نعم انجبت سوريا الكثير الكثير عبر تاريخها المعاصر من النجباء الذين عبّروا من خلال انتصارهم الإنساني والحياتي وبكل ما يملكون حتى حياتهم من أجل قضايا السوريين العادلة بدء من حقهم بالعيش بكرامتهم الانسانية مصانة حقوقهم منعمين بالحرية على كل مستوياتها، والعدالة الاجتماعية تحقق مستوى المعيشة المقبولة، والديمقراطية إدارة للسياسة في الدولة تنهي الاستبداد والقهر والجور والفساد والمحسوبية والمظلومية وتضع السوريين كل السوريين على طريق الحياة الأفضل التي يستحقونها…
أحد هؤلاء النجباء من أبناء سوريا هو:
رياض الترك، ابن حمص العدية، عاش شبابه وسوريا تصارع أواخر المستعمر الفرنسي. ومنذ نشأته الاولى انتسب للحزب الشيوعي السوري منتصرا لقضية العدالة الاجتماعية، لم يسكت عن ظلم من أي نظام تعاقب على سوريا. وأصبح من قيادات الحزب الشيوعي في لجنته المركزية…
لم يكن خلاف رياض الترك وما يمثل داخل حزبه من تيار مع حزب البعث الذي استولى على السلطة بعد انقلاب آذار عام ١٩٦٣م الذي أسقط الانفصال. وكيف أصبح البعث الحاكم لسورية حكما استبداديا اقصائيا لكل مختلف عنه، بحيث حصلت داخل حزب البعث تصفيات أدت لطرد تيار القيادة القومية عام ١٩٦٦م بقيادة الاسد الاب وصلاح جديد. ثم تم إقصاء صلاح جديد نفسه عام ١٩٧٠م وتحول سوريا لدولة الأسد…
عاش الحزب الشيوعي السوري مخاضا داخليا. سواء من جهة العلاقة مع النظام وسيطرة الأسد الاب على السلطة في سوريا ومحاولته تدجين كل القوى الوطنية الديمقراطية السورية (الشيوعيين والناصريين والاشتراكيين العرب و الوحدويين الاشتراكيين) ليكونوا أدوات في سياسته دون أي حضور وفعالية حيث ثبّت سيطرة البعث على الدولة والمجتمع وفق دستور عام ١٩٧٢م. كما كان يمور داخل الحزب الشيوعي السوري حوارات داخلية معمقة حول قضايا كثيرة تركزت حول الموقف من القومية العربية والوحدة، و حول قضية فلسطين وشرعية الكيان الصهيوني وحول الموقف من النظام المستبد السوري. وحصلت اكبر مراجعة نظرية في التيار الماركسي الشيوعي العربي. صدرت بعد ذلك في كتاب: قضايا الخلاف في الحزب الشيوعي السوري.
تزعم رياض الترك التيار التجديدي الثوري في الحزب الشيوعي. وكان معه اغلب اعضاء المكتب السياسي ووصلوا مع قيادة الحزب التاريخية إلى مفترق طرق. واصبح الحزب حزبان. لقد كان الموقف من النظام وقبول السير معه في الجبهة الوطنية التقدمية القشة التي قصمت ظهر البعير. حصل ذلك في عام ١٩٧٢م.
أصبح الحزب الذي يقوده رياض الترك يحمل اسم الحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي. ومنذ ذلك الوقت تحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي العربي و الوحدويين الاشتراكيين والاشتراكيين العرب وحزب العمال الثوري وتتابعت التفاعلات بينهم حتى أسسوا التجمع الوطني الديمقراطي السوري. وشكّلوا الرافعة والمظلة لكل الحراك الوطني السوري في النضال لإسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية في سوريا…
كانت سوريا على موعد مع فصل جديد من الصراع بين الطليعة المقاتلة الاسلامية والنظام السوري منذ عام ١٩٧٥م، الذي استثمره النظام حتى يطيح بكل قوى المعارضة السورية ومنها الوطنية الديمقراطية . ولم يكن أمام القوى الديمقراطية الا ان تعلن موقفها وتعمّمه في الشارع السوري وفي مناشيرها وبياناتها. بالتوافق مع القوى المدنية والنقابات المدنية السورية. في رفض صيغة الصراع الطائفي والعنف للطليعة المقاتلة ورفض رد النظام الوحشي على الحراك الشعبي. الذي تتوج باعتقال الكثير من القوى الديمقراطية السورية وكانت حصيلة ذلك عشرات الآلاف من ضحايا عنف النظام في عموم سوريا…
كان صوت رياض الترك وقتها عاليا وكان رمزا وطنيا اكتشف النظام اهميته. لذلك اعتقله منذ ذلك الوقت حوالي العقدين من الزمن. واستمر رياض الترك ذلك الإنسان الذي حمل الراية واستمر يمثلها…
تم الافراج عن رياض الترك عام ١٩٩٨م . الذي أصبح يحمل رمزية اعتباره مانديلا سوريا لطول اعتقاله وصلابته في مواقفه الوطنية الديمقراطية. وعاد ليأخذ دوره وحضوره في حزبه وفي التجمع الوطني الديمقراطي. وعندما مات الاسد الاب، أعلن مقولته المشهورة : مات الديكتاتور. ورفض التوريث للأسد الابن وكان حاضرا في حراك ربيع دمشق في بداية حكم الأسد الابن. اعتقل مجددا لعامين ونصف لأجل مواقفه الجذرية من النظام في سنوات ربيع دمشق…
استمر رياض الترك نموذجا للتجديد سواء داخل حزبه في البنية التنظيمية و في اطروحاتهم النظرية الفكرية. وحصل مؤتمر لهم أدى الى تغيير اسم الحزب ليصبح حزب الشعب الديمقراطي. ويتم انتخاب أمين عام جديد للحزب الجديد. وهذا سلوك عملي لتجاوز الذاتية وتتمثل الفكر الديمقراطي ولتجاوز الشمولية الفكرية والسياسية في فكر حزب الشعب الديمقراطي إلى غير رجعة…
وعندما حدثت الثورة السورية كان رياض الترك وحزبه وبقية الاحزاب الديمقراطية السورية من صلب الحراك الثوري السوري وعلى مدى الخارطة السورية كلها…
نشط رياض الترك سياسيا و اغاثيا وفي كل مناشط الثورة السورية. وعندما أصبح تحت التهديد الأمني واحتمال الاعتقال مجددا غادر سوريا الى منفاه في فرنسا…
بقي رياض الترك الرمز الوطني الديمقراطي محافظا على صلابته ومواقفه السياسية منتصرا للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية في سوريا حتى وفاته في منفاه في صبيحة اليوم الاول لعام ٢٠٢٤م…
غاب رياض الترك بجسده لكنه أصبح نجما ينير سماء سوريا لأجيال قادمة …
وداعا رياض الترك ابو هشام ابن عم كل السوريين…
رحل عنا المناضل مانديلا سورية إبن العم ابو هشام “رياض الترك” ابن حمص العدية الرمز الوطني الديمقراطي في بداية عام 2024 ليواكب بقية المناضلين الذين غادرونا خلال الأعوام الأخيرة الله يرحمه ويغفر له ، نقول وداعا رياض الترك ابو هشام ابن عم كل السوريين ستظل نجما ينير سماء سوريا لأجيال قادمة .