اختلاف أم خلاف في حراك السويداء؟

إيمان أبو عساف

في الجمعة الأولى من العام الجديد، تهيأت الساحة كعادتها يوم الجمعة لاستقبال وفود المناطق والأرياف، وكانت الوفود تحمل بيارق خاصة والبعض يحمل راية التوحيد وقسم يحمل علم الاستقلال السوري الذي يسمى بالعلم الأخضر أو علم الثورة.

وبدأ المشهد بتوجيه التحية إلى المناطق السورية عبر أغاني الثورة ليتوقف فجأة الهتاف وتتجه الأنظار نحو بناء المصارف والمالية، والذي غطى قسم منه راية التوحيد، لنرى ثلة تحاول إنزال الراية، مع سجال كاد أن يصل لصدام.

بتدخل العقلاء، هدأ الوضع لتتم متابعة المظاهرة لوقت قصير عبر هتافات وشعارات تحيي سوريا الوطن وتسقط المشاريع الانفصالية.

كان المشهد سيحدث على إثر لغط واختلافات مضمونها إيديولوجي، إذ إن المحافظة مثل كل المحافظات وعبر تاريخها القريب تأثرت بالعقائد القومية واليسارية وما بينهما.

وإلى حد ما، استطاع قادة الحراك تجاوز هذا الأمر، وخاصة عندما يتم البحث عن مشتركات لإنجاز مهمة تحرير سوريا، ثم تأتي لاحقاً الاصطفافات الحزبية وبإشراف ورعاية من المشيخة الروحية.

وفي الحقيقة، نمت تيارات وكتل وتجمعات متعددة في ظل الحراك، واعتبر البعض أن الأمر يدل على الحيوية والخصوبة وأنه سيتجه نحو إنتاج مشروع وطني مشترك غني بالتنوع والتعدد.

ورأى البعض أن الأمر ممكن أن يؤدي لشق الصف، ويمكن استغلاله من قبل القوى الأمنية والنظام، وأنه يدل على هشاشة سياسية بسبب تغييب استمر عقود في ظل سلطة مستبدة، ولكن الساحة كانت الفيصل مع تطور تجربة الحراك، هكذا اتفقت الأغلبية، كما تم الاتفاق على ممارسة النقد وتصحيح الأخطاء والاستمرار في السلمية، وجعل أولوية استقلال سوريا فوق أي أمر، الاستقلال الذي تسبقه عملية الإفراج عن المعتقلين والمغيبين قسرياً والدعوة إلى إسقاط النظام، ثم تطبيق القرار الأممي 2254 .. الخ.

وآخر مشهد في الحراك أتى ليظهر أن مخاوف البعض من حزب مذهبي، ذهب إلى حد إظهار العداء عبر الدعوة لإخراجه من ساحة التظاهر واعتبار مشروعه طريقا نحو نكبة لا تقل عن نكبة فلسطين أو نكسة حزيران.

وطلب جمهور الساحة البحث عن أساليب رادعة لحزب اللواء الذي عرف له تاريخ عسكرة مرافق لمشروعه..

ولأهل السويداء حساسية متعلقة بالمشاعر الوطنية على اعتبار أن تاريخ الجبل هو مرتبط بالبعيد والقريب بالوطن السوري والعمق العربي، وأن قيادة الثورة السورية الكبرى التي سلمها الثوار بإرادة حرة لسلطان باشا الأطرش حملتهم كثيرا من أثقال المشروعية الوطنية في السيادة والاستقلال، ليبلغ الأمر حد التطرف، واعتبار خطر الدعوات الانفصالية لا يقل خطورة عن مشروع الصهيونية.

ويبدو أن المخاوف والشكوك من حزب اللواء قد تكون حقيقية على ضوء مآل سياسي غير معروف، وأن تاريخ الحزب مرتبط بأحداث أليمة في الجبل عزز مشاعر الشك بالمهمة الوظيفية للحزب المكلف بها من قبل النظام وإيران.

في الأيام التالية للخلاف، تحولت السويداء إلى حالة شحذ لليقظة والتنبه والحذر، وبدأت الدعوة إلى البحث عن طرق وآليات تضع الحزب في خانة الرفض والبحث الحثيث عن اتفاق ووفاق واختلاف وتعدد مخصب لإنتاج مشروع سوريا الحرة المستقلة، والتي تتساوى فيها الإثنيات والمذاهب والنحل والذكر والأنثى أمام القانون العادل.

وعلى ما يبدو، كانت التجاذبات في الساحة وعلى هوامشها ولواحقها سبباً في مراجعةٍ قوامها النقد البناء، والبحث عن محفزات تعتمد في كليتها على الإصغاء العميق والمرهف لما يدور، فالقضية أولاً وأخيراً هي قضية الشعب السوري، والحراك هو متابعة للثورة السورية والتأثير في عودة التظاهر على أساس مشتركات محورية وملحة، هي عملية تقوم على تواصل عبر كل الوسائل ومن خلال فعاليات متعددة ومتنوعة وصولاً إلى موقف.

وأما فيما يخص تدخلات فروع الأمن، فالأمر كان معلوماً ومحسوماً منذ بداية الحراك، لكن ضمن مراجعة ما سبق تم التأكيد على أن عملية الانتباه والحذر لم تشحذ كل قواها، وهذه الأمر متعلق باتخاذ استعدادات تتطلبها المرحلة الحساسة والتي بدأت للتو خطوات عملية لإشراك جميع المحافظات في حراكنا، وهذا يبدو أهم ما يمكن أن يمثل ضمن هذه الظروف نقلة نوعية.

فلا النظام توقف ولا الاحتلالات خرجت ولا القوى الإقليمية ولا الدول الكبرى أخذت قسمتها، وأمر المشروع الوطني كمرحلة تنفيذية ما زال نسبياً متأخراً، وليس هناك ما يجعل الحراك متجاوزاً ومنتجاً بقدر توسيعه عمقاً واتجاهاً.

 

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مع استمرار انتفاضة الأحرار بالسويداء بالشهر الخامس ولليوم الـ155 يحاول نظام دمشق وجهات اقليمية استغلال هذه الانتفاضة لتحقيق أجندات لاوطنية ، وكان محاولات حزب اللواء السوري إحداها لأن تاريخه مرتبط بأحداث أليمة في الجبل عزز مشاعر الشك بالمهمة الوظيفية للحزب المكلف بها من قبل النظام وإيران.، إنه خلاف بالغاية .

زر الذهاب إلى الأعلى