظهر مع قانون قيصر. نحن نعيش تحت ظل هذا القانون من قبل، وهذا وضعنا الطبيعي منذ أعوام”.
“لا التطورات السياسية ولا العسكرية ولا الأخبار المحلية ولا قانون قيصر وأخبار كورونا باتت تعني شيئاً للسوريين”، بحسب الدمشقي، مضيفةً “كل الطبقة الفقيرة المتواجدة على الأراضي السورية لا تهتم بكل هذه الأمور. همّي وهمّ الجميع اليوم هو تحصيل مبلغ أقله 10 آلاف ليرة لتأمين طعام عائلة مؤلفة من خمسة أو ستة أشخاص في اليوم الواحد”.
لدينا ما هو أهم
كحال الكثيرين من السوريين يعاني أبو وائل، (إسم مستعار)، من صعوبات مادية، تحولت إلى هاجس يعيشه على مدار الساعة. ويقول أبو وائل ل”المدن”: “منذ بداية العام أعمل بدوام إضافي بعدد ساعات يصل إلى 14 ساعة”.
ويعمل أبو وائل في مجال صيانة الهواتف المحمولة، والتي تتطلب منه تركيزاً عالياً، بينما لم يعد لديه وقت لمتابعة ما يجري في الشارع السوري، بحسب قوله.
وتصف هبة (إسم مستعار)، تعمل مدرسة وتحضّر لشهادة الدكتوراه، ما وصلت إليه الغالبية من الشعب السوري في الداخل من “اليأس والاستسلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي”. وتقول هبة ل”المدن”: “كنت أتمنى وعائلتي الهجرة، وعدم البقاء في هذا البلد الذي لا يبدو أنه سيتعافى في وقت قريب، خاصة بعدما بتنا نرى تقارير عن بيع الكِلى من شدة الفقر”.
وكانت تقارير إعلامية سورية كشفت الأسبوع الماضي، عن تصاعد معدلات تجارة بيع الكِلى في مناطق سيطرة النظام، لافتة إلى وجود 7 سوريين في العاصمة دمشق، أقدموا على بيع كِلاهم بمبلغ وصل إلى 30 مليون ليرة، بسبب تردي الأوضاع المعيشة والاقتصادية.
المصدر: المدن