هل آن أوان وقف الحرب؟

ماجد كيالي

ستنتهي حرب إسرائيل في غزة، إذ لا توجد حرب إلى الأبد. بيد أنّ المهم كيف ستنتهي؟ أو إلى ماذا ستنتهي، بالنسبة لكل الأطراف، لاسيما بالنسبة لفلسطينيي غزة، الذين فقدوا بيوتهم وعمرانهم، وكل مقومات الحياة لديهم، مع مصرع وجرح وفقدان عشرات الآلاف؟.
في حرب إبادة جماعية كتلك، لا يبدو أنّ الفلسطينيين سيخرجون منتصرين، بالمعنى الكامل للكلمة، وأي كلام عن انتصار ينطوي على تضليل أو مبالغة أو نظرة رغبوية، لا سيما مع كل هذا السحق الذي تعرّضوا له، طوال أربعة أشهر، في حرب وحشية غير مسبوقة.
لذا، يمكن الحديث عن الصمود، والقتال، والتضحية والتحدّي، الذي أبداه المقاتلون، طوال تلك المدة، وهذا كله غير مسبوق، أيضاً، ويستحق التقدير، رغم التفوّق العسكري لإسرائيل، لا سيما قياساً للحروب السابقة التي انتصرت فيها على جيوش عربية عدة، في أيام، وللحروب التي شنّتها على غزة، فهذه المرّة، كانت الكلفة باهظة عليها، في المعنويات، وعلى كل الأصعدة؛ إذا نظرنا إلى الوضع بطريقة موضوعية، وبعيداً من أية تحيّزات مسبقة.
عموماً، نحن إزاء حرب خاضها الطرفان المباشران، إسرائيل و”حماس”، وفق المعادلة الصفرية، كمعركة كسر عظم، فإسرائيل بدأت بالقول إنّها لا تقبل بأقل من إنهاء “حماس”، وتحرير الرهائن الإسرائيليين عندها، وجعل غزة جزءاً من إسرائيل، أو تحت هيمنتها الأمنية. و”حماس” في المقابل، انطلقت من اعتبارها (بحسب خطابات قادتها في الأيام الأولى للحرب) بأنّ هذه حرب للتحرير وإنهاء الاحتلال، وبداية هزيمة إسرائيل، ما يتطلّب من كل القوى الانخراط فيها، بما في ذلك محور “المقاومة والممانعة”، والأمتين العربية والإسلامية.
بيد أنّ ما جرى، بما فيه صمود المقاتلين، واستمرار قدرتهم على القصف والاشتباك، وتعذّر قدرة الجيش الإسرائيلي على تحرير الرهائن، وطول نَفَس المقاومة، وفي المقابل، استمرار إسرائيل في حرب طويلة، وتحمّلها خسائر بشرية باهظة، بعكس الانطباع السائد عنها (عندنا) بعدم قدرتها على التحمّل، أدّى إلى تخليق معادلات جديدة. وقد تمّ ذلك بقوة دفع من: تبرّم الإدارة الأميركية وحلفائها في الغرب من توحش إسرائيل في استهدافها المدنيين، وضغط الحراكات الشعبية في عواصم ومدن العالم على حكومات الدول الغربية، ضدّ حرب الإبادة الإسرائيلية، ونأي محور “المقاومة والممانعة” عن الإنخراط في تلك الحرب، بالقدر الذي كانت تتوقعه أو ترغبه “حماس”… كل تلك العوامل أدّت إلى تزحزح الطرفين عن المعادلة السابقة، والميل إلى تدوير الزوايا، لإيجاد حلول موقتة، قد تفضي إلى حلّ دائم (بالمعنى النسبي).
في الغضون، شهدنا أنّ إسرائيل، بدعم من الحكومات الغربية، كانت لخّصت الحرب بإنهاء “حماس”، وتحرير المحتجزين، والسيطرة أمنياً على غزة، كأنّها ليست دولة احتلال بالنسبة للفلسطينيين وللعالم، ولم تكن تحاصر غزة منذ 17 عاماً، وكأنّها حمامة سلام، وراعية وئام، في الضفة، مع مستوطنيها المتطرّفين، وكأنّها لم تقوّض عملية التسوية مع السلطة الفلسطينية، التي قبلت بحل في 22 في المئة من أرض فلسطين التاريخية؛ وهذه مشكلة كبيرة.
المعنى أنّ المبادرة في إنهاء هذه الحرب، هي بيد إسرائيل، لكنها، أيضاً، بيد الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، والحكومات الغربية الحليفة لها، إذ أنّ “حماس”، بغض النظر عن رأينا بعمليتها الهجومية (في السابع من تشرين الأول (اكتوبر) الماضي)، لا تملك شيئاً تتنازل عنه، سوى ورقة المحتجزين، مع استمرارها بالقتال، بمعنى أنّ هامشها أضيق بكثير من إسرائيل، خصوصاً أنّ كل الأطراف لا تعدها بشيء، سوى إخراجها من المشهد الفلسطيني.
