قراءة في رواية: مثابر

أحمد العربي

حمزة دنّو روائي سوري شاب من الجيل الجديد، واعد…

مثابر رواية حمزة دنّو الأولى التي اكتب عنها، لغة السرد فيها على لسان الراوي، ولكن سرعان ما تعود لغة السرد في ثنايا الرواية الى لغة المتكلم على لسان مصعب الشخصية المحورية فيها…

بدأت الرواية من خلال رصد عودة مصعب ووالدته بسيارتها الى البيت، و ملاحقة سيارة أخرى لها وصدمها من خلفها، مما ادى لصدم سيارة مصعب ووالدته في احد الاعمدة المتواجدة على طرف الشارع، واصابة والدته إصابة قاتلة ادت لوفاتها، وهو أصيب بجروح وغاب عن الوعي…

اللافت في الرواية أننا لا نعلم بأي مدينة نحن، ولا حتى في أي دولة. ولولا مراجعتي الفيس بوك لأعرف من المؤلف حمزة دنو ؟. لما علمت أنه من حلب: مدينة المنشأ، وهو مستقر في مصر…

تتابع الرواية من خلال مصعب الدخول في عوالمه الذاتية النفسية والفكرية والاجتماعية. فهو أخذ الشهادة الثانوية، ودخل كلية طب الأسنان، بناء على رغبة أهله. رغم أنه عاشق للقراءة والكتابة إلى درجة الهوس. فهو دائم الحلم بأنه سيكون روائيا وسيكتب الكثير من الروايات، وينشرها، ويحصل منها على ريع يستفيد منه. والد مصعب يعمل ولا نعرف في ماذا؟. له اخ اكبر منه متزوج وله أولاد، منفصل عن العائلة بشكل كلي تقريبا، وذلك بسبب خلاف مع اهله حول اختيار زوجته. بالطبع موت الام بالحادث أعاد الاخ ليكون قريبا من العائلة. لدى مصعب أخت متزوجة من انسان نهم وسيء وله أم عدوانية، يعامل الصهرزوجته بعدوانية ويضربها احيانا، وصلت علاقة أخته وزوجها للطلاق مرتين وفي كل مرة تستمر في حياتها الزوجية من اجل اطفالها…

احد اعمام مصعب عدواني بخيل حسود  سيئ، يهاتر مصعب في كل لقاء بينهما، عن هوسه بكتابة الرواية وأنها لا تشبعه “علفا” مأكول الحيوانات، في احتقار، مصعب يتحمل احيانا ويرد عليه احيانا اخرى…

عم مصعب الكبير رجل محترم له ابنة من عمر مصعب، دخلت الجامعه مثلة لدراسة الحقوق. بينهما عواطف مغطاة بحكم الادب والاحترام الاجتماعي والديني…

مصعب في أعماقه يثوي تديّن اسلامي يقارب كل القضايا بخلفية الحلال والحرام، يستحضر القرآن والحديث في ذاكرته احيانا. كما أن لمصعب بعدا متعاليا في التفكير يعتبره شطحات فلسفية، يحاول أن ينظّر بها لما يعيشه ولما يعايشه. وما يطمح له، وما يفعله أيضا…

لم يتوقف مصعب كثيرا عند مقتل والدته بحادث السير المفتعل والمقصود، ترك الأمر ليكتشف لاحقا في ختام الرواية، بأن القاتل هو عمه السيء الذي كان يقود تلك السيارة التي صدمت سيارة والدته. الخلفية الحقد والحسد والعدوانية..

تعرف مصعب على صديقين معه في الجامعة أحدهم يحمل هواية قريب من هوى مصعب وهي القراءة وكتابة القصة القصيرة بالانكليزية والعربية، كانوا يلتقون ويتحدثون، يحدثهم مصعب عن كتابة روايته الأولى والثانية وأنه يعكف على الثالثة، وكيف شجعه على الانتقال من الكتابة الورقية إلى الكتابة على الكمبيوتر، مما دفع مصعب أن يطلب من والده إحضار كمبيوتر من عمله ليستعين به في كتابة روايته الثالثة. وبالفعل احضر له والده كمبيوتر يفتحه فيجد فيه ما سيغير حياته…

أعلمنا مصعب أن هناك عصابات خطف ودعارة ومخدرات وتهريب سلاح تنشط كثيرا. سرعان ما وصلت الى احدى صديقات ابنة عم مصعب حيث خطفت، بحثوا عنها بمساعدة الشرطة كثيرا ولم يعثروا عليها. ثم وبعد فترة من الزمن، اختطفت ابنة عمه ذاتها. وكان ذلك كارثة على مصعب. بحثوا عنها ولم يجدوا لها أي أثر…

