الرستن مدينة من أوائل المدن التي ثارت ضد حكم أسد الطائفي رغم أنَّ الأجهزة الأمنية كانت تراهن على عدم خروج أبناء المدينة عن الولاء لحكم أسد، أو انضمامهم لصفوف الثورة، بل راهنت على بقاء الرستن تحت سيطرة القبضة الأمنية، بل ولربما الاعتماد على شبابها في قمع الثوار لوجود أعداد كبيرة من أبنائها في سلكي الجيش، وأجهزة المخابرات بشكل خاص، وباقي المؤسسات بشكل عام. لتتفاجئ بخروج مظاهرات عارمة فيها، وانشقاقات أعداد كبيرة من أبنائها بمختلف اختصاصاتهم، ورتبهم عن الجيش الطائفي الذي ارتكب أشنع المجازر بحق السوريين في مختلف المناطق.
كان أبناء الرستن كباقي أحرار سورية يراقبون بحذر ثورات الربيع العربي في تونس، مصر، وليبيا. ويأملون في الخروج بثورة ضد أسد. خاصةً أنَّ الفساد، والطائفية، والتشييع، والعداء أظهرته الطائفة النصيرية من حقدٍ، وإجرامٍ، وعداوة للشعب السوري علانيةً، ومن دون خجل وخصَّت بذلك المسلمين.
لم تتأخر الرستن عن اللحاق بركب الثورة التي انطلقت من درعا، دمشق، وحمص. فشهد الجيش أولى انشقاقات في صفوفه من أبنائها الأحرار في الرستن، وفي جميع المحافظات السورية، وخاضوا ضد أسد معارك مشرفة، كما رووا بدمائهم الزكية المناطق التي كانوا يتواجدون فيها. ناهيك عن نيلها شرف إسقاط أول، وأضخم صنم للمقبور الهبل حافظ أسد عبر مظاهراتها الدائمة التي لم تتوقف حتى أثناء الاقتحامات عليها. وكانت أول مدينة في سورية تتحرر بالكامل عن القبضة الأمنية، وباقي المؤسسات. فتحررت ببنادق الصيد، ومسدسات حربية، وببعض القنابل اليدوية على أيدي أبنائها في مفرزة الأمن العسكري بعد سقوط نحو اثنين وعشرين شهيداً في جمعة الغضب. وبذلك كانت أول مدينة تتحرر في سورية عن الحكم بشكل كامل بتاريخ 29/4/2011.
الأمر الذي حدا بالرستن لتلقي حملتين عسكريتين شرستين عليها. بدأت أولى الحملات بتاريخ 29/5/2011 لمدة سبعة أيام متتالية نتيجة تزايد أعداد المنشقين فيها، واستمرارية مظاهراتها التي لم تنطفئ عندما كان جيش بشار يقضم المدن، والبلدات الثائرة فتتناقص نقاط التظاهر، ويقل أعداد المتظاهرين خوفاً من الوقوع في القبضة الأمنية التي لا تعرف للإنسانية قيم، وكرامة. فنُظمت مظاهرات الرستن عن طريق اللجنة التنظيمية والإدارية لتنتقل من مظاهرات دورية أسبوعية كل يوم جمعة إلى مظاهراتٍ مسائية بشكل يومي. ولتشارك في إضراب الكرامة، كما كانت تنسق مع باقي التنسيقيات من أجل توحيد الجهود والوصول إلى العاصمة دمشق لإسقاط حكم أسد. الأمر الذي لم يستطيع نظام الحكم أن يتقبله. فأعدَّ الحملة العسكرية الثانية لدخول الريف الشمالي لحمص. وبدأت الأخبار تتسرب لنا كنشطاء، وضباط أحرار بأن الجيش يعتزم احتلال الرستن بأكثر من أربعين ألف جندي، وأكثر من مائتي دبابة، وناقلة جنود، وسيارات دفع رباعي، وحافلات شبيحة.