إزاء هذا الاستعصاء، ومع تعدّد المشكلات التي ولّدتها حرب غزة، على أكثر من صعيد، بدليل خفوت كل الأزمات السابقة في العالم (أوكرانيا مع روسيا، وتايوان مع الصين، والسودان) فقد باتت تلك الحرب بمثابة الصاعق المفجّر للعديد من المشكلات، بل إنّه بات يخلق تصدّعات في الرأي العام في الدول الغربية ذاتها، وضمنه تآكل صورة إسرائيل، لصالح التعاطف مع الفلسطينيين، ولعلّ هذا هو معنى اعتبار مسؤولين أميركيين أنّ التطرّف في إسرائيل، وضمنه طبيعة حربها في غزة، بات يشكّل خطراً على إسرائيل وعلى الدول الغربية. وذلك يفسّر أيضاً توجّه الإدارة الأميركية لفرض عقوبات على المستوطنين المتطرّفين في الضفة الغربية (مؤخّراً)، ومعنى إعلان وزيري خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دراسة الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية، وإيجاد نافذة حلول، موقتة، لكي تؤدي إلى فتح الأفق السياسي أمام الفلسطينيين، بل إنّ ذلك بات شرطاً للأطراف العربية الفاعلة للمشاركة في دعم أي حل، وضمنه للمشاركة في إعادة إعمار غزة.
عليه، ووفقاً لاعتبارات عديدة، يمكن الاستنتاج بأنّ الإدارة الأميركية (والحكومات الغربية) باتت تشتغل وفق مقولة: “إنقاذ إسرائيل رغم أنفها”، لصاحبها جورج بول، مساعد وزير الخارجية الأميركية الأسبق (عهد الرئيس جيمي كارتر)، يعزّز من أهمية هذا التوجّه اليوم في مقاطعة إدارة بايدن وحكومات الغرب للحكومة المتطرّفة التي يترأسها بنيامين نتنياهو (منذ إقامتها أواخر العام 2022)، والتي تضمّ المتطرّفين القوميين والدينيين مع شخصيات مثل بن غفير وسموتريتش، بسبب محاولتها تغيير النظام السياسي في إسرائيل، بالانقلاب على السلطة القضائية (المحكمة العليا)، وهو الأمر الذي توقف بعد الحرب، ولكنه بدأ يستعيد زخمه السابق الآن، مدعوماً بالتداعيات الأمنية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية الناجمة عن الحرب، والتي جعلت إسرائيل عبئاً على الغرب، في المنطقة وفي العالم، وفي الغرب ذاته.
لا أحد يمكن أن يتوقع أن تقف الولايات المتحدة وحكومات الغرب كمنصفة تماماً للفلسطينيين، لكن الواضح أنّها باتت تنظر بعين الجدّية لمختلف الانعكاسات السلبية، التي باتت تلحق بصورتها، وبالقيم التي تدّعيها، إزاء مجتمعاتها وعلى مستوى العالم.
المعنى، أنّ الوعد بدولة فلسطينية، قد يكون مراوغاً، لكنه سيُسجّل كوعد، وكبداية النهاية لأفول مركزية إسرائيل في العالم الغربي، وفي الولايات المتحدة خاصة. بيد أنّ المهم الآن، هو وقف حرب الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين في غزة، ووضع إسرائيل عند حدودها، بما فيه في الضفة الغربية، وبذل الجهود من أجل رفع الحصار عن غزة، وإدخال المساعدات إليها، ومعاودة إعمارها، وصولاً إلى تمكين الفلسطينيين من استعادة حياتهم، في دولة فلسطينية مستقلة، بإرادتهم الحرّة، لتنمية كياناتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ هذا أقل شيء مطلوب، الآن، وأي شيء آخر، سيأتي في وقته، وفي ظلّ معطيات أو ظروف أخرى.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لا توجد حرب بلا نهاية، وحرب غزة ستنتهي، وآن الآوان لنهايتها ، ستكون بدون نصر كامل لكلا الطرفين بعد أن أنهكتهما الحرب والدمار و.. ، وجميع الوعود من المجتمع الدولي بحل الدولتين ، والدولة الفلسطينية بحدود 4حزيران 1967 و… قد تكون الوعود مراوغة، لكنه سيُسجّل كوعد، وكبداية النهاية لأفول مركزية إسرائيل في العالم الغربي .

زر الذهاب إلى الأعلى