المفاجأة كانت أن يجد مصعب في كمبيوتر والده رسالة موجهة لوالده تثبت انه واحد من تلك العصابة. ثم ليتم تفجير الكمبيوتر عن بعد، وتحضر قوة مدججة بالسلاح تأخذه ووالده. ليكتشف أن الخاطفين من العصابة، ويأخذوهم إلى مكان مجهول و يلتقون برئيس العصابة الذي يظهر أنه يتصرف بوحشية مع اعوانه ويقتل اي منهم لاي سبب حتى لو كان تافها. ثم يفرض على مصعب ان يقتل والده بعد اجباره على شرب مواد تلغي إرادته وتجعله مجبرا على تنفيذ اي امر يعطى له، سبب قتل والده لأنه خان وجعل مصعب يعرف بالعصابة وبأن والده معها. ومن ثم يلقونه بعيدا عنهم حيث تم حقنه بمواد تفقده الذاكرة. لكنه يتذكر كل شيء بعد ذلك…

تفرج العصابة عن ابنة عم مصعب وصديقتها لكونهم لم يباعون في سوق الدعارة، و ليوصلوا رسالة الى مصعب ان يستمر بالعمل مع العصابة بدل ابيه والا مصيرهم ثلاثتهم الموت… ولكن تتطور الأحداث دون تحقق ذلك وعدم معاقبة مصعب والفتيات من قبل العصابة ؟!!…

تتطور الأحداث لسنوات تالية عن وقتنا الحالي. ينشر مصعب روايتين والثالثة يطلبون منه ان يحولوها الى فيلم. كذلك يتزوج من ابنة عمه وينجب طفلا وطفلة. يشتري بيتا من ريع رواياته، ويعيش حياة هانئة مع زوجته وأطفاله…

لا تغير بالمحيط، العم القاتل يختفي منذ سنوات. كذلك الحال بأخيه واخته وعائلاتهم لا تغير جذري بمسار احد منهم.

 العصابة تزداد قوة وسطوة وإساءة…

مصعب يصبح مشهورا. لقد حقق حلمه عبر مثابرته وإصراره على تحقيق هدفه وعمله لأجله…

في التعقيب على الرواية اقول:

إن رواية مثابر تظهر أن صاحبها مازال حديث السن والتجربة في الحياة وحتى في الاطلاع. يكفيه شرفا أنه يحمل هاجس ان يصبح روائيا وبالفعل اصبح، وروايته هذه الاولى، كما اهدى روايته للكاتب احمد خالد توفيق ووضع اسمه على لوحة غلاف روايته تحت عنوان: الذي جعل الشباب يقرؤون وبعد ذلك يكتبون أيضا…

الرواية تكاد تكون في فضاء غير محدد، في أي بلد تحدث أحداثها.؟. وفي اي مدينة.؟. بعض المواقف والحالات تبقى غير مفهومة واحيانا غير واقعية…

كيف مرّ قتل الأم دون متابعة واهتمام ؟…

مصعب يقتل والده وكأن ذلك حدث عادي دون منعكس حياتي عليه ؟…

العصابة من هم؟. ومن وراءهم ؟.وكيف وجدوا وأصبحوا متحكمين في حياة الناس.؟. وكأن لا سلطة ترى او تردع او تحاسب؟.

وكيف لم تنفذ العصابة وعيدها بمصعب وابنة عمه وصديقتها. ان لم يتعاون معهم ؟.…

الخ…

والاهم ان حمزة دنو ابن حلب لا يمر ابدا على سوريا وما حصل فيها في أكثر من عقد مضى.؟!!…

ام انّ سوريا حاضرة في قلب العمل تورية، لأن العصابة مازالت حاضرة وتكبر و تتحول الى غول يأكل كل من يتحدث عنها…

 أو حتى يراها في منامه ؟!!…

نعم هاجس أن تكون روائيا، يعني ضمنا ان تكون انسانا يعرف ولا يشبع من الاطلاع، ويقوم بدوره في الحياة، وأن يخدم رسالة الإنسان في الحياة: أن ينتصر لحرية الإنسان وحقه أن يعيش في مجتمع عادل يحترم انسانيته ويصون كرامته ويحقق حياته الافضل…

هذه رسالة الأدب والرواية، وأن لا تعمل لذلك بأي طريقة كانت، لا تكون أدبا أو رواية مطلقا.

9
1

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “مثابر” للروائي السوري “حمزة دنو” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن أوضاع “مصعب” ووالدته للمدينة وحادث غصطدام لسيارة ليدخل مع السرد في عوالمه الذاتية النفسية والفكرية والاجتماعية ، الرواية خارج المكان والزمان .

زر الذهاب إلى الأعلى