اجتمعنا كأعضاء التنسيقية في منزل الأستاذ عبد الباسط رجب مع الضباط الأحرار بقيادة الرائد عبد الرحمن الشيخ علي لنخرج جميعنا بقرار واحد مجابهة الجيش، والتصدي له، والدفاع عن أهالي الرستن لعدة أسباب تصبُّ جميعها في خانة مصلحة الثورة. كانت المعنويات عالية جداً، والأمل كبير بالتصدي لقوات الجيش، ومخابراته، وأنَّ هذا الحدث قد يُشعل مناطق ثانية نصرةً لثوار الرستن.
بدأ الإعداد من أجل التصدي للحملة المتوقعة ليل نهار بقيادة الرائد عبد الرحمن، والملازم أول أحمد خلف من حفر للخنادق، وبناء للمتاريس، وتلغيم لمداخل المدينة، وتأمين الذخائر، فيما تولى أعضاء التنسيقية تأمين المشافي الميدانية بكل ما يلزمها من معدات. والمساعدة بشراء أسلاك كهربائية، وبطاريات لتفجير الألغام، بالإضافة إلى مساعدة الجيش الحر بتأمين كل ما يلزمه ضمن الإمكانيات المتاحة.
في منتصف ليل الثلاثاء بتاريخ 27/9/2011 تمَّ تطويق الرستن من الجهات الأربعة. وعند الساعة الخامسة والنصف فجراً بنفس التاريخ انقطعت الكهرباء، والاتصالات الأرضية، والخلوية. سُمع هدير الدبابات لتنذر بأن الجيش قد بدأ بشن عدوانه على الرستن. كان عددنا لا يتجاوز المائتي ثائر موزعين على عدة جبهات للتصدي لجيش عرمرم مدجج بالدبابات، وناقلات الجند، وعربات الشيلكا.
بدأت الاشتباكات، وكان القتال عنيفاً جداً ًبين طرفين غير متكافئين. لا عدداً، ولا تسليحاً. كان كل ما نملكه ثلاث قواذف مضادة للدروع، وثلاث رشاشات بي كي سي، وأقل من مائتي بندقية حربية. الاعتماد الأكبر كان على التلغيم، والكمائن، والغنائم التي كانت تصلنا من قتلاهم، وهروبهم من الاشتباكات مع الثوار.
لم يستطع جيش بشار في أول يومين أن يتقدم مئة متر نتيجة الصمود الذي أبداه أبطال الرستن، والمعارك التي كان طرفا القتال لا يبعدون عن بعضهم بضعة أمتار فقط. استشهد في اليوم الثاني للحملة الملازم أول أحمد خلف. ثم حوصرت مجموعة الملازم أول أمجد الحميد، واستطاع الثوار فك الحصار عنها، ورد الجيش. الذخائر بدأت بالنفاذ، وأعداد الجرحى بتزايد. ولا يوجد بصيص أمل لتصلنا الذخائر بسبب تطويق الرستن من الجهات الأربعة.
في الثلاثين من شهر أيلول يوم الجمعة أخبرني الرائد عبد الرحمن بضرورة الخروج، والانسحاب بسبب نفاذ الذخائر، وكثرة الجرحى. وأننا استطعنا تأمين فجوة ليخرج منها الثوار مع جرحاهم سالمين.
خرج من خرج. ومن لم يستطع الخروج اختبئ في أماكن سرية لتبدأ مرحلة جديدة من النشاط الثوري القتالي، والمدني. حيث استمرت المظاهرات خارج مدينة الرستن في قرى الغرناطة، والزعفرانة، وعز الدين أبو حمرا. بينما كان الجيش الحر يقوم بضرب الحواجز التي أقامها الجيش في المدينة، وعلى أطرافها.
كان أهالي المدينة يستنجدون بنا لإخراج الجيش. المظاهرات تتطلب العودة لداخل المدينة للتأكيد على أنَّ الثوار لن يستسلموا، ولن يتراجعوا عن أهداف نصبوها أمام أعينهم، وأقسموا على تنفيذها. وفي إشارةٍ أخرى أن الرستن لأهلها كما أنَّ سورية للسوريين وليست لآل أسد.
تناقشنا في إعداد خطة لتحرير الرستن كتنسيقية مع الضباط الأحرار في المزارع التي تقع غرب الرستن، وشرقها. توافقنا على خطة التحرير رغم عدم اكتمال العدة، والأسلحة، والذخائر. كان عدد المشاركين في التحرير لا يزيد عن أربعمائة ثائر.
بدأت مجموعات الثوار تدخل المدينة من مساء الخميس، وفجر الجمعة بتاريخ 27/1/2012 لتشتبك مع مفارز الأمن العسكري، والسياسي قبيل صلاة الجمعة.
كانت فرحة أهالي الرستن لا توصف. بدأنا بمظاهرة في ساحة الجامع العمري بنفس اليوم الذي دخلنا فيه المدينة. تحولت المظاهرة إلى عرسٍ حقيقيٍ حُمل الثوار فيه على الأكتاف.
انتهت المظاهرة عصر ذلك اليوم بعد أن أدخلت الرعب الحقيقي في قلوب الحواجز التي كانت تحتل المدينة. بعدها ذهبت كل مجموعة من المجموعات إلى قطاعها التي أوكلت بتحريره. لم يكن التحرير سهلاً. فبعض الحواجز كانت كالقلاع. وبعضها يمتد لأكثر من عشرة منازل كحاجز الصليبة. كما أن التحرير كان يتطلب سلاح نوعي للتعامل مع التحصينات القوية وهذا ما كان يفتقره الثوار في تلك المرحلة.
تكلل حاجز الحامض بالتحرير. وكان أول حاجز يتحرر. تبعه حاجز الشحرور، والصليبة. ثم تتالت الحواجز بالاندحار، أو الفرار، أو كليهما رغم إمطار الثوار بمئات قذائف الهاون التي انهالت عليهم من كتيبة الهندسة شمال الرستن، وكتيبة الكيمياء في المشرفة. ناهيك عن استخدامهم للدبابات في محاولة لفك الحصار عن حواجزهم، وضباطهم المحاصرين من قبل الجيش الحر لتتحرر المدينة بشكل كامل للمرة الثانية بتاريخ 5/2/2012. لتبقى الرستن كأخواتها من المدن، والبلدات حرة تدير مرافقها بنفسها، وتدافع عن أهلها إلى أن فرض حكم بشار حصاراً خانقاً بعد يأسه من الدخول إليها مراراً رغم استخدامه لسلاح الجو، وباقي الأسلحة الثقيلة. ولم يستطع جيش بشار، وميلشياته بالتعاون مع الطيران الروسي أن يدخل المدينة إلا بعد التوقيع على مناطق خفض التصعيد التي نصَّت عليها سوتشي الغدر، وأستانا الخيانة التي فرضت التسوية، والمصالحات مع أسد، أو تسليم السلاح للأخير، والتهجير ليحل المرتزقة الشيعة مكان السكان الأصليون.
كل التحية لأرواح شهداء الثورة السورية الأبطال
كل التحية لمن هتف ضد حكم أسد
كل التحية لمن تظاهر من شكل دوري أسبوعي إلى شكل يومي في مدينة الرستن وأريافها
كل التحية لمن نقل نشاط الثورة من العمل المدني إلى العمل القتالي بعد نفاذ النشاط المدني الذي لم يستغله المجتمع الدولي في وجه آلة الحرب التي استخدمها نيرون العصر بشار أسد ضد السوريين.
كل التحية لمن نقل العمل العسكري القتالي من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم والتشبث بالأرض، والحفاظ عليها.
كل التحية لمن لا يزال يراهن على استمرارية الثورة، وحتمية انتصارها.
وبتلك المناسبة أهدى ثوار الرستن تحرير مدينتهم لثوار سورية الأحرار. ونعاهدهم بالحفاظ على قسم الثورة، وإنَّا وإياهم في ساحات المعارك لسائرون حتى التحرير، والنصر، وإسقاط حكم عائلة أسد، ومحاسبة المجرمين، وبناء سورية العدل، والعلم، والقوة.
المصدر: سورية الأمل
“الرستن” أول مدينة سورية تتحرر من سلطة طاغية الشام بشكل كامل بتاريخ 29/4/2011 مع انطلاق ثورة شعبنا بمنتصف آذار 2011 ، قراءة موضوعية دقيقة لسيرة نضال شعبنا بالرستن لتحقيق حريته وإستقلاله عن سلطة طاغية الشام .